تغنّى الكثير من شعراء الحب بالمحبوبة وتغزّلوا بها، فاشتهر كل واحد منهم بمن تغزل بها، فاشتهر جميل ببثينة، واشتهر كثيّر بعزة، وقيس مجنون بني عامر بليلى، وقيس بن ذريح بلبنى، وعروة بن حزام بعفراء، وذو الرمة بميّة وهي الخرقاء، وغيرهم الكثير، وفي هذا المقال سنركّز الحديث عن أولئك الشعراء الستة:


امرؤ القيس

من شعراء الجاهلية، من قبيلة كندة في اليمن، احتلّ الغزل مساحةً واسعةً في معلّقته، فذكر مغامراته مع العديد من النساء، مثل أم الحويرث وجارتها أم الرباب، وعنيزة على هودجها، وقد عُرف بأنه لم يكن يتغزّل بامرأة مخصوصة كباقي الشعراء، ومن شعر الغزل في قصيدته:[١]


كَدأبك مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا ... وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ

فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً ... عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي

أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ ... وَلا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِيْ ... فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ

يَظَلُّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا ... وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ

وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي

تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا ... عَقَرْتَ بَعِيْرِيْ يَا امْرَأَ القَيْسِ فَانْزِلِ

فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِيْ وَأَرْخِي زِمَامَهُ ... وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعًا ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِيْ تَمَائِمَ مُغْيَلِ

إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ ... بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لم يُحَوَّلِ


وكانت فاطمة العامرية من النساء التي أحبّها امرؤ القيس وكتب لها أبياتاً في معلّقته الشهيرة، ومن تلك الأبيات:


أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ ... وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وَإنْ كنتِ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّيْ خَليْقَةٌ ... فَسُلِّيْ ثِيَابِيْ مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي ... وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقْدَحِي ... بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ


عمر بن أبي ربيعة

هو شاعر مكّي من شعراء الغزل الصريح في العصر الأموي، ولد سنة 23 للهجرة لوالدٍ ثريّ، فعاش عمر حياته للغزل الصريح، وكان ثراؤه سبباً في ذلك، فقد كان المغنون والمغنيات من أهل مكة والمدينة يلازمونه ويغنونه في شعره، ليصبح بذلك من أشهر شعراء الغزل في عصره.[٢]


كان عمر يتصدّى لكل فتاة جميلة يراها، ويكتب فيها شعراً يلهج بحبّه لها، مثل: الثريا بنت علي الأموية، وسكينة بنت الحسين، وزينب الجمحيّة، ومن شعره:


ما كُنتُ أَشعُرُ إِلّا مُذ عَرَفتُكُمُ ... أَنَّ المَضاجِعَ تُمسي تُنبِتُ الإِبَرا

قد لُمتُ قَلبي وَأَعياني بِواحِدَةٍ ... فَقالَ لي لا تَلُمني وَاِدفَعِ القَدَرا


وكان نادراً ما يشكو من الغرام والعشق في شعره، بل كانت محبوبته هي التي تشكو من ذلك، فقال على لسان أحداهنّ:


تَقولُ إِذ أَيقَنَت أَنّي مُفارِقُها ... يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ اليَومِ يا عُمَرُ


ويقول على لسان ثلاثة أخوات شُغِلنَ به::


قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى ... قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها ... قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر


كثرت الرّسل في تواصل عمر مع محبوباته، فكان يراسل بعضهنّ، ومثال ذلك الرسالة التى أرسل بها إلى الثريا:


كَتَبتُ إِلَيكِ مِن بِلَدي ... كِتابَ مُوَلَّهٍ كَمِدِ

كَئيبٍ واكِفِ العَينَي ... نِ بِالحَسَراتِ مُنفَرِدِ

يُؤَرِّقُهُ لَهيبُ الشَو ... قِ بَينَ السَحرِ وَالكَبِدِ

فَيُمسِكُ قَلبُهُ بَيَدٍ ... وَيَمسَحُ عَينَهُ بِيَدِ


قيس بن ذريح

هو من شعراء الغزل العذري في العصر الأموي، من قبيلة كنانة، يُروى أنّه رأى لبنى الخزاعية في إحدى رحلاته، فوقع في حبّها، وطلب من أبيه أن يخطبها له لكنه أبى في البداية، وبعد توسّط الأقارب تزوجا، لكنّهما لم يرزقا بولد، فألحّ عليه والداه أن يتركها، فرضخ لهما بالنهاية، ثم أصابه حزن وجزع شديد، ونظم في فراقها أشعاراً كثيرة، منها:[٢]


وَإِنّي لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ ... لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ

تُحَدِّثُني الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ ... فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ

شَهِدتُ بِأَنّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ ... وَإِنّي بِكُم لَو تَعلَمينَ ضَنينُ

وَإِنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى ... سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ


وقال أيضاً:

