من هو الحلّاج؟

هو الحُسين بن منصور بن محمي البيضاويّ الحلّاج، ويُكنّى أبا المغيث، وفي قولٍ آخر أبا عبد الله، وقد سُميَّ بالحلاج نظرًا لاشتهاره في صناعة الحلج والنّسيج، كما لُقّب بالبيضاويّ نسبةً إلى المدينةِ الّتي وُلِدَ فيها، وهي مدينة البيضاء، وقد حظيت شخصيَّته الصّوفيُة باهتمامٍ كبيرٍ لدى العُلماء والمُؤرّخينَِ القُدماء منهم والمُحدثين، فأحدث اختِلافًا بينهم نتيجةً لشخصيّته الجّالبة للحيرة، كما كانت حياة الحُسين بن منصور الحلّاج حافلةً، ومُزدحمةً بالعلمِ والمعرِفة، ومُغامراتِ الكتابةِ، والمنازعات مع أهل الزّمان.[١]


نشأة الحلّاج وحياته

وُلِد الحلاج عام 244 للهجرة، وهو من قرية الطّور الواقعة في الشّمال الشّرقي من مدينة البيضاء، وعاشَ مع أُسرته في مدينة البصرة في العراق، والّتي اشتُهرت بزراعة القُطنِ ونسجه، فعمِل الحلاج في هذا المجال فاحترف حلج القُطن، وكانَ الحلاج كثير التّردد على بلاد خراسان، وما وراء النّهر، وسجستان، وبلاد فارس وذلك ليتسنى له نشر الدّعوة، واشتُهر في البصرة بأنَّهُ كانَ صوفيًّا، فتزوّج ابنة الصّوفي المشهور أبي يعقوب الأقطع.[٢]


تَعليم الحلّاج وثقافته

كانَ الحلّاج يتعلّم في كتاتيب مدينة واسط عندما كانَ صبيًّا، وتوجه بعدها إلى "تستر" فالتقى بالشّيخ سهل التّستري، ثمّ رحل إلى العراق، وهو في الثّامنة عشرة من عمره، وخالط بها الصّوفيّة، كما أنّ الحلاج مارس ثقافةً جديدة، ومعرفةً مختلفة، فانتقل إلى الطّابع الفلسفيّ الميتافيزيقيّ للمعرفة الّتي يصعب على البُسطاء إدراكها، ولم يحقق الحلاج نجاحًا في هذه الرّسالة.[٢]


المنهج الأسلوبيّ للحلّاج

كانَ شعر الحلاج يُمثّل بكارة التّجربة الشّعريّة الصّوفيّة في التّراث العربيّ، فيغلب على شعره الجّانب النَّظريّ الفكريّ، وكان قد ظهرَ ذلك في أسلوب الخطاب الشعريّ، فكان يبدأ الشّاعر الكثير من المقاطع وكأنه يشرح نظريّةً ما، أو يوضّح فكرة معينة، كما أنّ الرؤية النّظرية عند الحلّاج كانت المُنطلق الأساسي لشعره فطغت على شعره، وبالرّغم من ذلك نظم الحلاج شِعرًا يتحدث عن تجربته الصّوفيّة الخالصة، وكان قد نال الجّانب الموسيقيّ حظًّا وافرًا في شعره، إضافةً إلى ظاهرة التّكرار، كما تأثر الشّاعر الحلّاج بنمطٍ من أنماط الشّعر الفارسيّ، ونظم الشِّعر على الأوزان العربيّة المعهودة، واستعمل الحلّاج في شعره العديد من العبارات المتداولة، والمصطلحات اللافتة؛ وذلك لاهتمامه، وحرصه على الاقتراب من أذواق النّاس.[٣]


مؤلّفات الحلّاج

تركَ الحلّاج العديد من الأعمال التي لم يصل إلينا منها إلّا القليل؛ وذلِك بسبب حرق مؤلّفاته، ومما وصل إلينا ما يأتي:[٤]

  • الطّواسين، أو "طاسين الأزل والالتباس": هو كتاب من الصّعب على المرء فهم المقصود منه، وما الَّذي يربط الفقرات ببعضها، وقد قام بنشره المُستشرق لويس ماسينوس.
  • ديوان الحلّاج: نُشِرت أشعاره في هذا الدّيوان، الّذي نُشر في فرنسا أولًا، ثمّ قام الدّكتور كامل الشيبي بنشره، وقام بشرحه في كتابه "شرح ديوان الحلّاج".
  • رسالة في السياسة، والخلفاء، والأمراء.
  • مدح النبي، والمثل الأعلى.
  • الوجود الأول.
  • الوجود الثّاني.
  • اليقين.
  • التوحيد.
  • الكبريت الأحمر.


