الهجاء

من المعروف أنّ فنّ الهجاء يعدّ من الفنون والأغراض الشعريّة القديمة قِدَم الشعر العربي، وقد كان حاضرًا في مختلف العصور الأدبية ونال حظًا وفيرًا من القصائد التي وصلت إلينا، حتى انبرى له مجموعة من الشعراء واشتهروا به على وجه الخصوص، إذ اتخذوا منه وسيلة لصبّ غضبهم وسخطهم على خصومهم وأعدائهم، وفي هذا المقال ذكر لمجموعة من أشهر شعراء الهجاء في عصور مختلفة.[١]


أشهر شعراء الهجاء في العصر الجاهلي

فيما يأتي بعض الشعراء الجاهليين الذين اشتهروا في فنّ الهجاء:


الحطيئة

اسمه جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم، اشتُهر باللقب الذي أُطلق عليه وهو الحُطيئة، كثيرًا ما كان يشعر بالذل والمهانة، وربّما كان ذلك من دوافع قوله في الهجاء، فانبرى يُدافع عن نفسه ويُبين مساوئ غيره، مُعبّرًا عن مشاعر الغضب في نفسه، حتى وصل به الأمر إلى هجاء نفسه، وقد عُدّ الحطيئة من أشهر الشعراء في عصره، وتبوأ مكانة رفيعة في صناعة الشعر، ومن الجدير بالذكر أنّه شاعر مُخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ومن النماذج الشعرية في الهجاء للحطيئة قوله في هجاء والدته:[٢][٣]


جَزاكِ اللَهُ شَرّاً مِن عَجوزٍ وَلَقّاكِ العُقوقَ مِنَ البَنينا تَنَحَّي فَاِجلِسي مِنّا بَعيداً أَراحَ اللَهُ مِنكِ العالَمينا أَغِربالاً إِذا اِستودِعتِ سِرّاً وَكانوناً عَلى المُتَحَدِّثينا أَلَم أوضِح لَكِ البَغضاءَ مِنّي وَلَكِن لا إِخالُكِ تَعقِلينا حَياتُكِ ما عَلِمتُ حَياةُ سوءٍ وَمَوتُكِ قَد يَسُرُّ الصالِحينا



أوس بن حجر

وهو أوس بن حجر بن عتاب بن تميم، وهو ينتمي إلى إحدى القبائل الجاهلية العريقة قبيلة "تميم"، عدّه البعض بصيرًا في الشعر ومن فحول الشعراء، وقد كان حريصًا على تجويد شعره وتهذيبه، كما اتخذ من التصوير الفني أداة اعتمد عليها في شعره، وفي العموم نظم أوس بن حجر في العديد من الأغراض الشعرية، ومن ضمنها فنّ الهجاء الذي اشتهر به بوضوح، ومن أبياته في هذا الفن:[٤][٥]


إِذا ناقَةٌ شُدَّت بِرَحلٍ وَنُمرُقٍ إِلى حَكَمٍ بَعدي فَضَلَّ ضَلالُها كَأَنَّ بِهِ إِذ جِئتَهُ خَيبَرِيَّةً يَعودُ عَلَيهِ وِردُها وَمُلالُها كَأَنّي حَلَوتُ الشِعرَ حينَ مَدَحتُهُ صَفا صَخرَةٍ صَمّاءَ يَبسٍ بِلالُها أَلا تَقبَلُ المَعروفَ مِنّا تَعاوَرَت مَنولَةُ أَسيافاً عَلَيكَ ظِلالُها هَمَمتَ بِخَيرٍ ثُمَّ قَصَّرتَ دونَهُ كَما ناءَتِ الرَجزاءُ شُدَّ عِقالُها مَنَعتَ قَليلاً نَفعُهُ وَحَرَمتَني قَليلاً فَهَبها بَيعَةً لا تُقالُها تَلَقَّيتَني يَومَ النُجَيرِ بِمَنطِقٍ تَرَوَّحُ أَرطى سُعدَ مِنهُ وَضالُها



أشهر شعراء الهجاء في العصر الأموي

فيما يأتي بعض الشعراء من العصر الأموي الذين اشتهروا في فنّ الهجاء:


