ابن زيدون
هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزوميّ، المُكنّى بأبي الوليد، وُلِد في رُصافة قُرطبة، وهو شاعِرٌ أندلُسيّ من شُعراءِ عصر ملوك الطّوائف في الأندلُس، وخاتِمةُ بني مخزوم، كَما أنَّهُ عُرِفَ بأنَّهُ فتى الآدابِ، وعُمدةُ الظّرف، وهو شاعِرٌ يتسم ببديعِ وصفِهِ، ورصفه، حظيَ بشاعريةٍ قويّة وناصعة؛ إذ عُرِفَ بجزالةِ شعره، وكثافةِ معانيه في الشعر الأندلسي، حيثُ كانَ صاحب منثورٍ ومنظوم، ضمَّن القُرآن الكريم، والحديث النّبويّ، والأمثال، والحكم، والقصص في أشعاره، إضافةً إلى أنَّهُ حَظيَ بمنصبِ الوزارةِ، والسّفارةَِ، والسّياسة في قُرطبة، وإشبيلية.[١]
نشأة ابن زيدون وحياته
نشأ ابن زيدون في عائلةٍ مرموقةٍ، كانت تُعرَفُ بالعلمِ والصّلاحَِ والجّلالة، إضافةً إلى أنَّهُ عاش في كَنفِ جدّه، ودلال والدته، فكانَ لذلك أثر واضِح على شخصيّته الّتي اتّسمت بالنّرجسيّة، فنشأ مُترفًا ووقورًا، يعتزُّ بثرائِه وحسبِهِ ونسبه، ونتيجةً لذلك فإنَّهُ مالَ إلى اللّهوَِ والمُتعة، حتّى أنَّ دلاله دفعهُ إلى طلبِ ما يُريد بإصرارٍ حتّى ظنَّ بأنَّ كُلّ رغباتِهِ مُجابة، وكانت تلك الرّغبات، والطّموحات سببًا في دخوله السّجن.[٢]
تَعليم ابن زيدون وأساتذته
كانَ والدُ ابن زيدونٍ فقيهًا، فاهتمّ بابنه وبتعليمه، فأحضرَ لهُ الأدباء والمُثقّفين، وكانَ قد وصله بأصدقائهِ العُلماء والمُثقّفين، وكانَ والدُه أولُ أساتِذَته، فكانَ مُلمًّا في ضروبِ العلمِ، والرّوايةِِ، واللغةِ، والآداب. كَما لزم ابن زيدون صديق أبيه أبي العبّاس بن ذكوان، وأفادَ من علمِهِ وفقهه، إضافةً إلى أنّه تتلمذ على يد أبو بكر مسلم بن أحمد، الّذي كانَ نحويًّا أديبًا مُتقدِّمًا في علم العربيّة، فأُعجبَ ابن زيدون بعلمه، وعكف على دروسه ومحاضراته، وكانَ ابن زيدون يُقبِلُ على العلمِ، فأخذ الدّروس في جامعة قُرطبة الكبيرة، وأخذ يتردد على العُلماءِ، والأدباء لينهل من علمهم، وثقافتهم.[٣]
المنهج الأسلوبيّ لابن زيدون
يَعود الشّاعر ابن زيدون إلى الأسلوب الشِّعريّ القديم مع ربطه بالحاضر، إضافةً إلى أنَّهُ تطرّق إلى موضوعاتٍ شعريّة جديدة، ومنها الّتي بثتها مشاعر سجنه، فصوّر حالة حزنه العميق، وشوقه لحالته المُترفة، كَما انعكس الرّمز في صورة شعر ابن زيدون عندما كانَ يصور الطبيعة، فكانَ يظهر إحساسه العامّ بالجمال ممزوجًا بإحساسه بالمرأة، وشعوره بها في شعر الطّبيعة، فباتَ التّفاعل الحاصل بين إحساس الشّاعر، والطّبيعة يزيد من حيوية شعره، وقدرته على التّأثير، واتّخذها عنصرًا مُكمِّلًا، ومتداخلًا لأمورٍ أُخرى.[٤]
مؤلّفات ابن زيدون
تركَ لنا ابن زيدون ديوانًا كبيرًا يجري على النّمط المعروف لدواوين الشِّعر العربيّ مِن حيث الإيجاز في تقديم القصائد، حيثُ قام بنشره الأُستاذان كامل الكيلانيّ، وعبدُالرّحمن خليفة، وَنجِدُ أنَّ المواضيع الأساسيّة في شعره هي: الغزل، والمديح، والاستعطاف[٥]، كَما تركَ عِدّة آثارٍ منها:[٦]
- رسالة هزلية على لسان ولّادة لمنافسه ابن عبدوس يهزأ به، وفيها من الأمثال، والحكم، والشّعر.
- الرّسالة الجديّة، ولها عدّة مخطوطات.
- رسالة إلى أبي بكر مسلم بن أحمد مستشفعًا، وغيرُها من الرّسائل، والأعمال الأدبيّة.
نموذج من شعره
أرسل ابن زيدون قصيدة أضحى التنائي إلى ولّادة بنت المستكفي يسألها فيها أن تدوم على عهده، فقال:[٧]
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
وفاة ابن زيدون
بعدَ هُروب ابن زيدون من السّجن اتّصل بالمعتضد والي إشبيلية، فأقام مُبجّلًا بالقُربِ منه، وولّاه وزارته، إلى أن تُوفي في سنة ثلاث وستّين وأربعمئة للهجرة في مدينة إشبيليّة ودُفِنَ فيها، وقيلَ إنه تُوفي في البيرة، وسيق إلى قُرطبة، ودُفِنَ فيها.[٨]
المراجع
- ↑ مقداد رحيم، الصورة البلاغية في شعر إبن زيدون، صفحة 2-3. بتصرّف.
- ↑ حسناء أقدح، النرجسية وتجلياتها في غزل ابن زيدون، صفحة 191-192. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، ابن زيدون، صفحة 16-17. بتصرّف.
- ↑ ريم الحسين، الصورة الفنية في شعر إبن زيدون، صفحة 11-14. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، ابن زيدون، صفحة 30-31. بتصرّف.
- ↑ صلاح الدين محمد، شرح رسالة ابن زيدون بين الصفدي وابن عليم، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ كرم البستاني، شعر إبن زيدون، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ↑ أحمد سعيد ، ملامح الإبداع في الشعر الأندلسي قصيدة إبن زيدون "أضحى التنائي بديلًا من تدانينا" أنموذجًا، صفحة 680. بتصرّف.