محمود درويش هو شاعر فلسطيني، ومن أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية، ولد سنة 1941، أحب درويش القراءة والكتابة منذ طفولته، وعمل مدرسًا فيما بعد، وقد ذاع اسمه كشخصية عربية نضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد تميز محمود درويش عن غيره من شعراء وطنه بغزارة إنتاجه، وبساطة العبارات في شعره مع شمولية مضمونها وما تحتويه من معاني عميقة، وقد بلغت عدد الدواوين الشعرية لمحمود درويش حوالي 30 ديوانًا منها؛ عصافير بلا أجنحة، أما الأعمال النثرية حوالي 11 عملًا؛ منها شيء عن الوطن.[١][٢]

قصيدة إلى أمي

يقول درويش:[٣]

أحنُّ إلى خبز أمي

وقهوة أُمي

ولمسة أُمي..

وتكبر فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأني

إذا مُتُّ،

أخجل من دمع أُمي!

خذيني، إذا عدتُ يوماً

وشاحاً لهُدْبِكْ

وغطّي عظامي بعشب

تعمَّد من طهر كعبك

وشُدّي وثاقي..

بخصلة شعر..

بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك..

عساني أصيرُ إلهاً

إلهاً أصيرْ.

إذا ما لمستُ قرارة قلبك!


ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقوداً بتنور ناركْ...

وحبل غسيل على سطح دارك

لأني فقدتُ الوقوف

بدون صلاة نهارك

هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافير

درب الرجوع...

لعُشِّ انتظارِك!


قصيدة إذا كان لي أن أعيد البداية

يقول درويش:[٤]

إذَا كَانَ لِي أَنْ أُعِيدَ الِبدايَة أَختارُ ما اخْتَرْتُ: وَرْدَ السّياج

أُسَافِرُ ثَانيةً فِي الدَّرُوبِ التِي قدْ تُؤدِّي وقَدْ لا تُؤدِّي إِلَى قُرْطَبهْ.

أُعلَّقُ ظِلِّي عَلَى صَخْرَتَيْنِ لِتَبْنِي الطُّيُورُ الشَّرِيدَةُ عُشّاً علَى غُصْنِ ظِلِّي

وأُكسرُ ظِلِّي لأَتْبَعَ رَائِحَةَ اللَّوْزِ وَهِيَ تَطِيرُ عَلَى غَيْمةٍ مُتْربَهْ

وَأًتعبُ عنْدَ السُّفوحِ: تَعَالَوا إِليَّ اسْمَعُونِي. كُلُوا مِنْ رَغِيفِي

اشْربُوا مِنْ نَبِيذي، ولا تَتْرُكُونِي عَلَى شَارِعِ العُمْرِ وَحْدِي كَصَفْصَافَةٍ

مُتْعبَهْ.

أُحِبُّ البِلاَدَ الِتي لَمْ يَطَأهَا نَشِيدُ الرَّحِيلِ ولمْ تمْتَثِلْ لدمٍ وامْرَأَهْ

أُحِبُّ النِّسَاءَ اللَّواتِي يُخَبِّئْنَ فِي الشَّهَوَاتِ انْتِحَارَ الخُيُولِ عَلَى عتبَهْ.

أَعُودُ، إِذَا كَانَ لِي أَنْ أَعُودَ، إِلَى وَرْدَتِي نَفْسِهَا وإِلَى خطْوَتِي نَفْسِهَا

وَلَكِنَّنِي لاَ أَعُودُ إِلَى قُرْطُبَه....


قصيدة على قلبي مشيت

يقول درويش:[٥]

على قلبي مشيتُ ، كأنَّ قلبي

طريقٌ ، أو رصيفٌ ، أو هواءُ

فقال القلبُ : أتعبَنِي التماهي

مع الأشياء ، وانكسر الفضاءُ

وأَتعبني سؤالُكَ : أين نمضي

ولا أرضٌ هنا ... ولا سماءُ

وأنتَ تطيعني... مُرني بشيء

وصوِّبني لأفعل ما تشاءُ

فقلتُ له : نسيتُكَ مذ مشينا

وأَنت تَعِلَّتي ، وأنا النداءُ

تمرَّدْ ما استطعت عليَّ ، واركُضْ

فليس وراءنا إلاَّ الوراءُ !