نموذج من شعره

قالَ الحلّاج في قصيدته "التّلبية":[٥]

لَبَّيكَ لَبَيكَ يا سِرّي وَنَجوائي لَبَّيكَ لَبَّيكََ يا قَصدي وَمَعنائي

أَدعوكَ بَل أَنتَ تَدعوني إِلَيكَ فَهَل نادَيتُ إِيّاكَ أَم نادَيتَ إِيّائي

يا عَينَ عَينِ وَجودي يا مدى هِمَمي يا مَنطِقي وَعَبارَتي وَإيمائي

يا كُلَّ كُلّي وَيا سَمعي وَيا بَصَري يا جُملَتي وَتَباعيضي وَأَجزائي

يا كُلَّ كُلّي وَكُلُّ الكُلِّ مُلتَبِسٌ وَكُلُّ كُلِّكَ مَلبوسٌ بِمَعنائي

يا مَن بِهِ عَلِقَت روحي فَقَد تَلِفَت وَجداً فَصِرتُ رَهيناً تَحتَ أَهوائي

أَبكي عَلى شَجَني مِن فُرقَتي وَطَني طَوعاً وَيُسعِدُني بِالنَوحِ أَعدائي

أَدنو فَيُبعِدُني خَوفي فَيُقلِقُني شَوقٌ تَمَكَّنَ في مَكنونِ أَحشائي

فَكَيفَ أَصنَعُ في حُبٍّ كُلِّفتُ بِهِ مَولايَ قَد مَلَّ مِن سُقمي أَطِبّائي

قالوا تَداوَ بِهِ فَقُلتُ لَهُم يا قَومُ هَل يَتَداوى الداءُ بِالدائي

حُبّي لِمَولايَ أَضناني وَأَسقَمَني فَكَيفَ أَشكو إِلى مَولايَ مَولائي

إِنّي لَأَرمُقُهُ وَالقَلبُ يَعرِفُهُ فَما يُتَرجِمُ عَنهُ غَيرُ إيمائي

يا وَيحَ روحي وَمِن روحي فَوا أَسفي عَلَيَّ مِنّي فَإِنّي أَصِلُ بَلوائي

كَأَنَّني غَرِقٌ تَبدوا أَنامِلَهُ تَغَوُّثاً وَهوَ في بَحرٍ مِنَ الماءِ

وَلَيسَ يَعلَمُ ما لاقَيتُ مِن أَحَدٍ إِلّا الَّذي حَلَّ مِنّي في سُوَيدائي

ذاكَ العَليمُ بِما لاقَيتُ مِن دَنَفٍ وَفي مَشيئَتِهِ مَوتي وَإِحيائي

يا غايَةَ السُؤلِ وَالمَأمولِ يا سَكَني يا عَيشَ روحِيَ يا ديني وَدُنيائي

قُلي فَدَيتُكَ يا سَمعي وَيا بَصَري لِم ذي اللُجاجَةُ في بُعدي وَإِقصائي

إِن كُنتَ بالغَيبِ عَن عَينَيَّ مُحتَجِباً فَالقَلبُ يَرعاكَ في الإِبعادِ وَالنائي


وفاة الحلّاج

تُوفي الحّلاج قتلًا في أواخرِ عام 309 للهجرة، تحديدًا في مدينة بغداد، ولهُ قبر رمزيّ في مقبرة الشّيخ معروف، الواقعة في مدينة بغداد.[٦]


وللاطلاع على معلومات عن المزيد من الشعراء: أبو العتاهية، ابن نباتة.

المراجع

  1. فيروز فراحتية، عند المسلمين.pdf?sequence=1&isAllowed=y التصوف عند المسلمين الحلاج أنموذجا، صفحة 29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبدالرضا جياد، الأسرار والرموز والعلم الدفين عند الحلاج، صفحة 102-103. بتصرّف.
  3. أنس الفقي، شعر الحلاج بين الرؤية الصوفية والخطاب الشعري، صفحة 99-102. بتصرّف.
  4. فيروز فراحتية، عند المسلمين.pdf?sequence=1&isAllowed=y التصوف عند المسلمين الحلاج أنموذجا، صفحة 34. بتصرّف.
  5. لويس ماسينيون، ديوان الحلاج، صفحة 2. بتصرّف.
  6. عبدالرضا جياد، الأسرار والرموز والعلم الدفين عند الحلاج، صفحة 107. بتصرّف.