الشِّعر في الإسلام

ظلَّ الشِّعرُ مزدهرًا في صدرِ الإسلامِ، ولم يضعُفْ أو يتأثّرْْ، بحسب ما ذكرَ ابن خلدون ومن تابعه، عندما اعتبر أنّ العربَ انصرفوا عن الشّعرِ، وانشغلوا بأمورِ الدّينِ، والنّبوّة، والوحي، وما أدهشهم من إعجاز القرآن، فسكتوا عن نظم الشّعر، والّنثر، وهذا ليس صحيحًا فجميعنا يعلم عن الشّعراء الثّلاثة الّذين وقفوا إلى جانب الرّسول محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ينافحونَ عنه، وهم: حسّان بن ثابت شاعر الرسول، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وبقي الشّعر حتّى في العامين الأخيرين من حياة النّبيّ محمّد، عليه الصّلاة والسّلام، عندما كان يتقدّم كلّ وفدٍ، ومعه خطباؤه، وشعراؤه.[١]


تأثر الشعراء بالإسلام

تأثر الشعراء بالإسلام، وقد ظهر هذا في شعرهم الذي آزرَ الإسلامُ، لا سيّما ما كان في الدّفاع عن الدّعوة الإسلاميّة. وقد وقف الإسلام من قضيّة الشّعر بحسب مقتضى الحال؛ إذ قرَّب شعرًا، ورفض شعرًا، وذلك بحسب طبيعة الشّعر. ممّا جعل الشّعرَ في العصر الإسلاميّ يمتاز بخصائص معيّنة، ويُظهر تأثر الشعراء به بما يأتي:[٢]

  • أوّلًا: الميل إلى الموضوعات الدّينيّة، بالتّحدُّث عن الدّين، والدّفاع عن الدّعوة الإسلاميّة، مثل ما نراه في شعر حسّان بن ثابت؛ فغلب الدّين على الشّعر، وبرزت الألفاظ الدّينيّة في الشّعر، كالوحي والإيمان، فسيطرت القصائد الإسلاميّة مظهرةً القيم الدّينيّة، والمثل الّتي يدعو إليها الإسلام.
  • ثانيًا: ندرة شعر المديح والهجاء، فقد نهى الإسلام عن الهجاء الّذي يؤجّج الأحقاد، والضّغائن بين المسلمين، وخاصّةً بعدما نهى الرّسول محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، الشّعراء المسلمين عن الهجاء، بسبب إيذاء المشركين للرّسول والمسلمين من خلال الهجاء.
  • ثالثًا: إيراد الحكم، والنّصائح، والأمثال، فانتشر شعر الحكمة، وما يدلّ على القيم المستمدّة من ديننا الإسلاميّ، الّذي أبطل الجهالة والوثنيّة، والقتل، والثّأر، وشرب الخمر، والفرقة، والحرب.
  • رابعًا: البعد عن الغزل الفاحش الصّريح الماجن، والّذي فيه تصوير حسّي للمرأة دون خجلٍ أو تهذيّبٍ؛ فقد هذّب الإسلام من لغة الشّعر، وأثّر في الشّعراء، لا سيّما ممّن دخلوا في الإسلام، فأصبح شعرهم أكثر رقّةً.
  • خامسًا: الخوض في السّياسة، لا سيّما في ظلّ الفتوحات الإسلاميّة، فقد خرج العرب من جزيرتهم، بعد حروب الرّدّة، مجاهدين في سبيل الله، فقضوا على الفرس، واستولوا على أهمّ ولايتين للرّوم، فتغنّوا بانتصاراتهم، وأخذوا يمتدحون شجاعتهم، وما يؤدّون لله، والدّين الإسلاميّ.
  • سادسًا: تحوّل العصبيّة القوميّة في الشّعر إلى عصبيّة إسلاميّة، فقد أصبح عبد الله بن رواحة يعيّر المشركين في هجائه لهم بالكفر.


