من هو عبد الوهاب البياتي؟

هو شاعر وأديب عراقي، ولد عام 1926م، وهو من رواد الشعر العربي الحديث ومؤسسيه في العراق، عمل كمدرسٍ للغة العربية وصحفي، وتوفي عام 1999م.[١]



أشهر قصائد الشاعر عبد الوهاب البياتي

قصيدة الموت والقنديل

يقول الشاعر البياتي في قصيدته[٢]:

صيحاتك كانت فأس الحطاب الموغل في

غابات اللغة العذراء، وكانت ملكًا أسطوريًّا

يحكم في مملكة العقل الباطن والأصقاع

الوثنية حيث الموسيقى والسحر الأسود

والجنس وحيث الثورة والموت، قناع الملك

الأسطوري الممتقع الوجه وراء زجاج نوافذ

قصر الصيف وكانت عربات الحرب

الآشورية تحت الأبراج المحروقة كانت

صيحاتك صوت نبيٍّ يبكي تحت الأسوار

المهدومة شعبًا مستلبًا مهزومًا كانت برقًا

أحمر في مدن العشق أضاء تماثيل الربات

وقاع الآبار المهجورة كانت صيحاتك

صيحاتي وأنا أتسلق أسوار المدن الأرضية

أرحل تحت الثلج أواصل موتي حيث

الموسيقى والثورة والحب وحيث الله.


قصيدة إلى أرنست همنجواي

يقول فيها الشاعر البياتي[٣]:

في إسبانيا

الموت في مدريدْ

والدم في الوريد

والأقحوان تحت أقدامك والجليد

أعيادُ أسبانيا بلا مواكبٍ

أحزان أسبانيا بلا حدود

لمن تُدق هذه الأجراس

لوركا صامتٌ

والدم في آنية الورود

وليل غرناطة تحت قبعات الحرس الأسود والحديد

يموتُ، والأطفال في المهود

يبكونَ

لوركا صامتٌ

وأنت في مدريد

سلاحك الألمْ

والكلمات والبراكين التي تقذف بالحمم

لمن تدق هذه الأجراس؟

أنت صامتٌ، والدّمْ

يخضب السرير والغابات والقمم.


قصيدة مذكرات رجل مجهول

يقول فيها[٤]:

8 نيسان


أنا عامل، أُدعى سعيد

من الجنوب

أبواي ماتا في طريقهما إلى قبر الحسين

وكان عمري آنذاك.. سنتين،

ما أقسى الحياة

وأبشع الليل الطويل

والموت في الريف العراقي الحزين،

وكان جدي لا يزال

كالكوكب الخاوي، على قيد الحياة


13 مارس

أعرف معنى أن تكون؟

متسولًا، عريانًا، في أرجاء عالمنا الكبير!

وذقت طعم اليتم مثلي والضياع؟

أعرف معنى أن تكون؟

لصًا يطارده الظلام

والخوف عبر مقابر الريف الحزين!


