خصائص شعر النقائض

النقائضُ لغةً هي ما نَقَض، أيْ ما هُدِم من البِناء، واصطلاحًا: أن يلقيَ الشَّاعرُ قصيدةً في غرض الفخر أو الهجاء، فيردّ عليه الشاعر الآخر بأن ينتقضَ قصيدتَه عليه، فيقلبُ فخره هجاءً وينسب الفخر الصحيح إلى نفسِه مستخدمًا بذلك البحر الشعري والرَّوِيّ لقصيدةِ الشّاعر الأوّل، وأبرزُ نموذج تظهرُ فيه أهمّ خصائص شعر النقائض هو نموذج نقائض جرير والفرزدق.[١]


جزالة الألفاظ

يستخدمُ شعراءُ النقائض ألفاظًا قويّة في إيصالِ المعاني إلى الشّاعر الآخر، ويطرحون أفكارًا تدور حول غرضَيْ الفخر والهِجاء، وتجعلُ النصّ أكثر فصاحةً وقَبولًا،

فيقول الفرزدق في صدر نقيضته: [٢]


إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ

[٣]

ويقول جرير:


لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ

[٤]


التأثر بألفاظ ومضامين القرآن الكريم

يلجأ الشعراء إلى سُلطة الشّاهد في شِعرهم من خلالِ اقتباس مضامينِهم من القرآنِ الكريم الذي يعملُ كأداةٍ فاعلة في تَأكيد مقاصِدِ الشّاعر؛ لِما يحمل من قدرة حجاجية وإقناعية، فيقول الفرزدق متأثرًا بقولِه تَعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[٥]


ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ

[٣]

يقول أيضًا:


إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ

[٣]

متأثّرا بقولِه تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)[٦]


الإفحاش في الهجاء

ينتقي شعراء النقائض من الألفاظ أسوأها وأقذعها في هجائهم الشّاعرالآخر، وهو هجاء تشمئزّ منه النفوس وتنفر من سماعه، ويدفع الشاعر المهجو وقبيلته على الردّ بأسلوب وألفاظ أكثر سوءًا وإفحاشا،[٧] يقول جرير:


بَيتاً يُحَمِّمُ قَينُكُم بِفَنائِهِ دَنِساً مَقاعِدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ


وَلَقَد بَنَيتَ أَخَسَّ بَيتٍ يُبتَنى فَهَدَمتُ بَيتَكُمُ بِمِثلَي يَذبُلِ



أخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ


[٨]

الجمع بين غرضي الفخر والهجاء

يعدّ كلٌّ من الفخر والهجاء العمود الأساسيّ لشعر النقائض، فلو خلت القصيدة من هذين الغرضين لا تعدّ بعُرفِ الشّعر نقيضة، إذ لا بُدّ أن يستخدم الشاعر أحدهما على الأقلّ، وقد جمع بعضُ الشعراء بين الغرضَيْن، فالفرزدق مثلًا يفخر بقبيلتِه بني مجاشع أمام قبيلة جرير بني كليب، ويهجو كُليب هجاءً مقذعا مرًّا،[٩]فيقول:


بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها زَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ


[١٠]

خصوبة الخيال وغزارة الصور الشعرية

يُقرّب التصوير الفني المسافة بين المعنى البعيد والقريب عن طريق تشبيهه بشيء قريب، فقد وظّف الشّعراء الخيال في نقائضهم على نحو يجسّد فيه أفكارهم ويرسمها بصورة أقرب إلى الواقع، فصَوَّر جرير مَدْح الفرزدق لقبيلته بني مجاشع كأنه طعم الحنظل المرّ،[١١]يقول جرير:


وَدَعِ البَراجِمَ إِنَّ شِربَكَ فيهِمُ مُرٌّ عَواقِبُهُ كَطَعمِ الحَنظَلِ

[١٢]


حشد الأيام والحوادث

صارت النقائض سجلًّا تاريخيًّا لصفاتِ القبائل وأعلامها المشهورين وما ألمّ بحياتهم من مواقف، فحرص كلّ شاعر منهم على تجسيد بطولات قبائله؛ ليعتدّ بها أمام القبائل المعادية، فبينما يفخر بمناقب قبيلته يحطّ من شأن هذه القبائل ويعرض مثالبها، هذا جرير مثلًا وثّق واقعةَ الفرزدق مع قبيلته، حيث قتل بنو مجاشع -الذين يفخر بهم الفرزدق- أباه ولم يُؤخذ بثأرِه، وقال جرير في ذلك: [١٣]


وَاِمدَح سَراةَ بَني فُقَيمٍ إِنَّهُم قَتَلوا أَباكَ وَثَأرُهُ لَم يُقتَلِ

[١٤]

المراجع

  1. أحمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 25. بتصرّف.
  2. احمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 423. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت "ان الذي سمك السماء بنى لنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2023.
  4. "لمن الديار كأنها لم تتحلل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2023.
  5. سورة العنكبوت، آية:41
  6. سورة النازعات، آية:27
  7. أحمد الشايب، تاريخ النقائص في الشعر العربي، صفحة 412. بتصرّف.
  8. "لمن الديار رسومهن خوالي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2023.
  9. احمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 422. بتصرّف.
  10. "ان الذي سمك السماء بنى لنا "، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2023.
  11. احمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 417. بتصرّف.
  12. "لمن الديار كانها لم تحلل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2023.
  13. احمد الشايب، تاريخ النقائض في الشعر العربي، صفحة 419. بتصرّف.
  14. "لمن الديار كأنها لم تحلل"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 28/8/2023.