فدوى طوقان

هي شاعرة، وأديبة فلسطينية، وتحديدًا من مدينة نابلس وتاريخ ميلادها مجهولًا، نظمت الكثير من القصائد التي تغنّت فيها بوطنها فلسطين، وهذا جعلها من أبرز الشاعرات الفلسطينيات في القرن العشرين، وهي شقيقة الشاعر إبراهيم طوقان، لها العديد من الدواوين الشعرية والتي يقدر عددها بثمانية دواوين، منها؛ ديوان وحدي مع الأيام، وثلاثة كتبٍ نثرية، ومنها كتاب رحلة جبلية، رحلة صعبة، وغيرها ثماني مقالاتٍ، وبعض الكلمات الافتتاحية، وعشرة حوارات، أما وفاتها فكان في عام 2003.[١][٢]


قصيدة مع سنابل القمح

تقول فدوى طوقان:[٣]


أوت إلى الحقل كطيف كئيب يرسو بعينها أسىً غامرُ في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم، خائر... غامضة، في العمق أغوارها فيض انفعالات وإحساس صيّرها شذوذ أطوارها غريبة في عالم الناس



تأملت في السنبل الوادع يموج في الحقل زكيًّا نماه



تكاد في سكونها الخاشع تسمع في السنبل نبض الحياه



وفي رؤى خيالها الشارد منجذباً بروعة السنبل لاحت لعينيها يد الحاصد يخفق فيها شبح المنجل رأت رغيفا جبلته دموع دموع مكدودين مستضفين أنضاء حرمان وبؤس وجوع هانوا على الرحمة والراحمين رأته في كفّ غنيّ بخيل سطت عليه يده الجانيه الخبز في كيانه يستحيل خلجات شح كزّةً قاسية



ومدّت الأفكار أظلالها فلم تزل شاخصةً في وجوم من أبصر استغراقها خالها مخبولةً تهيم فوق الغيوم كانت تناجي ما وراء الفضاء قوى القضاء الغامض المبهم: من يمطر الرزق على ذي الثراء ويمسك الرزق عن المعدم؟ كم بائسٍ، كم جائعٍ، كم فقيرٍ يكدح لا يجني سوى بؤسه ومترف يلهو بدنيا الفجور قد حصر الحياة في كأسه أرحمه الله بعليا سماء تقول أن يكتظّ جوف الثري ؟! ويحرم المعوز قوت الحياة في عيشه المضطرب الأعسر أليس في قدرته القادره أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء! أليس في قوّته القاهره أن يغمر الأرض بعدل السماء! وراعها صوت عميق مثير جلجل فيها مثل صوت القدر: لم تحبس السماء رزق الفقير لكنه في الأرض ظلم البشر.. وأطرقت، نهباً لشك مريب يملؤها منه أسىً غامر في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم، حائر!..



قصيدة أشواق حائرة

تقول فدوى طوقان:[٤]