16 حزيران

إني لأخجل أن أعري هكذا بؤسي أمام الآخرين

وأن أرى متسولاً، عريان، في أرجاء عالمنا الكبير

وأن أمرغ ذكرياتي في التراب

فنحن، يا مولاي، قوم طيبون

بسطاء، يمنعنا الحياء من الوقوف

أبداً على أبواب قصرك، جائعين


13 تموز

ومات جدي، كالغراب، مع الخريف

كالجرذ، كالصرصور، مات مع الخريف

فدفنته في ظل نخلتنا وباركت الحياة

فنحن، يا مولاي، نحن الكادحين

ننسى، كما تنسى، بأنك دودة في حقل عالمنا الكبير


15 آب

وهجرت قريتنا، وأمي الأرض تحلم بالربيع

ومدافع الحرب الأخيرة، لم تزل تعوي، هناك

ككلاب صيدك لم تزل مولاي تعوي في الصقيع

وكان عمري آنذاك

عشرين عامًا

ومدافع الحرب الأخير لم تزل.. عشرين عامًا

مولاي …! تعوي في الصقيع


29 أيلول

ما زلت خادمك المطيع

لكنه علم الكتاب

وما يثير برأس أمثالي من الهوس الغريب

ويقظة العملاق في جسدي الكئيب

وشعوريَ الطاغي، بأني في يديك ذبابة تدمى

وأنك عنكبوت

وعصرنا الذهبي، عصر الكادحين

عصر المصانع والحقول

ما زال يغريني، بقتلك أيها القرد الخليع


30 تشرين الأول

مولاي! أمثالي من البسطاء لا يتمردون

لأنهم لا يعلمون

بأن أمثالي لهم حق الحياة

وحق تقرير المصير

وإن في أطراف كوكبنا الحزين

تسيل أنهار الدماء

من أجل إنسان، الغد الآتي، السعيد

من أجلنا، مولاي أنهار الدماء

تسيل من أطراف كوكبنا الحزين


19 أيلول

الليل في بغداد، والدم والظلال

أبداً، تطاردني كأني لا أزال

ظمآن عبر مقابر الريف البعيد وكان إنسان الغد الآتي السعيد

إنسان عالمنا الجديد

مولاي! يولد في المصانع والحقول.


قصيدة عن موت طائر البحر

يقول فيها عبد الوهاب البياتي[٥]:

في زمن المنشورات السرية

في مدن الثورات المغدورة

جيفارا العاشق في صفحات الكتب المشبوهة

يثوي مغمورًا بالثلج وبالأزهار الورقية

قالت وارتشفت فنجان القهوة في نهم

سقط الفنجان لقاع البئر المهجور

رأيت نوارس بحر الروم تعود

لترحل نحو مدار السرطان

ونحو الأنهار الأبعد

في أعمدة الصحف الصفراء

يبيع الجزّارون لحوم الشعراء المنفيين

العّرافة قالت هذا زمن سقطت فيه الكتب

المشبوهة

والفلسفة الجوفاء

دكاكين الوراقين

طيورٌ ميتة

فتعالي نمارس موت طيور البحر الأخرى

فوق سرير الحب الممنوع

انتخب في صمت فالليل طويلٌ

في مدن الثورات المغدورة

والبحر الأبيض في قبضة بوليس الدول الكبرى

يبحث عن أسماء العشاق المشبوهين

رأيتك في روما في زمن المشورات السرية

بين ذراعي رجل آخر تمضين إليّ

بكيت، رآني البوليس وحيدًا

خلف نوافذ ملهى القط الأسود أبكي مخمورًا

وورائي خيط من نور يمتد لنافذة أخرى

أشبعني الضابط ضربًا

وجدوا في جيبي صورتها

للباس البحر الأزرق

ترنو للأفق المغسول بنور الغسق الباكي

ونار الليل القادم من مدريد

يبيع الجزارون لحوم الشعراء المنفيين

رأيتك في مبغى هذا العالم

في أحضان رجال وسماء تمضين الليل

بكيت، رآني البوليس وحيدًا

في مدن الثورات المغدورة

مجنوناً أتحدث عنك

البوليس رآني.


قصيدة كلمات إلى الحجر "عن الميلاد والموت"

يقول الشاعر فيها:[٦]

عندما تسقط في الوحل صبية

عندما تنغرس السكين في لحم الضحية

عندما تسعى عصا الساحر حية

ستعودين مع الشمس خيوطا ذهبية

ومع الريح التي تعوي على شطآن ليل الأبدية

غنوة أندلسية

ستعودين مع الميلاد والموت نبية

تشعلين النار في هذي السهوب الحجرية

تبعثين النورس الميت في صمت البحار الآسيوية

والينابيع الخفية

تمنحين الضفدع النائم في الطين جناحين، تجوبين البرية

كغزالٍ شاردٍ تجري كلاب الصيد في أعقابه يدركه ليل المنية

ستعودين إلي

لتقودي في أعاصير الرماد

والدياميس، شراع السندباد

ستعودين مع الطوفان للفلك حمامة

تحملين غصن زيتون من الأرض علامة

وعلى قبر المحبين غمامة

ستظلين إلى يوم القيامة

تمطرين وتموتين ندامة

ستعودين بلا جارية، هاربة من أسر هارون الرشيد

ومع الميلاد والموت شرارات شموس من جليد

ستعودين إلى الأرض التي تخضر عودا بعد عود

لتضيء الحجر الساقط في بئر الوجود

لتموتي من جديد

لتعودي عشبة صفراء في حقل ورود

عندليبًا في الجليد

ستعودين ولكن لن تعودي.