جرير

يعدّ جرير من أهجى شعراء العرب، واسمه جرير بن عطية الخطفي، نشأ في اليمامة بين أحضان أسرة بسيطة، اشتهر بما يُعرف بشعر النقائض إلى جانب الأخطل والفرزدق، وقد اتخذ الهجاء بين هؤلاء الشعراء الثلاثة منحى خاصًا واستمرّ قرابة أربعين عامًا، ويُذكر أنّ جرير كان أهجاهم، وهجاؤه مليء بالفُحش والخشونة، ومن الأمثلة على ذلك قوله في هجاء الفرزدق:[٦][٧]


لَقَد وَلَدَت أُمُّ الفَرَزدَقِ فاجِراً وَجاءَت بِوَزوازٍ قَصيرِ القَوائِمِ وَما كانَ جارٌ لِلفَرَزدَقِ مُسلِمٌ لِيَأمَنَ قِرداً لَيلُهُ غَيرُ نائِمِ يُوَصِّلُ حَبلَيهِ إِذا جَنَّ لَيلُهُ لِيَرقى إِلى جاراتِهِ بِالسَلالِمِ أَتَيتَ حُدودَ اللَهِ مُذ أَنتَ يافِعٌ وَشِبتَ فَما يَنهاكَ شيبُ اللَهازِمِ تَتَبَّعُ في الماخورِ كُلَّ مُريبَةٍ وَلَستَ بِأَهلِ المُحصَناتِ الكَرائِمِ رَأَيتُكَ لا توفي بِجارٍ أَجَرتَهُ وَلا مُستَعِفّاً عَن لِئامِ المَطاعِمِ هُوَ الرِجسُ يا أَهلَ المَدينَةِ فَاِحذَروا مُداخِلَ رِجسٍ بِالخَبيثاتِ عالِمِ



لَقَد كانَ إِخراجُ الفَرَزدَقِ عَنكُمُ طَهوراً لِما بَينَ المُصَلّى وَواقِمِ



الفرزدق

هو همام بن غالب بن صعصعة اشتهر بلقب الفرزدق، وهو واحد من أشهر الشعراء في العصر الأموي، كان قاسي الطبع والمعاملة وجريئًا، وتطاول على العديد من الخلفاء وعلى غيره من الشعراء، فكان مشهورًا في غرض الهجاء إلى جانب الأخطل وجرير، لكن له طابعه الخاص فيه، ومن النماذج الشعرية على الهجاء عند الفرزدق:[٨][٩]


أَلا إِنَّ اللِئامَ بَني كُلَيبٍ شِرارُ الناسِ مِن حَضَرٍ وَبادِ قُبَيِّلَةٌ تَقاعَسُ في المَخازي عَلى أَطنابِ مُكرَبَةِ العِمادِ بِأَرباقِ الحَميرِ مُقَوِّدوها وَما يَدرونَ ما قودُ الجِيادِ



أشهر شعراء الهجاء في العصر العباسي

فيما يأتي بعض الشعراء من العصر العباسي الذين اشتهروا في فنّ الهجاء:


دعبل الخزاعي

دعبل هو اللقب الذي اشتهر به هذا الشاعر، فقد اختلف في تحديد الاسم الدقيق له، وهو أحد شعراء قبيلة خزاعة المشهور، ونشأ في بيت علم وأدب، عُرف بهجائه اللاذع للخلفاء، حتى قيل إنه لم يسلم أحد منهم ولا من ذويهم ولا وزرائهم من لسانه ونقده، ومن قوله في الهجاء الأبيات الآتية يهجو فيها الخليفة المعتصم:[١٠][١١]


