لماذا سميت الموشحات بهذا الاسم

كلمة الموشح في اللغة مشتقة من الوشاح، وهو ما تتزين به النساء كالقلادة، فيكون نسيجًا عريضًا مرصعًا بالجواهر، وقد استعيرت هذه التسمية للموشحات الأندلسية؛ لما فيه من زخرفٍ وجمال، على شكلٍ واحدٍ في القافية والوزن[١]، والتعريف الأقرب إلى هذه التسمية؛ هو تعريف أبو هلال العسكري البلاغي له، والذي بين أن التوشيح يعني أن يكون أول الكلام دالًا على آخره وصدره يشهد بعجزه، فإذا بدأ الوشاح موشحته بالغزل، أنهاها بالغزل، وعدد أشطر البيت الأول تنبئ بعددها في الأبيات الأخرى، كما أن قوافي المطلع تنبئ بقوافي الأقفال.[٢]


تعريف الموشحات

الموشحات نمط من الكلام المنظوم، ظهر في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري، أي التاسع الميلادي، وهو من ظواهر التجديد في الشعر العربي إلى جانب الأزجال، ويقول ابن سناء الملك فيه: "الموشح كلام منظوم على وزنٍ مخصوص، وهو يتألف من ستة أقفالٍ، وخمسة أبياتٍ ويقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات"، وبذلك يظهر أن الموشحات تختلف في أوزانها عن أوزان الخليل، رغم وجود ب٦ منها على أوزانه، وبذلك تقسم إلى قسمين، ما جاء منها على أوزان أشعار العرب، وما جاء بلا وزن فيها.[٣]


ظهور الموشحات

يقول ابن خلدون في سبب ظهور الموشحات: "وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم، وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنًا سموه بالموشح ينظمونه أسماطًا أسماطًا وأغصانًا أغصانًا يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة، يسمون المتعدد منها بيتًا واحدًا، ويلزمون عدد قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتقي عندهم إلى سبعة أبيات، ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب، وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد"[٤].


ويعد أصل ظهور الموشح هو الأندلس، فقد أجمع المؤرخون على ذلك، بل وأشادوا ببراعة الأندلسيين في هذا اللون[٥]، ويقول الدكتور أحمد هيكل في سبب ظهور الموشحات أيضا: "وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبد الله المرواني، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب، وقوى الاحتكاك العربي بالعنصر الإسباني من جانبٍ آخر فكانت نشأة الموشحات استجابة لحاجة فنية أولًا ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانيًا، أما كونها استجابةً لحاجةٍ فنية فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى والغناء منذ أن قدم عليهم زرياب، وأشاع فيهم فنه وأصبحت الحاجة ماسة إلى لونٍ من الشعر الجديد، ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تنوعت فيه الأوزان وتعددت القوافي..".[٦]


مُؤلف الموشحات

هنالك صعوبة في تحديد أول من صنع وظهر بالموشحات الأندلسية، فمثلًا يقول ابن بسام في ذلك: "وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها فيما بلغني محمد بن محمود القبري الضرير"، ولكن ابن خلدون يقول بأن المخترع لها هو مقدم بن معافي الفريري، أما عمّا يجمع هذان الشخصان هو أنهما سكان نفس القرية وهي "قبرة"، وربما هما شخص واحد[٧]، ولكن المؤرخين وجدوا أن مقدم بن معافى ليس هو محمد بن محمود الذي ذكره ابن بسام، لأن هنالك أخبارًا عن الرجلين، وفي ذلك فقد انقسموا إلى قسمين في تحديد الأمر[٨].

المراجع

  1. نميش أسماء، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوروبي القديم شعر التروبادور أنموذجا، صفحة 30. بتصرّف.
  2. الدكتور محمد عباسة، الموشحات والأزجال الأندلسية وأثرها في شعر التروبادور، صفحة 47. بتصرّف.
  3. نميش أسماء، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوروبي القديم شعر التروبادور أنموذجا، صفحة 32. بتصرّف.
  4. نميش أسماء، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوروبي القديم شعر التروبادور أنموذجا، صفحة 32-33. بتصرّف.
  5. الدكتور محمد عباسة، الموشحات والأزجال الأندلسية وأثرها في شعر التروبادور، صفحة 52-53. بتصرّف.
  6. كوثر هاتف كريم، البناء الفني للموشح النشأة والتطوير، صفحة 6. بتصرّف.
  7. كوثر هاتف كريم، البناء الفني للموشح النشأة والتطوير، صفحة 5. بتصرّف.
  8. الدكتور محمد عباسة، الموشحات والأزجال الأندلسية وأثرها في شعر التروبادور، صفحة 57. بتصرّف.