قصيدة العرب اللاجئون

يقول فيها:[٧]

يا مَنْ رأى أحفاد عدنانٍ على خشب الصليب مُسّمرينْ

النمل يأكل لحمهمْ

وطيور جارحة السنين.

يا مَنْ رآهم يشحذون

يا من رآهم يذرعون

ليلَ المنافي في محطات القطار بلا عيون

يبكون تحت القُبعاتِ،

ويذبلونَ،

ويهرمونْ

يا مَنْ رأى "يافا" بإعلانٍ صغيرٍ في بلاد الآخرينِ

يافا على صندوق ليمون معفرة الجبين

يا مَن يدق البابَ،

نحن اللاجئين

مُتنا

وما "يافا" سوى إعلان ليمونٍ،

فلا تُقلق عظام الميتين


"الآخرون هُمُ الجحيم"

"الآخرون هم الجحيم"


باعوا صلاح الدينِ،

باعوا درعه وحصانه،

باعوا قبور اللاجئين

من يشتري؟ - الله يرحمكم

ويرحم أجمعين

آباءكم، يا محسنون –

اللاجئَ العربي والإنسان والحرف المبين

برغيف خبزٍ

إن أعراقي تجف وتضحكون

السندباد أنا

كنوزي في قلوب صغاركم

السندباد بزي شحاذٍ حزين

اللاجئُ العربي شحاذ على أبوابكم

عارٍ طعين

النمل يأكل لحمه،

وطيور جارحة السنين

من يشتري؟ يا محسنون!


"الآخرون هم الجحيم"

"الآخرون هم الجحيم"


العار للجبناءِ،

للمتفرجينْ

العار للخطباء من شرفاتهم،

للزاعمين...

للخادعين شعوبهم

للبائعين

فكلوا، فهذا آخر الأعياد، لحمي

واشربوا، يا خائنون!


قصيدة الموت في غرناطة

وهي تقول: [٨]