أبرز شعراء الإسلام

لمع في العصر الإسلاميّ شعراء وقفوا إلى جانب الإسلام، ونافحوا عنه بأشعارهم، وحملوا همّ الدّعوة الإسلاميّة، فتجلّى إيمانهم وثباتهم في أشعارهم، ومن أبرز هؤلاء الشّعراء:

  • أوّلًا: حسّان بن ثابت: وهو حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرّام الخرزجيّ، أبوه من سادة قومه وأشرافهم. وكان حسّان يتردَّدُ قبل الإسلام على بلاط الغساسنة، وعُرف أنّه كان لسان قومه في الحروب الّتي نشبت في الجاهليّة. وقد دخل في الإسلام عندما هاجر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، ووقف إلى جانب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فكان إذا هجا شعراء قريش النّبيّ يردّ عليهم بلاذع هجائه، وكان رسول الله يدعو له: "اللهمّ أيّده بروح القدس"[١]. وقد مدح أمّ المؤمنين بشعره مدحًا عظيمًا، ليُعلن عن براءته من التّهمة الّتي وجّهت إليه باعتباره خاض في حديث الإفك على عائشة رضي الله عنها، فقال:[١]

حَصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بريبـةٍ وتُصبحُ غرثى من لحوم الغوافل

فإنْ كانَ ما قد قيل عنّي قلتهُ فلا رفعت سوطي إليّ أناملــــي

وكان حسّان شاعرًا بارعًا، ووصفه الرّواة والنّقاد بأنّه أشعر أهل مدر، واليمن في عصره، وقد ترك ديوانًا شعريًّا ضخمًا، رواه ابن حبيب.[١]

  • ثانيًا: كعب بن زهير: وهو كعب بن زهير بن أبي سُلمى، أبرز فحول الشّعر في الجاهليّة، تلقّى الشّعر عن أبيه. وقد أدرك كعب وأخوه بجير الإسلام، إلا أنّ بجير كان قد سبقه إلى ذلك، فنظم فيه كعب شعرًا يهجوه هجاءً مؤذيًا يقول فيه:[١]

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

فبيِّن لنا إن كنت لست بفاعل على أي شيء غير ذلك دلكــــــا

على مذهب لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تدرك عليه أخا لكـــــــا

سقاك بها المأمون كأسا روية فأنهلك المأمـــون منـها وعلّكــــا

وما إن سمع الرّسول بشعره هذا حتّى توعّده إلى أن شرح الله صدره للإسلام، وقدم المدينة وسلّم على الرّسول مبايعًا، فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده فتهجّمته الأنصار وغلّظت له، ولكّن الرّسول أمّنه، فأنشد مدحته الخالدة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتيّمٌ إثرها لم يفد مكبول

فكساه النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، بردةً اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألف درهم.[١]

  • ثالثًا: لبيد بن ربيعة: وهو من عشيرة ذات سيادة وشرف اسمها بني جعفر، كان بحّارًا فياضًا، ولُقّب (ربيع المقترين). وقد نشأ لبيد وهو يشعر شعورًا عميقًا بكرامة أسرته، وأمجادها ومناقبها. وقد اشترك في الحروب، والغارات على أمراء الحيرة. وله أشعار كثيرة تفيض بمعاني الإسلام، ومثاليّته الرّوحيّة، ويمكننا تقسيم شعره إلى قسمين: شعر جاهليّ يفاخر فيه بآبائه وفتوّته، وشعرٌ إسلاميّ مهذّب الأسلوب فيه طلاوة، فقال فيه ابن سلّام: "كان عذب المنطق، رقيق حواشي الكلام، وكان مسلمًا رجل صدق"[١]. وقد امتازت أشعاره في الإسلام بروحه الإسلاميّة على شاكلة قوله:[١]