ماذا أحس؟ هنا، بأعماقي ترتجّ أهوائي وأشواقي بي ألف إحساس يحرّقني متدافع التيار، د فّاق ألف انفعال، ألف عاطفة محمومة بدمي، بأعراقي ماذا أحسّ؟ أحسّ بي لهفاً حيران يغمر كلّ آفاقي جفت له شفتاي وارتعشت أظلاله العطشى بأحداقي نفسي موزّعة، معذّبة بحنينها، بغموض لهفتها شوقٌ إلى المجهول يدفعها متقحمّاً جدران عزلتها شوقي إلى ما لست أفهمه يدعو بها في صمت وحدتها أهي الطبيعة صاح هاتفها؟ أهي الحياة تهيب بابنتها؟ ماذا أحسن؟ شعور تائهةٍ عن نفسها، تشقى بحيرتها قلبي تفور به الحياة وقد عمقت ومد ّت فيه كالامد.. فتهتزّ أغواري نوازعه صخّابةً، فاقة المدد ويظل منتظراً على شغف ويظل مرتقباً على وقد أحلام محروم تساوره متوحد في العيش منفرد ويود لو تمضي الحياة به للحب، مصدر فيضها الأبدي! وهناك تومئ لي السماء وبي شوقٌ إليها لاهف عارم فأحس إحساس الغريب طغى ظمأ الحنين بروحه الهائم وأرى كواكبها تعانقني بضيائها المترجرج الحالم تهمي على روحي أشعتها وتلفّه بجناحها الناعم فأودّ لو أفنى وأدمج في عمق السماء ونورها الباسم مالي يزعزعني ويعصف بي قلق عتيٌ جائح الألم تتضارب الأشواق حائرة في غور روحي، في شعاب دمي الأرض تعلق بي وتجذبني وتشدّ قبضتها على قدمي وهناك روحي هائم شغف بالنور فوق رفارف السدم مستحقراً الأرض، تفزعه دنيا التراب، وهوّة العدم روحي يلوب بدار غربته عطشاً إلى ينبوعه السامي فهناك أصداد يسلسلها صوت السماء بروحي الظامي وهنا، هنا، الأرض يهتف بي صوت يقيّد خطو أقدامي صوتان.. كم لجلجت بينهما يتنازعان شراع أيامي أنا كيان تائه قلق يطوي الوجود حنانه الظامي!



قصيدة ليل وقلب

تقول فدوى طوقان:[٥]

هو الليل يا قلب، فانتشر شراعك، واعبر خضّم الظلام العميق

وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق


وأنك كالليل شيء كبير.. بعيد القرار سحيق سحيق وفيك كألغازة المبهمات أفانين من كل لغز دقيق هواجس مختلفات رؤاها تهوّم طورًا وطورًا تفيق




ولليل يا قلب أي امتدادٍ يحيط بهذا الوجود العظيم سرى واحتوى الكون في عمقه فلف ّالبحار ولفّ الأديم وكالليل أنت، حويت وجوداً من العاطفات كبيراً جسم


ففيك السماء، وفيك الخضمّ، وفيك الجديد، وفيك القديم!


وتنتظم الكون في خفقةٍ وأنت بجنبي هنا لا تريم!




ودونك يا قلب هذا الفضاء تجوز به السحب العابرة مراكب تمخر إثر مراكب تدفها قوّة قاهرة كأني أرى في شكول السحاب نواتيّ أبصارهم حائره أضلّوا المنار فهم تائهون يغذون في اللجج الكافره كذلك أنت ببحر الحياة توهان في ظلم سادره




ورجرجة النجم كم ساجلتك بصدر السماء خفوق الحنين أبا النجم ما بك من لهفة أبا النجم مثلك شوق دفين؟ أتجهش في قلبه الذكريات وتأخذ منه بحبل الوتين؟ فما باله قلقاً خافقاً يراعي الدجى في سهوم حزين لعلّ أليفاً له قد هوى وبات كخذنك في الآفلين!




وأصغ معي في السكون الرياض وقد لفّها غسق الغيهب طيور توشوش جنح الدجى وتكشف عن همّها المختبي فهذا الخريف تدبّ خطاه ليعصف بالزهر المعجب ويخنق ألحان أشواقها ويلوي بترجيعها المطرب وكيف تغنّي لزهر ذوى بروضٍ سليب الحلى مجذب




وأنت... وأنت تخاف الخريف وتشفق من ريحه العاتيه تخاف على زهرات الصبّى تبدّدها كفّه القاسيه فلا نور يشتاق طل الصباح ويوحى بأنغامك الظاميه تخاف تزايلك الملهبات وتخمد أشواقك الطاغيه... ويفرغ نايك من لحنه ويثوى حطاماً بأضلاعه




وسعت عوالم يا قلب ماجت يحم الطيوف وشتّى الصور أحاسيس حيرى تهيج وتطغى هياج العباب إذا ما غمر وأخرى تهبّ، هبوب النسيم تنفّس في جانحيه الزهر وتظلم يا قلب حتى كأنك ليل بصدري الكظيم اعتكر وتشرق حتى إخال الضياء بأقطار نفسي منك انتشر




وتخصب طوراً فكلك حبٌّ يعانق قلب الوجود الرحيب

تفيض سلاما كأن يد الله مرّت عليك بنفخ رطيب


تحبّ العدوّ وتحنو عليه وخنجره منك دام خضيب

وطوراً تغيض سوى من رواسب كرهٍ عصيٍ وبغض رهيب

كأنّ أكفّ الشياطين غلغلن فيك فأنت مخوف جديب..