لَقَد عَذَّبتَني يا حُبَّ لُبنى ... فَقَع إِمّا بِمَوتٍ أَو حَياةِ

فَإِنَّ المَوتَ أَروَحُ مِن حَياةٍ ... نَدومُ عَلى التَباعُدِ وَالشَتاتِ

وَقالَ الأَقرَبونَ تَعَزَّ عَنها ... فَقُلتُ لَهُم إِذَن حانَت وَفاتي


وقال فيها أيضاً:

فَإِن يَحجِبوها أَو يَحُل دونَ وَصلِها ... مَقالَةُ واشٍ أَو وَعيدُ أَميرِ

فَلَن يَمنَعوا عَينَيَّ مِن دائِمِ البُكا ... وَلَن يُخرِجوا ما قَد أُجَنَّ ضَميري

وَما بَرِحَ الواشونَ حَتّى بَدَت لَنا ... بُطونُ الهَوى مَقلوبَةً لِظُهورِ

إِلى اللَهِ أَشكو ما أُلاقي مِنَ الجَوى ... وَمِن نَفَسٍ يَعتادُني وَزَفيرِ


وقوله:


وَبَينَ الحَشا وَالنَحرِ مِنّي حَرارَةٌ ... وَلَوعَةُ وَجدٍ تَترُكُ القَلبَ ساهِيا

أَلا لَيتَ لُبنى لَم تَكُن لِيَ خُلَّةً ... وَلَم تَرَني لُبنى وَلَم أَدرِ ما هِيا


ويُقال أن قيس ظلّ يشكو حبّه وندمه على فراق حبيبته، حتى عادت لبنى له فعاشت معه حتى ماتت، فظلّ يبكيها على قبرها، ولم يزل عليل القلب حتى لحق بها، فدفن بجانبها.


جميل بن معمر

الملقّب بجميل بثينة، من شعراء الغزل العذري في العصر الأموي، نشأ في وادي القرى، وأحبّ إحدى نساء قبيلته منذ صغره، اسمها بثينة، فألهمته كتابة الشعر، وظلّ يلقاها بين الحين والآخر، إلى أن علم أهلها بذلك فضيّقوا عليهما ومنعاهما من التلاقي. ومن أبيات الشعر التي كتبها فيها:


وَإِنّي لَأَرضى مِن بُثَينَةَ بِالَّذي ... لَوَ اَبصَرَهُ الواشي لَقَرَّت بَلابِلُه

بِلا وَبِأَلّا أَستَطيعَ وَبِالمُنى ... وَبِالوَعدِ حَتّى يَسأَمَ الوَعدَ آمِلُه

وَبِالنَظرَةِ العَجلى وَبِالحَولِ تَنقَضي ... أَواخِرُهُ لا نَلتَقي وَأَوائِلُه


وقال أيضاً:

أَرانِيَ لا أَلقى بُثَينَةَ مَرَّةً ... مِنَ الدَهرِ إِلا خائِفاً أَو عَلى رَحلِ

خَليلَيَّ فيما عِشتُما هَل رَأَيتُما ... قَتيلاً بَكى مِن حُبِّ قاتِلِهِ قَبلي


وظلّ يشكو حبه ويرغب بلقائها، فيثور به أهلها ويتوعدونه، فقد قال:


أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً ... بِوادي القُرى إِنّي إِذَن لَسَعيدُ

وَهَل أَهبِطَن أَرضاً تَظَلُّ رِياحُها ... لَها بِالثَنايا القاوِياتِ وَئيدُ

وَهَل أَلقَيَن سُعدى مِنَ الدَهرِ مَرَّةً ... وَما رَثَّ مِن حَبلِ الصَفاءِ جَديدُ

وَقَد تَلتَقي الأَشتاتُ بَعدَ تَفَرُّقٍ ... وَقَد تُدرَكُ الحاجاتُ وَهيَ بَعيدُ


فَهَل أَلقَيَن فَرداً بُثَينَةَ لَيلَةً ... تَجودُ لَنا مِن وُدِّها وَنَجودُ

وَمَن كانَ في حُبّي بُثَينَةَ يَمتَري ... فَبَرقاءُ ذي ضالٍ عَلَيَّ شَهيدُ


وقد ظلت بثينة تحفظ حبه لها، إلى أن وافته المنية، فبكته، ويُذكر أنها ظلت تبكيه إلى أن لحقت به.