قصيدة عندما يذهب الشهداء إلى النوم

يقول درويش في هذه القصيدة التي تحمل عنوان تصبحون على وطن:[٦]

عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو، وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ

أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ، مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ

أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ، وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ

وَأَسْرِقُ وَقْتَاً لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ. هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟

وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاَ وَاحداً، لحِبَالِ الغَسِيلِ، اتْرُكُوا لَيْلَةَ

لِلْغِنَاءْ

اُعَلِّقُ أسْمَاءَكُمْ أيْنَ شِئْتُمْ فَنَامُوا قلِيلاً، وَنَامُوا عَلَى سُلَّم الكَرْمَة الحَامضَهْ

لأحْرُسَ أَحْلاَمَكُمْ مِنْ خَنَاجِرِ حُرَّاسِكُم وانْقِلاَب الكِتَابِ عَلَى الأَنْبِيَاءْ

وَكُونُوا نَشِيدَ الذِي لاَ نَشيدَ لهُ عِنْدمَا تَذْهَبُونَ إِلَى النَّومِ هَذَا المَسَاءْ

أَقُولُ لَكُم: تُصْبِحُونَ عَلَى وَطَنٍ حَمّلُوهُ عَلَى فَرَسٍ راكِضَهْ

وَأَهْمِسُ: يَا أَصْدِقَائيَ لَنْ تُصْبِحُوا مِثْلَنَا... حَبْلَ مِشْنَقةٍ غَامِضَهْ!


قصيدة نزلٌ على البحر

يقول فيها درويش:[٧]

نزْلٌ على بحرٍ: زيارتُنا قصيرهْ

وحديثُنا نُقَطٌ من الماضي المهشم منذ ساعهْ

من أيِّ أبيض يبدأ التكوينُ؟

أنشأْ جزيره

لجنوب صرختنا. وداعاً يا جزيرتنا الصغيرهْ.

لم نأتِ من بلدٍ إلى هذا البلدْ

جئنا من الرُّمَّان، من سرِّيس ذاكرةٍ أتينا

من شظايا فكرةٍ جئنا إلى هذا الزبدْ

لا تسألونا كم سنمكث بينكم، لا تسألونا

أيَّ شيء عن زيارتنا. دعونا

نفرغُ السفَنَ البطيئة من بقيَّة روحنا ومن الجسدْ


نُزْلٌ على بحرٍ: زيارتنا قصيرهْ.

والأرضُ أصغر من زيارتنا. سنرسل للمياهِ

تُفَّاحةً أخرى، دوائَرَ، أين نذهبُ

حين نذهبُ؟ أين نرجعُ حين نرجعُ؟ يا إلهي

ماذا تبقَّى من رياضة روحنا ؟ ماذا تبقَّى من جهاتِ

ماذا تبقَّى من حدود الأرض؟ هل من صخرةٍ أَخرى

نُقَدِّم فوقها قربانَ رحمتك الجديدْ؟

ماذا تبقَّى من بقايانا لنرحلَ من جديد؟

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيد.


للبحر مهنتهُ القديمهْ:

مدٌّ وجزرٌ،

للنساء وظيفةٌ أولى هي الإغراءُ،

للشعراء أن يتساقطوا غمّاً

وللشهداء أن يتفجروا حُلُماً

وللحكماء أن يستدرجوا شعباً إلى الوهم السعيدْ

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيدْ


لم نأتِ من لُغة المكان إلى المكانْ

طالت نباتاتُ البعيدِ وطالَ ظلُّ الرمل فينا وانتشرْ

طالت زيارتنا القصيرةُ. كم قمرْ

أهدى خواتمهُ إلى مَنْ ليس منَّا. كم حجرْ

باضَ السنونو في البعيد وكم سنهْ

سننام في نُزْلٍ على بحرٍ وننتظر المكانْ

ونقول: بعد هنيهة أخرى سنخرج من هنا

متنا من النومِ، انكسرنا ههنا

أفلا يدوم سوى المؤقَّت يا زمان البحر فينا؟


لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيدْ

ونريد أن نحيا قليلاً، لا لشيءٍ

بل لنرحل من جديدْ.

لا شيء من أسلافنا فينا ولكنَّا نريدْ

بلادَ قهوتنا الصباحيّهْ

ونريدُ رائحة النباتات البدائيهْ

ونريدُ مدرسةً خصوصيهْ

ونريد مقبرةً خصوصيهْ

ونريد حريّهْ

في حجمِ جمجمةٍ...وأغنيَّهْ.

