أول من تحدث عن قضية انتحال الشعر

هو محمد بن سلام المعروف بابن سلام، إذ درس الانتحال في كتابه طبقات فحول الشعراء وأقر بالوضع في الشعر الجاهلي ووجوده غير الخفي، وقد عزا أسبابه إلى سببين اثنين؛ أولهما العصبية القبلية في ذاك العصر، وثانيهما الغيرة عند شعراء القبائل التي قلت وقائعها وأحداثها، فأروا يقلدون ما عند غيرهم من وقائع وينظمون الشعر، ومن ذلك أيضًا ما عمل به الرواة والوضاعون، فزادوا في الأشعار التي قيلت من قبل[١].


ما المقصود بانتحال الشعر

الانتحال في الشعر هو أن يدعي رجل شعر رجل غيره وينسبه إلى نفسه، وقد قال الأعشى في ذلك:

فما أنا أم انتحالي القوافي في بعد المشيب كفى ذلك عارا[٢].


أما عن قضية الانتحال؛ فهي التي تتعلق بوضع الشعر ونسبته إلى غير ما هو له مطلقًا، وهو ما يختلف عن النحل الذي يعني نسبة الشعر إلى غير قائله الحقيقي فقط، وقد ظهرت هذه القضية في العصر الجاهلي أولَا، لما كانت القصائد والأشعار تروى مشافهة، من غير تدوين، فكانت أكثر عرضة للانتحال والنحل، أما عن أول من تحدث عن هذه القضية؛ فقد كان ابن سلام وذلك في كتابه طبقات فحول الشعراء[٢].


أما عن الانتحال في الاصطلاح؛ فقد ورد في معجم المصطلحات: "هو أن يأخذ الشاعر كلام غيره، بعد علمه بنسبته له، بلفظه كله ومن غير تغيير لنظمه، أو أن يأخذ المعنى، وتبدل الكلمات كلها أو بعضها بما يرادفها "، فيقول ابن سلام الجمحي في ذلك: "وفي الشعر مصنوع مفتعل كثير لا خير فيه، ولا حجة في عربيته، ولا أدب يستفاد، ولا معنى يستخرج، ولا مثل يضرب، ولا مديح رائع، ولا هجاء مقذع، ولا فخر معجب، ولا نسيب مستطرف، وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، ولم يأخذه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء"[٣].


مِمَن انتحل الشعر

يقول ابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء: "وكان ممن أفسد الشعر وهنه وحمل كل غثاء منه، محمد بن إسحاق بن يسار، مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وكان من علماء الناس باليسر" وقال الزهري فما ورد في ذات الكتاب:" لا يزال في الناس علم ما بقي مولى آل مخرمة، وكان أكثر علمه بالمغازي والسير وغير ذلك، فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منهم ويقول: لا علم لي بالشعر، أتينا به فأحمله "، فيكمل أبو سلام قوله عنه: "ولم يكن ذلك له عذرًا، فكتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود، فكتب لهم أشعارًا كثيرة، وليس بشعر، إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف"[٤]


رأي الجاحظ في قضية انتحال الشعر

يقول الجاحظ في ذلك: "وعلى الرغم من حداثة الشعر، فإن الشعراء قلدوا بعضهم بعضًا حتى إنه لا نجد معنى غريبًا أو شريفًا أو بديعًا أتى به أحد الشعراء إلا وتعاوره الشعراء الذين عاشوا بعده أو معه، فإما أن يسرقوا المعنى واللفظ معًا ويدعوه، وإما أن يسرقوا المعنى وبعض اللفظ، وإما أن يكتفوا بالمعنى فقط ويعتبرون أنفسهم شركاء فيه مع صاحبه الأول"[٥]


أسباب ظهور انتحال الشعر

يرى طه حسين أن أسباب نحل وانتحال الشعر تعود إلى خمسة عوامل دعت إلى ذلك وهي:

  • السياسة؛ وذلك من منطلق العصبية القبلية أو العصبية بين المهاجرين والأنصار، من ذلك يستشهد بما ذكره لابن سلام فقال: "وقد نظرت قريش فإذا حظها من الشعر قليل في الجاهلية، فاستكثرت منه في الإسلام".[٦]
  • الدين؛ فيدخل في ما كان يراد به من النحل والانتحال إلى إثبات صحة النبوة وصدق النبي، وبأن كل ما جاء من شعر كان ممهدًا لبعثة نبي عربي من قريش.[٧]
  • القصص؛ وذلك في نشأة القصص، وقيام طائفة القصاص، التي زينت قصصها بالشعر، فكانوا يلفقونها وينظمونها على حسب قصصهم.[٨]
  • الشعوبية؛ أي ادعاء أن الأدب العربي القديم لا يخلو من شيء تشتمل عليه علوم المحدثة؛ أي العجم، وبذلك كانت الخصومة بين العرب والموالي وغيرهم.[٩]
  • الرواة؛ وقد يكونون من العرب أو من الموالي، ويرجح أن فعلهم ذلك كان بغرض السخرية.[١٠]


وقد جاء في كتاب طبقات فحول الشعراء تقسيم ابن سلام للرواة الذين انتحلوا الشعر على النحو التالي[١١]:

  • القسم الأول منهم من كان يجيد الشعر ويحسن نظمه، فينطمها ويضيفها إلى الجاهليين من مثل خلف الأحمر البصري وحماد الراوية الكافي.
  • القسم الثاني من لا يجيد الشعر ولا نظمه فيؤتى له الشعر المنحول أصلًا، فيرويه عن نفسه في كتبه، من ذلك ابن إسحاق في السيرة النبوية كما ذكر سابقًا.


المراجع

  1. نجلاء أحمد محمد المالكي، قضية الانتحال في الشعر الجاهلي، صفحة 774-775. بتصرّف.
  2. ^ أ ب نجلاء أحمد محمد المالكي، قضية الانتحال في الشعر الجاهلي، صفحة 772-774. بتصرّف.
  3. د حميد قبايلي، قضية الانتحال في النقد العربي القديم بين للتأصيل والتجديد، صفحة 169-170. بتصرّف.
  4. محمد بن سلام الجمحي لمحمود محمد شاكر، طبقات فحول الشعراء، صفحة 7-8 275. بتصرّف.
  5. الدكتور رضا أماني والطالبة يسرا شادمان، دراسة آراء الجاحظ حول الشعر ونقده، صفحة 38. بتصرّف.
  6. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، صفحة 388-389. بتصرّف.
  7. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، صفحة 389. بتصرّف.
  8. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، صفحة 392. بتصرّف.
  9. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، صفحة 393. بتصرّف.
  10. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، صفحة 394. بتصرّف.
  11. نجلاء أحمد محمد المالكي، قضية الانتحال في الشعر الجاهلي، صفحة 775. بتصرّف.