المُوشّحات الأندلسية
يُعرَفُ المُوشَّح بأنَّهُ نمطٌ مِنْ أنماطِ الكلامِ المَنظوم على وزنٍ مخصوص، كما أنّهُ فنٌّ مُستحدَثٌ ظهرَ في الأندلُسِ في أواخرِ القرنِ الثّالثِ الهجريِّ، التّاسع الميلاديِّ، ويُعدَُ ظُهورَهُ من أهمِّ بوادرِ التَّجديد الذي عرفهُ الشِّعر العربيِّ، حيثُ لَقِيَ هذا الفنُّ اهتمامًا واسِعًا من قِبلِ العُلَماءِ القُدامى. وقد اشتُقَّت كلِمةُ المُوشّحُ مِنَ الوشاحِ، وهوَ اللّباسُ الّذي ترتديهِ المرأة، واستُعيرَت هذهِ التَّسمية من الوِشاح، لجمالِهِ ورونَقهِ وزخرَفتِه، وكذلكَ لأنهُ يُشبِهُ الوشاح في أشكالِهِ وخرجاتِه، وفي قولٍ آخر نُسِبَ إلى جودت الركابيّ: "سُمِّيَ هذا الوزن بالمُوشَّح، لِما فيهِ من ترصعٍ، وتناظرٍ، وصنعةٍ، فكأنَّهم شبهوه بوشاح المرأةِ المُرصَّع باللؤلؤ والجواهر".[١]
نشأة المُوشَّحات الأندَلُسيَّة
جاءَ فنُّ المُّوشّحات لِيُعبِرَ عنِ التّطور الحضاريِّ، والفنيِّ الَّذي شَهِدَتهُ الأندلس حيثُ ارتَبَطتِ المُوشّحاتُ بالبيئةِ الأندلُسيَّةِ، وطبيعتها [٢]. ويُعدُ فنُّ المُوشَّحات واحِدًا من أكثرِ الفُنونِ الأدبيَّة الّتي أثارتِ الجدَل حول نَشأتِها، وبدايةِ ظُهورِها، حيثُ تنازعت العديدُ من النّظرياتِ الأدبيَّةِ حول أصلِ فنِّ التَّوشيح، كما أنَّها حاولت إبعادَ نشأةِ هذا الفنِّ المُتميِّزِ عنِ بِلادِ الأندلُس، وعلى الرّغمِ من ذلك فإنَّها كانت حججًا ضعيفةً، أولى هذهِ النَّظريَّاتِ هي نظريَّة الأصل الشرقيِّ ومضمونها أنَّ فنّ المُوشَّحات هوَ مُجرّدُ تطويرٍ للمسمطات المشرقيَّة، أيّ أنَّهُ ينحَدِرُ مِنْ أصْلٍ شرقيٍّ، والحالُ أنّ المُوشحات الشرقيّةَِ ظهرَت بعدَ اشتهار الموشَّحات الأندَلُسيَّةِ، وذيوعِ صيتِها.[٣]
العوامل الّتي ساعدت على نشأةِ المُوشَّحاتِ الأندَلُسيَّةِ
تمتَّعت بِلاد الأندلُس بطبيعتِها الخلّابة، الأمر الّذي ساعَدَ على ظهور المُوشَّحات الأندَلُسيّة، إضافةً إلى انتشار الغِناء، واللهو في مجالس الحُكّام، والسّادة، وحتى عامّة الشَّعب.
وكَما قالَ الدّكتور أحمد هيكَل:" أنَّ نشأة المُوشّحات كانت استجابة لحاجةٍ فنيَّةٍ أولًا، ونتيجةً لظاهرةٍ اجتماعيَّة ثانيًا"، حيثُ أنَّ الأندَلُسيين شعَروا بجمودِ القصيدةِ العربيَّةِ إزاء الألحانِ، والأنغامِ المُتنوّعة، ومن هُنا نبعت الحاجة لوجود فنٍّ جديد، فظهرت المُوشَّحات.[٤] وفي أواخر القرن الثّالث الهجريِّ ازدهرت الموسيقى، وزادَ احتكاك العُنصر العربيِّ بالعُنصُر الإسبانيّ، فكانَ لِذلك تأثيرُه الكبير على نشأة المُوشَّحاتِ وتَطوُّرِها.[٥]
الأغراض الشّعريَّة للمُوشَّحاتِ الأندَلُسيَّة
تنوّعتِ الأغراضُ الشِّعريَّة للموشَّحات الأندَلُسيّة، ومن هذهِ الأغراض:
- الغزل: يُعتبَرُ الغزلُ أساس المُوشَّحات الأندَلُسيَّة، كَما يُعدُّ سبَبًا مُهِمًا في نشأةِ هذا الفنِّ، وتدلُّ كثرةُ موشَّحات الغزل على مدى الرّخاء الماديِّ، والاستقرار السياسيِّ الّذي شهدتهُ الأندلس[٦]. ومِثالٌ على ذلك قول التطيليّ واصفًا حبيبَتهُ: ضاحِك عن جُمان سافر عن بدر
- المديح: يُعدُّ المدح من الأغراض الشِّعريَّة الهامّة في الموشَّحاتِ الأندَلُسيَّة، حيثُ سعى الوشّاحونَ إلى كسبِ ودِّ الأمراء، والخلَفاء، عن طريقِ نظم موشّحات المَديح، ومِثالٌ على ذلك قول الشّاعِر: عَقَدَ الله رايةَ النَّصرِ لأميرِ العُلا أبي بكرِ[٧]
- وصف الطَّبيعَة: تميَّز أهل الأندلُس في هَذا الغَرض الشِّعريِّ؛ لطبيعَتِها الخلّابَةِ، وكانَ وصفُ الطَّبيعةِ في الأندلس يأتي في ثنايا الغزل والمَدحِ، ومِثالٌ على ذلك قولُ الشَّاعر: لاحَ للرَّوضِ على غُرِّ البطاحْ زَهَرٌ زاهِرْ[٨]
- الأغراض الدينيَّة- الزُّهد والتَّصوُّف: ظَهَرت المّوشّحات الأندَلُسيّة كردِ فعلٍ عكسيٍّ، إزاء اللّهو، والانغماس في المُلهيّات داخل المُجتمع.[٩]
بِناء الموشَّحات
يتكوَّن المُوشََح في بِنائِهِ مِنْ أجزاءٍ فنيَّةٍ مُحكَمَةٍ، التزمَ بِها الوشّاحون ألا وهِيَ:[١٠]
- المَطلَع: يُطلقُ هذا الاسم على المجموعة الأولى من المُوشَّح، وعادةً ما يتكون من شَطرَينِ أو أكثَر.