فيا قلب، يا أحد الأصغرين، كيف اتسّعت لهذا الوجود


وكيف احتمالك هذا الزحام ومن خلجاتٍ كثار العديد..



تحبّ وتبغض حراً طليقاً فلا من سدود ولا من قيود تصدّ نداء المحب القريب وتهوى نداء العدو البعيد! فيا لك أعمى يقود زمامي كما شاء فعل اللجوج العنيد!



هو الليل يا قلب، فانشر شراعك واعبر خضمّ الظلام العميق

وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق


قصيدة في ضباب التأمل

تقول فدوى طوقان:[٦]

في ليلة مجنونة الإعصار، ثائرة مثيرة

تتراقص الأشباح فيها خلف نافذتي الصغيرة


ألقيت فوق وسادتي آلام روحٍ مثقلٍ

مصدومة الآمال أسبح في ضباب تأملي


ومضيت شاردة أقلب في الظلام كتاب عمري

صور، وأطياف كئيبات، تلوّن كل سطر


فهنا خيال شاحب لم ترحم الدنيا ذبوله

هذا خيال طفولة لم تدر ما مرح الطفولة


وهنا صبًا عضّت عليه قيود سجنٍ واضطهاد

باكٍ، ذوت أيامه خلف انطواء وانفراد..


وهنا شباب ما يزال يجوس قفراً بعد قفر

متحرّق أبدا إلى شيء.. إلى ما لست أدري!..


تغدوه نيران الحياة لظى، فيلتهب التهابا

ويهيم فوق دخانها متعطشًا يقفو السرابا


أحلامه الحيرى معلقّة بأفلاك الغيوم

ستظل أحلاماً عطاشى، تائهات في السديم


وهناك عن قمم النزوع؛ هناك عن قمم الطموح

دنيا منىً، وبروج آمال تهاوت للسفوح..


وتململت بقفار قلبي، في فراغ توحدّي

نفسٌ تسائل نفسها في حيرة وتردّد:


لم جئت للدنيا؟ أجئت لغاية هي فوق ظني؟

املأت في الدنيا فراغا خافياً في الغيب عني؟


أيحس هذا الكون نقصاً حينما أخلي مكاني؟!

وأروح لم أخلف ورائي فيه جزءاً من كياني؟!


إن كان غيري في وجودهم امتداد للوجود

صورٌ ستبقى منهم يحيون فيها من جديد..


فأنا سأمضي، لم أصب هدفاً ولا حققّت غاية!

عمر نهايته خواء فارغ.. مثل البداية!


هذي حياتي، خيبة وتمزّقٌ يجتاح ذاتي

هذي حياتي، فيم أحياها؟ وما معنى حياتي؟!


وللتعرف إلى قصائد لشعراء آخرين: قصائد محمود درويش.

المراجع

  1. غريد الشيخ، طوقان&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwieyfCGjabmAhWVSxUIHUp1AogQ6AEILjAB#v=onepage&q=فدوى طوقان&f=false فدوى طوقان شعر والتزام، صفحة 7-9. بتصرّف.
  2. زيان صباح، رمال رزيقة، عند فدوى طوقان بين الشكل.pdf التجديد عند فدوى طوقان بين الشكل والمضمون، صفحة 16-18. بتصرّف.
  3. فدوى طوقان، الاعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان، صفحة 24-27.
  4. فدوى طوقان، الاعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان، صفحة 31-33.
  5. فدوى طوقان، الاعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان، صفحة 34-37.
  6. فدوى طوقان، الاعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان، صفحة 47-50.