كثيّر عزّة

هو شاعرٌ من العصر الأموي، نشأ في البادية بين مكة والمدينة، يُذكر أنه مرّ بنسوة ومعه غنم، فأرسلن إليه فتاة اسمها عزّة كي تبتاع لهم كبشًا من الغنم على أن ترجع له لاحقاً بالثمن، فأعطاها كبشًا وأعجب بها، ثم جاءت امرأة منهن بالدراهم، فقال لها أنه لن يأخذ الثمن إلا ممن أعطاها الكبش، ومنذ ذلك الوقت وهو يتغزل بغزّة في شعره ويكتب لها القصائد.[٣]


كان كثير يلتقي بعزّة خلسةً على الرغم من أنها متزوجة، إلا أنها كان يطفئ نار شوقه بعض الشيء، وفي إحدى المرات حجّت عزة مع زوجها فدخلت إلى خيمة كثير دون علمها بوجوده وهي تبحث عمّن يبتاعها سمناً، فلما عرف زوجها أمرها بأن تذهب إليه وتشتمه، فقال فيها كثير:


يُكَلِّفُها الخَنزيرُ شَتمي وَما بِها ... هَواني وَلَكِن لِلمَلِيكِ اِستَذَلَّتِ

هَنيئًا مَرِيئًا غَيرَ داءٍ مُخامِرٍ ... لِعَزَّةَ مِن أَعراضِنا ما اِستَحَلَّتِ

وَوَالله ما قارَبت إِلا تَباعَدَت ... بِصَرمٍ وَلا أَكثَرتُ إِلّا أقلّت

وَلي زَفراتٌ لَو يَدُمنَ قَتَلنَنَي ... تَوالي الَّتي تَأتي المُنى قَد تَوَلَّتِ

وَكُنّا سَلَكنا في صَعودٍ مِنَ الهوى ... فَلَمّا تَوَافَينا ثَبَت وَزَلَّتِ


ومن الشعر الذي كتبه في حب عزّة:


خَليلَيَّ هَذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا ... قلوصَيكُما ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ

وَمُسّا تُرابًا كَانَ قَد مَسَّ جِلدَها ... وَبيتا وَظِلاَ حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ

وَلا تَيأَسا أَن يَمحُوَ اللهُ عَنكُما ... ذُنوبًا إِذا صَلَّيتُما حَيثُ صَلَّتِ

وما كنت أَدري قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا ... وَلا مُوجِعاتِ القَلبِ حَتَّى تَوَلَّتِ


وقال أيضاً:


أَلا تِلكَ عَزَّةُ قَد أَصبَحَت ... تُقَلِّبُ لِلهَجرِ طَرفاً غَضيضا

تَقولُ مَرِضنا فَما عُدتَنا ... فَقُلتُ لَها لا أُطيقُ النُهوضا

كِلانا مَريضانِ في بَلدَةٍ ... وَكَيفَ يَعودُ مَريضٌ مَريضا


قيس بن الملوح

هو من شعراء الغزل في العصر الأموي، من أهل نجد، لُقّب بمجنون ليلى لحبّه لامرأة تدعى ليلى العامرية، حيث نشأ معها وعشقها، لكنه لم يتزوجها بسبب رفض أهلها له، فألقى الأشعار متغنياً بحبه العذري لليلى، ومن ذلك:


أَرى أَهلَ لَيلى أَورَثوني صَبابَةً ... وَمالي سِوى لَيلى الغَداةَ طَبيبُ

إِذا ما رَأَوني أَظهَروا لي مَوَدَّةً ... وَمِثلُ سُيوفِ الهِندِ حينَ أَغيبُ

فَإِن يَمنَعوا عَينَيَّ مِنها فَمَن لَهُم ... بِقَلبٍ لَهُ بَينَ الضُلوعِ وَجيبُ

إِن كانَ يا لَيلى اِشتِياقي إِلَيكُمُ ... ضَلالاً وَفي بُرئي لِأَهلِكِ حوبُ

فَما تُبتُ مِن ذَنبٍ إِذا تُبتُ مِنكُمُ ... وَما الناسُ إِلّا مُخطِئٌ وَمُصيبُ


أُحُبُّكِ يا لَيلى وَأُفرِطُ في حُبّي ... وَتُبدينَ لي هَجراً عَلى البُعدِ وَالقُربِ

وَأَهواكِ يا لَيلى هَوىً لَو تَنَسَّمَت ... نُفوسُ الوَرى أَدناهُ صِحنَ مِنَ الكَربِ

شَكَوتُ إِلَيها الشَوقُ سِرّاً وَجَهرَةً ... وَبُحتُ بِما أَلقاهُ مِن شِدَّةِ الحُبِّ

وَلَمّا رَأَيتُ الصَدَّ مِنها وَلَم تَكُن ... تَرِقُّ لِشَكواتي شَكَوتُ إِلى رَبّي

إِذا كانَ قُربَ الدارِ يورِثُ حَسرَةً ... فَلا خَيرَ لِلصَبِّ المُتَيَّمِ في القُربِ


أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى ... أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي ... وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا


أَحِنُّ إِلى لَيلى وَإِن شَطَّتِ النَوى ... بِلَيلى كَما حَنَّ اليَراعُ المُثَقَّبُ

يَقولونَ لَيلى عَذَّبَتكَ بِحُبِّها ... أَلا حَبَّذا ذاكَ الحَبيبُ المُعَذِّبُ


المراجع

  1. مهد أحمد عدو، الغزل في شعر امئ القيس، صفحة 10. بتصرّف.
  2. ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 364. بتصرّف.
  3. أحمد تيمور باشا، الحب والجمال عند العرب، صفحة 53. بتصرّف.