- الدَّور: وهو المجموعة الّتي تلي المطلع في المُوشَّحِ التامّ.
- السّمط: وهو اسمٌ اصطلاحيّ يُطلق على كلِّ شَطرٍ مِنْ أشطُرِ الدَّورِ، ويتَكوّن من فقَرَةٍ واحِدةٍ، أو أكثر.
- القفل: وهو الجزء الّذي يَلي السَّمط مُباشَرةً، ويُطلقُ عليهِ أيضًا المركز، كما أنه يُشبِهُ المطلع في المُوشَّحِ التامّ، بِمعنى أنّهُ يتَّفِقُ معَهُ في الوزنِ والقافية، وعدد الأجزاء.
- الغُصن: اسمٌ اصطلاحيٌّ، يُطلَقُ على كُلِّ جزءٍ من أجزاءِ المطلع، أو القفل، أو الخرجة، كما أنَّها تتساوى عددًا، وترتيبًا، وقافيةً.
- الخرجة: اسمٌ اصطلاحيٌّ، يُطلَقُ على آخِرِ قفلٍ من الموشَّحِ، ويُعدُّ جُزءًا أساسيًّا لبِناءِ المُوشَّح.
أنواع المُوَشّح
يُقسَمُ المُوشّحَُ إلى نوعينِ تِبعًا لِعدَدِ الأقفال وهُما:[١١]
- المُوشَّحُ التامّ: وهُوَ كلامٌ منظوم على وزنٌ مخصوص، يتألَّفُ في الأكثر من سِتَّةِ أقفالٍ، وخمسّةَِ أبياتٍ، كما أنَّهُ يبتَدِئُ بالأقفال.
- المُوشَّحُ الأقرع: وهو الّذي يَتكوَّن على الأقل من خَمسةِ أقفالٍ، وخمسةِ أبياتٍ، كَما أنَّهُ يبتَدِئُ بالأبياتِ.
نموذج على المُوشّحات الأندَلُسيَّة
قولُ الشَّاعِر ابن زُمرك في قصيدة (أبلغ لغرناطة السَّلام):[١٢]
أَبْلِغْ لغرناطةٍ السّلام وصِفْ لها عهديّ السليمْ
فَلَوْ رَعَى طيفُها ذمام ما بتُّ في ليلة السليمْ
كَمْ بتُّ فيها على اقتراحِ أُعَلُّ مِن خمرةِ الرُّضَابْ
أُديرُ فيها كؤوسَ راحٍ قد زانَها الثغرُ بالحَبَابْ
أختال كالمهرِ في الجِماحِ نشوانَ في روضةِ الشبابْ
أضاحِكُ الزهر في الكِمامِ مُباهياً روضَهُ الوسيمْ
وأَفضحُ الغصنَ في القوامِ إِنْ هبَّ من جَوِّها نسيمْ
بَيْنَا أَنّا والشبابُ ضافي وظِلُّهُ فوقَنا مَديدْ
ومورد الأنسِ فيه صافِ وبُرْدُهُ رائقٌ جديدْ
إِذْ لاحَ في الفَوْدِ غَيْرَ خافي صُبْحٌ به نَبَّهَ الوَليدْ
أَيْقَظَ من كانَ ذَا منامِ لما انْجَلَى لَيْلُهُ البهيمْ
المراجع
- ↑ نميش أسماء/جامعة جيلالي ليباس، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوروبيّ القديم، صفحة 30-33. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فنّ الموشحات الأندلسيّة: مقاربة أدبيّة وفنيّة، صفحة 45. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فنّ الموشحات الأندلسيّة:مقاربة أدبية وفنيّة، صفحة 41-43. بتصرّف.
- ↑ عبدالفتاح كاك، الموشّحات الأندلسيّة: نشأة وتطور وتأثير وتأثّر، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ أحمد هيكل، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، صفحة 143. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فنّ الموشحات الأندلسية: مقاربة أدبية وفنية، صفحة 99-100. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فن الموشحات الأندلسية: مقاربة أدبية وفنيّة، صفحة 118. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فن الموشحات الأندلسية: مقاربة أدبية وفنيّة، صفحة 136. بتصرّف.
- ↑ سماح بلاط، فنّ الموشّحات الأندلسيّة : مقاربة أدبيّة وفنيّة، صفحة 146. بتصرّف.
- ↑ نميش أسماء، الموشّحات والأزجال وأثرها في التّاريخ الأوروبيّ القديم، صفحة 56-63. بتصرّف.
- ↑ محمد عناني، الموشّحات الأندلسيّة، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ محمد الصّريحي، ديوان ابن زمرك الأندلسيّ، صفحة 533. بتصرّف.