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيدْ


.... ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيِّ شيء

لم نأتِ كي نأتي...

رمانا البحرُ في قرطاجَ أصدافاً ونجمهْ

من يذكر الكلمات حين توَهَّجتْ وطناً

لمن لا بابَ لَهْ؟

مَنْ يذكُر البدو القدامى حينما استولوا على الدنيا .. بكلمهْ؟

من يذكر القتلى وهم يتدافعون لفضِّ أسرار الخرافهْ؟

ينسوننا، ننساهُمُ، تحيا الحياةُ حياتها.

من يذكر الآن البداية والتتمهْ؟

ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيَّ شيء

أيِّ شيءٍ

أيِّ شيءٍ

لِبدايٍة، لجزيرةٍ، لسفينةٍ، لنهايةٍ

لأِذان أرملةٍ، لأقبيةٍ، لخيمهْ.

طالت زيارتنا القصيره

والبحر فينا مات من سَنَتَيْنِ .. مات البحرُ فينا.

لا تعطنا يا بحر، ما لا نستحقُّ من النشيدْ.


قصيدة ليتني حجر

يقول درويش:[٨]

لا أَحنُّ إلى أيِّ شيءٍ

فلا أَمس يمضي، ولا الغَدُ يأتي

ولا حاضري يتقدِّمُ أَو يتراجَعُ

لا شيء يحدث لي!

ليتني حَجَرٌ - قُلْتُ - يا ليتني

حَجَرٌ ما ليصقُلَني الماءُ

أَخضرُّ، أَصفَرُّ... أُوضَعُ في حُجْرَة

مثلَ مَنْحُوتةٍ، أَو تماريـنَ في النحت...

أو مادَّةً لانبثاق الضروريِّ

من عبث اللاضروريّ...

يا ليتني حجرٌ

كي أَحنَّ إلى أيِّ شيء!


قصيدة بقية حياة

يقول درويش:[٩]

إذا قيل لي: ستموتُ هنا في المساء

فماذا ستفعل في ما تبقَّى من الوقتِ؟

ـ أنظرُ في ساعة اليد

أشربُ كأسَ عصيرٍ،

وأَقضم تُفَّاحَةً،

وأطيلُ التأمُّلَ في نَمْلَةٍ وَجَدَتْ رزقها،

ثم أنظر في ساعة اليدِ

ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني

وأَغطس في الماء/ أهجس:

"لا بُدَّ من زينة للكتابة

فليكن الثوبُ أزرق"

أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي

لا أرى أَثر اللون في الكلمات،

بياضٌ، بياضٌ، بياضٌ...


أُعِدُّ غدائي الأخير

أَصبُّ النبيذ بكأسين: لي

ولمَنْ سوف يأتي بلا موعد،

ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ

لكنّ صوت شخيري سيُوقظني...

ثُمَّ أَنظرُ في ساعة اليد:

ما زال ثَمّةَ وَقْتٌ لأقْرأ

أَقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ

وأرى كيف تذهب مني حياتي

إلى الآخرين، ولا أتساءل عَمَّنْ

سيملأُ نُقْصَانَها

- هكذا؟

- هكذا

ثم ماذا؟

- أمشّط شَعْري،

وأرمي القصيدة... هذي القصيدة

في سلة المهملات

وألبسُ أحدث قمصان إيطاليا،

وأُشَيّع نفسي بحاشِيَةٍ من كَمَنْجات إسبانيا

ثُمَّ أمشي إلى المقبرةْ!

المراجع

  1. محمود درويش، الأعمال الكاملة محمود درويش، صفحة 4-6. بتصرّف.
  2. ياسين صلاح، بلاغة الصور في ديوان حصار لمدائح البحر لمحمود درويش، صفحة 9-11. بتصرّف.
  3. محمود درويش، كتاب عاشق من فلسطين، صفحة 50-53.
  4. محمود درويش، الأعمال الكاملة محمود درويش، صفحة 857.
  5. محمود درويش، ديوان أثر الفراشة، صفحة 87-88.
  6. محمود درويش، الأعمال الكاملة محمود درويش، صفحة 875-877.
  7. محمود درويش، الأعمال الكاملة محمود درويش، صفحة 922-925.
  8. محمود درويش، ديوان أثر الفراشة، صفحة 23-24.
  9. محمود درويش، ديوان أثر الفراشة، صفحة 47-49.