لبيد بن ربيعة

هو الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر، وهو من الشعراء المجيدين ومن أصحاب المعلقات، وقد صنفه ابن سلام ضمن الطبقة الثالثة، وكان فارسًا من فرسان هوازن المشهورين، وقد عاش عمرًا طويلًا، كما أنه أدرك الإسلام، ويعتبر من الصحابة، إذ أتى إلى رسول الله مسلمًا.[١]


مولد وحياة لبيد بن ربيعة

ولد لبيد بن ربيعة لقبيلة تسمى بالجعفريين، والدته تامرة بنت زنباع من بني عبس، ووالده ربيعة الملقب بربيعة المقترين، توفي ربيعة بينما كان لبيد يبلغ من العمر تسع سنوات، وهو بذلك لا يعرف والده إلا عن طريق الذكريات التي قصّها عليه أعمامه، أما عن حادثة وفاة والده، فكانت في يوم ذي علق، وهو يوم ثارت فيه جبلة بين بني عامر والأحلاف، وعلى هذه الحادثة، تقدر سنة مولد لبيد فيها، وهي في عام 545م، أو أقل، أو أكثر.


كان لدى لبيد أخًا وحيدًا من أمه، وهو أربد بن قيس المشهور، والذي رافق عامر بن الطفيل ليغدرا الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهما الرسول، وتوفي أربد بعد أن عاد إلى أهله بقليل.[٢]


بداية لبيد بن ربيعة الشعرية

نشأ لبيد بن ربيعة على فصاحة اللسان، وحسن القول، ومما يذكر له في ذلك ما قاله في الصلح بين قومه وقوم بني أبي بكر، من باب المحافظة على الودّ والقربى، فقال في ذلك:[٣]


فَأَبلِغ بَني بَكرٍ إِذا ما لَقَيتَها عَلى خَيرِ ما يُلقى بِهِ مَن تَزَغَّما أَبونا أَبوكُم وَالأَواصِرُ بَينَنا قَريبٌ وَلَم نَأمُر مَنيعاً لِيَأثَما فَإِن تَقبَلوا المَعروفَ نَصبِر لِحَقِّكُم وَلَن يَعدَمَ المَعروفُ خُفّاً وَمَنسِما



ومما أثرى لبيد في شعره، وجعل نجمه يلمع في الشعر، هو ما قاله في انتصاره لأعمامه أمام النعمان لهم، وهو الملك الأعظم إذ جاؤوه مهنئين، فوجدوا عنده الربيع بن زياد الذي يدفع الملك ليصد عنهم وعن الاحتفاء بهم، فقال لبيد هنا أبياتًا من الشعر ما يفاخر به قومه وأعمامه، فأخذ لسانه بعدها على قول الشعر والخطابة، ورفع ذلك من منزلته لدى النعمان.[٣]


أسلوب ومنهج لبيد بن ربيعة الشعري

كانت أقوال لبيد جميعها بين شعرٍ، وخطابةٍ، ورجزٍ، تشترك في غالبها بأسلوب المديح، أو الرثاء لأبناء قومه وأيامهم، ووقائعهم، وقد قُسمت أشعاره حسب أقوال النقاد إلى ما هو سهل المنطق، وإلى ما هو خشن الكلام وصعب، والحقيقة هنا في أسلوبه أنه جمع كلا الأمرين، فقد كان رقيق الكلام في الأشعار ذات السمات الدينية، أما الأشعار ذات الكلام الخشن، فتكون غالبًا في تصور مناظر الصحراء، والافتخار بأمجاد القبيلة.[٤][٥]


قبيل إسلامه، تنوعت أغراض لبيد الشعرية، وكانت في غالبها بين رثاءٍ أو مديحٍ، ولكن منهجه الطاغي على أشعاره هو المسحة الدينية والوجدانية، فقد كان ذو روحٍ متدينة حتى قبل إسلامه، ومع الإسلام زاد عمق ذلك وقوته، فكان حسن الإسلام، ومن مثل ذلك ما قاله لدى خروج فتيان قبيلته للفتوحات، فقال[٤]:


إِنَّما يَحفَظُ التُقى الأَبرارُ وَإِلى اللَهِ يَستَقِرُّ القَرارُ



كما أنه قد اعتزل الشعر بعد دخوله الإسلام، رغم عدم تحريم الإسلام للشعر، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان محبًا للشعر واللغة العربية، وكان قد طلب من لبيد أن يلقي عليه أبياتًا شعرية، فما كان من لبيد إلا أن كتب سورة البقرة، زاعمًا بأن الله تعالى قد أبدله هذه في الإسلام محل الشعر.


مؤلفات لبيد بن ربيعة

للبيد بن ربيعة من الشعر الكثير، فقام بجمعها في ديوانٍ له كلٌّ من أبو عمرو الشيباني، والأصمعي، والطوسي، وابن السكيت، والسكري، كما قام بشرح ديوانه محمد بن حبيب، والطوسي.[٦]


معلقة لبيد بن ربيعة

أهم مؤلفات لبيد بن ربيعة هي معلقته، والتي تم شرحها على يد ابن النحاس، وابن الأنباري، والتبريزي، والزوزني، ويقول في مطلعها [٦][٧]:


عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهدِ أَنيسِها حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وَحَرامُها رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها مِن كُلِّ سارِيَةٍ وَغادٍ مُدجِنٍ وَعَشيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرزامُها



وفاة لبيد بن ربيعة

تجتمع بعض الآراء حول عمر لبيد بن ربيعة بأنه عاش 157 عامًا، ويرى بعضٌ آخر بأنه عاش 140 سنةً، وقد روي أن الشعبي قال لعبد الملك بن مروان: "تعيش يا أمير المؤمنين ما عاش لبيد بن ربيعة"، وذلك دلالة على أنه كان من المعمرين، فيقال أنه وهو في السابعة والسبعين من عمره قال[٨]:


باتت تَشَكّى إِلَيَّ النفس مُجهِشَةً وَقَد حَمَلتُكِ سَبعاً بَعدَ سَبعينا فَإِن تُزادي ثَلاثاً تَبلُغي أَمَلاً وَفي الثَلاثِ وَفاءِ لِلثَمانينا



وفي عامه المئة والعشرون أنشد يقول:


وَلَقَد سَئِمتُ مِنَ الحَياةِ وَطولِها وَسُؤالِ هَذا الناسِ كَيفَ لَبيدُ



وقد توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك عام 661 م، أو عام 660 م، والموافق سنة 41 للهجرة.[٩]

المراجع

  1. أحمد بن الأمين الشنقيطي، المعلقات العشر وأخبار شعرائها، صفحة 31.
  2. لبيد بن ربيعة، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 5.
  3. ^ أ ب لبيد بن ربيعة، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 7-8.
  4. ^ أ ب لبيد بن ربيعة، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 12-11.
  5. ضيف أخبار، تحليل كلام الإنشاء الطلبي في أشعار لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 280.
  6. ^ أ ب لبيد بن ربيعة، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 15.
  7. "معلقة لبيد بن ربيعة"، الديوان.
  8. أحمد بن الأمين الشنقيطي، المعلقات العشر وأخبار شعرائها، صفحة 38.
  9. لبيد بن ربيعة، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، صفحة 11 5.