كان الشّعر عند العرب وما زال السّجل والديوان الذي حفظوا فيه حياتهم ومآثرهم ومفاخرهم، لذلك تعددت الأغراض التي نظموها وتنوعّت، وقد أبدعوا فيها أيمّا إبداع، وكان لكلّ منها خصائص فريدة، ومن الأغراض التي نُظم فيها الشعر هو الحكمة، الذي سنوضح في السطور التالية من هذا المقال أبرز ما تميّز به من سمات فنية.


خصائص شعر الحكمة

تفرّد شعر الحكمة عن غيره من الأغراض الشعرية بمجموعة من الخصائص العامّة؛ فكانت ألفاظه ومعانيه مُنتقاة ومُختارة بدقّة، وعباراته جميلة وواضحة الدلالة، كما كان قادرًا على أن يعكس تجارب صاحبه وخبراته،[١] لكن في كلّ عصر من العصور الأدبية كانت لشعر الحكمة بعض السمات الخاصة التي ميزته، وفيما يأتي توضيح موجز لها وفق تقسيم العصور الأدبية:


خصائص شعر الحكمة في العصر الجاهلي

تنوّعت أغراض الشعر الجاهلي، وكان للحكمة حضور فيه، واتسم بعدد من الخصائص والسمات، منها ما يأتي:[٢][٣]

  • لم يكن شعر الحكمة فنًا مستقلًا وقائمًا بذاته في هذا العصر، بل تمثّل بأبيات تخللت بعض القصائد الطوال التي نُظمت في أغراض مختلفة.
  • جاءت أبيات الحكمة في القصائد الجاهلي للنصح والموعظة وضرب المثل.
  • كان شعر الحكمة مستمدًّا من طبيعة الحياة الجاهلية والثقافة والعادات السائدة فيها، فجاء بألفاظ وتعبيرات وصور مرتبطة بها أيما ارتباط.
  • اتسمت أبيات الحكمة بأنها وليدة الزمن والتجربة الشخصية، بعيدة عن العاطفة والأهواء.
  • وضوح المعاني وبُعدها عن التعقيد والغموض.
  • الاتصاف بالواقعية والبُعد عن الخيالات.


خصائص شعر الحكمة في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي

كانت بداية تطور شعر الحكمة من عصر صدر الإسلام والعصر الأموي، واتصف بالخصائص الآتية:[٤]

  • ظهرت اللمسة الدينية في شعر الحكمة بشكل جليّ، بسبب التأثر بالدين الجديد والذي شمل مختلف جوانب الحياة، منها نظم القصائد.
  • اتُخذ شعر الحكمة وسيلة للتوجيه الأخلاقي والتربوي، وتسوية الفكر فرديًا وجماعيًا.
  • بقاء شعر الحكمة في هذين العصرين متداخلًا مع الأغراض الشعرية الأخرى.
  • بساطة الألفاظ المُختارة في نظم شعر الحكمة وبُعدها عن التكلّف.
  • تمحورت معظم موضوعات شعر الحِكمة في هذين العصرين حول النفس البشرية، والقدر وأحكامه.


خصائص شعر الحكمة في العصر العباسي

شهد العصر العباسي تطورًا وازدهارًا شَمِل مختلف مناحي الحياة، منها ما يتعلّق بالشعر والأدب عمومًا، فاتسم شعر الحكمة فيه بمجموعة من الخصائص والسمات، منها الآتي:[٥]

  • ظهر أثر الانفتاح العقلي والفكري الذي شهده العصر العباسي بشكل واضح على شعر الحكمة؛ إذ زادت القصائد والمقطوعات التي زخرت بالحِكَم، وظهر شعراء متخصصون فيه.
  • أصبح شعر الحكمة في الكثير منه خاضعًا للفلسفة وعلم المنطق؛ نتيجة الانفتاح الثقافي في هذا العصر.
  • المزج عند الكثير من شعراء الحكمة بين العقل والعاطفة.
  • التوسع والتنوع في الموضوعات التي شملها شعر الحكمة، فلم يعد مقتصرًا على ما كان عليه في العصرين الجاهلي والإسلامي.
  • عُمق المعاني وعدم تعقيد الألفاظ المستخدمة بالنّظم في الوقت ذاته.

خصائص شعر الحكمة في العصر الأندلسي

من خصائص شعر الحكمة في العصر الأندلسي ما يأتي ذكره:[٦]

  • اتسم شعر الحكمة في هذا العصر بالتأملات الفلسفية المستمدّة من التجارب المختلفة.
  • شملت الحكمة مختلف القصائد والأشعار، خاصةً مع الظروف التاريخية الصعبة التي عايشها أهل الأندلس.
  • صدق العاطفة ووضوح المعاني والألفاظ الموظّفة في شعر الحكمة.
  • مجاراة شعراء الأندلس لشعراء المشرق في العديد من أشعار الحكمة.


نماذج من شعر الحكمة

فيما يأتي نماذج مُختارة على شعر الحكمة من مختلف العصور:


  • من العصر الجاهلي: قول زهير بن أبي سلمى من قصيدته أمن أمّ أوفى:[٧]


وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ




لَو كُنتُ أَعجَبُ مِن شَيءٍ لَأَعجَبَني سَعيُ الفَتى وَهُوَ مَخبوءٌ لَهُ القَدَرُ يَسعى الفَتى لأُِمورٍ لَيسَ مُدرِكَها وَالنَفسُ واحِدَةٌ وَالهَمُّ مُنتَشِرُ وَالمَرءُ ما عاشَ مَمدودٌ لَهُ أمَلٌ لا تَنتَهي العَينُ حَتّى يَنتَهي الأَثَرُ



  • من العصر العباسي: قول بشار بن بُرد في إحدى قصائده:[٩]


إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ مُقارف ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه



  • من العصر الأندلسي: قول أبي البقاء الرندي:[١٠]


لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ


المراجع

  1. محمد صام، نسيمة مشاش، الفني في شعر الحكمة ابي الطيب المتنبي-انموذجا-.pdf البعد الفني في شعر الحكمة أبي الطيب المتنبي أنموذجًا، صفحة 17. بتصرّف.
  2. محمد صام، نسيمة مشاش، الفني في شعر الحكمة ابي الطيب المتنبي-انموذجا-.pdf البعد الفني في شعر الحكمة أبي الطيب المتنبي أنموذجًا، صفحة 16. بتصرّف.
  3. ورود الصراف، أشعار الحكمة في ديوان الحماسي لأبي تمام دراسة موضوعية فنية، صفحة 21. بتصرّف.
  4. عزيزية هجيرة، تجليات الحكمة في الشعر العربي أبي تمام أنموذجًا، صفحة 12. بتصرّف.
  5. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي، صفحة 181. بتصرّف.
  6. محمد عبد الرحمن محمود، شعر الحكمة والزهد في عصر الطوائف، صفحة 7. بتصرّف.
  7. "أمن أم أوفى"، الديوان. بتصرّف.
  8. "لو كنت أعجب من شيء"، الديوان. بتصرّف.
  9. "قصيدة جفا ودّه"، الديوان. بتصرّف.
  10. "لكل شيء إذا ما تم نقصان"، الديوان. بتصرّف.