بَكى لِشَتاتِ الدينِ مُكتَئِبٌ صَبُّ وَفاضَ بِفَرطِ الدَمعِ مِن عَينِهِ غَربُ وَقامَ إِمامٌ لَم يَكُن ذا هِدايَةٍ فَلَيسَ لَهُ دينٌ وَلَيسَ لَهُ لُبُّ وَما كانَتِ الأَنباءُ تَأتي بِمِثلِهِ يُمَلَّكُ يَوماً أَو تَدينُ لَهُ العُربُ وَلَكِن كَما قالَ الَّذينَ تَتابَعوا مِنَ السَلَفِ الماضي الَّذي ضَمَّهُ التُربُ مُلوكُ بَني العَبّاسِ في الكُتبِ سَبعَةٌ وَلَم تَأتِنا عَن ثامِنٍ لَهُمُ كُتبُ كَذَلِكَ أَهلُ الكَهفِ في الكَهفِ سَبعَةٌ خِيارٌ إِذا عُدّوا وَثامِنُهُم كَلبُ وَإِنّي لَأُعلي كَلبَهُم عَنكَ رِفَعَةً لِأَنَّكَ ذو ذَنبٍ وَلَيسَ لَهُ ذَنبُ كَأَنَّكَ إِذ مُلِّكتَنا لِشَقائِنا عَجوزٌ عَلَيها التاجُ وَالعِقدُ وَالاِتبُ لَقَد ضاعَ أَمرُ الناسِ إِذ ساسَ مُلكَهُم وَصَيفٌ وَأَشناسٌ وَقَد عَظُمَ الكَربُ وَفَضلُ اِبنِ مَروانٍ سَيَثلِمُ ثُلمَةً يَظَلُّ لَها الاِسلامُ لَيسَ لَهُ شِعبُ وَهَمُّكَ تُركِيٌّ عَلَيهِ مَهانَةٌ فَأَنتَ لَهُ أُمٌّ وَأَنتَ لَهُ أَبُّ وَإِنّي لَأَرجو أَن يُرى مِن مَغيبِها مَطالِعُ شَمسٍ قَد يَغَصُّ بِها الشَربُ



الصيمري

الصيمري اسمه محمد بن إسحق، كان من المقرّبين للخليفة المتوكل، يُقال إنه هاجى أكثر شعراء زمانه، ومما وصل إلينا من هجائه قوله يهجو البحتري:[١٢]


يا بُحتُرِيُّ حَذارِ وَي حَكَ مِن قُضاقِضَةٍ ضُغُم فَلَقَد أَسَلتَ بِوالدِيَي كَ مِن الهِجا سَيلَ العَرِم فَبِأَيِّ عِرضٍ تَعتَصِم وَبِهَتكِهِ جَفَّ القَلَم



أبو نواس

أبو نواس واسمه الحسن بن هانئ بن عبد الأول هو أحد أبرز الشعراء العباسيين، نظم في مختلف الأغراض الشعرية ومنها الهجاء، ويُذكر أنه أكثر من هجاء زملائه، وكان هجاؤه خشنًا متينًا، ومن أمثلته قوله:[١٣][١٤]


قُل لِلرُقاشِيِّ إِذا جِئتَهُ لَو مُتَّ يا أَحمَقُ لَم أَهجُكا لِأَنَّني أُكرِمُ عِرضي وَلا أَقرُنُهُ يَوماً إِلى عِرضِكا إِن تَهجُني تَهجُ فَتىً ماجِداً لا يَرفَعُ الطَرفَ إِلى مِثلِكا دونَكَ عِرضي فَاِهجُهُ راشِداً لا تَدنُسُ الأَعراضُ مِن هَجوِكا وَاللَهِ لَو كُنتُ جَريراً لَما كُنتُ بِأَهجى لَكُ مِن أَصلِكا


المراجع

  1. عبد العزيز الخويطر، الهجاء من الجاهلية حتى نهاية العصر الأموي، صفحة 25. بتصرّف.
  2. مفيد قميحة، ديوان الحطيئة، صفحة 7. بتصرّف.
  3. "جزاك الله شرًا"، الديوان. بتصرّف.
  4. حسين حسن عبد الله، التجربة الشعرية بين الفن والمعتقد أوس بن حجر أنموذجًا، صفحة 1. بتصرّف.
  5. "إذا ناقة شدت"، الديوان.
  6. جرير، ديوان جرير، صفحة 5. بتصرّف.
  7. "ألا حي ربع المنزل"، الديوان. بتصرّف.
  8. "ألا إن اللئام بني كليب"، الديوان. بتصرّف.
  9. علي فاعور، ديوان الفرزدق، صفحة 5. بتصرّف.
  10. عبد الصاحب الرجلي، ديوان دعبل الخزاعي، صفحة 17. بتصرّف.
  11. "بكى لشتات الدين"، الديوان. بتصرّف.
  12. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الثاني، صفحة 432. بتصرّف.
  13. عبد المنعم إبراهيم، الهجاء في العصر العباسي الثاني، صفحة 38. بتصرّف.
  14. "تحليل الزهديات لأبي نواس"، ديوان العرب. بتصرّف.