بَلينا وَما تَبلى النُجومُ الطَوالِعُ وَتَبقى الجِبالُ بَعدَنا وَالمَصانِعُ فَلا جَزِعٌ إِن فَرَّقَ الدَهرُ بَينَنا وَكُلُّ فَتىً يَوماً بِهِ الدَهرُ فاجِعُ وَما الناسُ إِلّا كَالدِيارِ وَأَهلُها بِها يَومَ حَلّوها وَغَدواً بَلاقِعُ



نموذج شعريّ من الشعر الإسلامي

قال النّابغة الجعديّ واعظًا:[٣]


الحَمدُ لِلَهِ لاَ شَرِيكَ لَهُ مَن لَم يَقُلها فَنَفسَهُ ظَلَما المُولِجِ الليلَ في النهارِ وَفِي الليلِ نَهاراً يُفرِّجُ الظُّلَما الخافِضِ الرافِعِ السَماءَ عَلى ال أَرضِ وَلَم يَبنِ تَحتَها دِعَما الخالِقِ البارِئِ المُصَوِّرِ في ال أَرحامِ ماءً حَتّى يَصِيرَ دَما مِن نُطفَةٍ قَدَّها مُقدّرُها يَخلُقُ مِنها الأَبشارَ وَالنَسَما ثُمَّ عِظاماً أَقَامَها عَصَبٌ ثُمَّتَ لَحماً كَساهُ فَالتأَما ثُمَّ كَسا الرِيشَ والعَقائِقَ أَب شاراً وَجِلداً تَخالُهُ أَدَما وَالصوتَ وَاللَونَ وَالمَعايِشَ وَال أَخلاَقَ شَتّى وَفَرَّقَ الكَلِما ثُمَّتَ لاَ بُدَّ أَن سَيَجمَعُكُم وَاللَهِ جَهراً شَهادَةً قَسَما فَائتَمِرُوا الآنَ ما بَدا لَكُمُ وَاِعتَصِمُوا إِن وَجَدتُمُ عِصَما فِي هذِهِ الأَرضِ وَالسَماءِ وَلا عِصمَةً مِنهُ إِلاَّ لِمَن رَحِما يا أَيُّها الناسُ هَل تَرَونَ إلى فَارِسَ بادَت وَخَدُّهَا رَغِما أَمسُوا عَبِيداً يَرعَونَ شاءَكُمُ كَأَنَّما كانَ مُلكهُم حُلُما مِن سَبَأ الحاضِرينَ مآرِبُ إِذ يَبنُونَ مِن دُونِ سَيلِهِ العَرِما فَمُزِّقُوا فِي البِلادِ واعتَرَفُوا الهونَ وَذاقُوا البَأساءَ والعَدَما وَبُدِّلُوا السِدرَ وَالأَراكَ بِهِ الخَم طَ وَأَضحى البُنيانُ مُنهَدِما يا مالِكَ الأَرضِ وَالسَماءِ وَمَن يَفرَق مِنَ اللَهِ لا يَخَف أَثَما إِنِّي اِمرُؤٌ قَد ظَلَمتُ نَفسِي وَإِلاَّ تَعفُ عَنّي أُغلا دَماً كَثِما أُطرَحُ بِالكَافِرِينَ في الدَرَكِ ال أَسفَلِ يَا رِبِّ أصطَلي الصَرِما يَرفَعُ بالقارِ والحَدِيدِ مِنَ ال جَوزِ طِوالاً جُذُوعُها عُمُما نُودِيَ قُم وَاركَبَن بأَهلِكَ إنَّ اللَهِ مُوفٍ لِلناسِ ما زَعَما


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربيّ، صفحة 77-79. بتصرّف.
  2. الأستاذ الدّكتور محمد سعيد حسين مرعي، حالة الشّعر في عصر صدر الإسلام، صفحة 1-2. بتصرّف.
  3. واضح الصمد، ديوان النابغة الجعدي، صفحة 147-148.