عائشةٌ تشقٌّ بطنَ الحوت

ترفع في الموج يديها

تفتح التابوت

تُزيح عن جبينها النقاب

تجتاز ألف باب

تنهض بعد الموت

عائدةً للبيت

ها أنذا أسمعها تقول لي لبَّيكْ

جاريةً أعود من مملكتي إليك

وعندما قبَّلتها بكيتْ

شعرت بالهزيمة

أمام هذي الزهرة اليتيمة

الحبُ، يا مليكتي، مغامرة

يخسر فيها رأسَهُ المهزوم

بكيتُ، فالنجومْ

غابتْ، وعدتُ خاسرًا مهزوم

أُسائلُ الأطلالَ والرسوم

عائشةٌ عادت، ولكني وُضعتُ، وأنا أموت

في ذلك التابوت

تَبادَلَ النهران

مجريهما، واحترقا تحت سماء الصيف في القيعان

وتركا جرحًا على شجيرة الرمان

وطائرًا ظمآن

ينوح في البستان

آه جناحي كسرته الريح

وصاح في غرناطة

معلم الصبيان

لوركا يموتُ، ماتْ

أعدمه الفاشست في الليل على الفرات

ومزقوا جثته، وسملوا العينين

لوركا بلا يدين

يبثّ نجواه إلى العنقاء

والنورِ والتراب والهواء

وقطراتِ الماء

أيتها العذراء

ها أنذا انتهيتْ

مقدَّسٌ، باسمك، هذا الموت

وصمت هذا البيت

ها أنذا صلَّيت

لعودة الغائب من منفاه

لنور هذا العالم الأبيض، للموت الذي أراه

يفتح قبر عائشة

يُزيح عن جبينها النقاب

يجتاز ألف باب

آه جناحي كسرته الريح

من قاع نهر الموت، يا مليكتي، أصيح

جَفّتْ جذوري، قَطَعَ الحطّاب

رأسي وما استجاب

لهذه الصلاة

أرضٌ تدور في الفراغ ودمٌ يُراقْ

وَيحْي على العراق

تحت سماء صيفه الحمراء

من قبل ألفِ سنةٍ يرتفع البكاء

حزنًا على شهيد كربلاء

ولم يزل على الفرات دمه المُراق

يصبغ وجهَ الماء والنخيل في المساء

آه جناحي كسرته الريح

من قاع نهر الموت، يا مليكتي، أصيح

من ظلمة الضريح

أمدُّ للنهر يدي، فَتُمسك السراب

يدي على التراب

يا عالمًا يحكمه الذئاب

ليس لنا فيه سوى حقّ عبور هذه الجسور

نأتي ونمضي حاملين الفقر للقبور

يا صرخات النور

ها أنذا محاصرٌ مهجور

ها أنذا أموت

في ظلمة التابوت

يأكل لحمي ثعلب المقابر

تطعنني الخناجر

من بلد لبلد مهاجر

على جناح طائر

أيتها العذراء

والنور والتراب والهواء

وقطرات الماء

ها أنذا انتهيت

مقدّسٌ، باسمك، هذا الموت.


قصيدة أولد وأحترق بحبي

يقول فيها البياتي[٩]:

تستيقظ (لارا) في ذاكرتي: قطًّا تتريًّا، يتربص بي، يتمطَّى، يتثاءب

يخدش وجهي المحموم ويحرمني النوم. أراها في قاع جحيم المدن

القطبية تشنقني بضفائرها وتعلقني مثل الأرنب فوق الحائط مشدودًا في خيط دموعي.

أصرخ: (لارا) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) أعدو خلف الريح وخلف

قطارات الليل وأسأل عاملة المقهى. لا يدري أحد. أمضى تحت الثلج

وحيدًا, أبكي حبي العاثر في كل مقاهي العالم والحانات.

في لوحات (اللوفر) والأيقوناتْ

في أحزان عيون الملكات

في سحر المعبودات

كانت (لارا) تثوي تحت قناع الموت الذهبي وتحت شعاع النور الغارق في اللوحات

تدعوني، فأقرب وجهي منها، محمومًا أبكي

لكن يدًا تمتد، فتمسح كل اللوحات وتخفي كل الأيقونات

تاركة فوق قناع الموت الذهبي بصيصًا من نورٍ لنهارٍ مات.

(لارا! رحلتْ)

(لارا! انتحرت)

قال البوَّاب وقالت جارتها, وانخرطت ببكاءٍ حارْ

قالت أخرى: (لا يدري أحد، حتى الشيطان).

أرمي قنبلة تحت قطار الليل المشحون بأوراق خريف

في ذاكرتي، أزحف بين الموتى، أتلمس دربي في

أو حال حقولٍ لم تحرث، أستنجد بالحرس الليلى

لأوقف في ذاكرتي هذا الحب المفترس الأعمى، هذا

النور الأسود، محمومًا تحت المطر المتساقط

أطلق في الفجر على نفسي النارْ.

منفيًّا في ذاكرتي

محبوسًا في الكلماتْ

أشرد تحت الأمطارْ أصرخ: (لارا!)

أصرخ: (لارا!)

فتجيب الريح المذعورة: (لارا!).

في قصر الحمراء

في غرفات حريم الملك الشقراوات

أسمع عودًا شرقيًّا وبكاء غزال

أدنو مبهورًا من هالات الحرف العربي المضفور بآلاف الأزهار

أسمع آهات

كانت (لارا) تحت الأقمار السبعة والنور الوهاج

تدعوني فأقرب وجهي منها، محمومًا أبكي،

لكن يدًا تمتد، فتقذفني في بئر الظلماتْ

تاركة فوق السجادة قيثاري وبصيصًا من نور لنهارٍ ماتْ.

(لم تترك عنوانًا) قال مدير المسرح وهو يَمُطُّ الكلمات.

تسقط في غابات البحر الأسود أوراق الأشجارْ

تنطفئ الأضواء ويرتحل العشاق

وأظل أنا وحدي، أبحث عنها، محمومًا أبكي تحت الأمطار.

أصرخ: (لارا!) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) في كوخ الصياد.

أرسم صورتها فوق الثلج، فيشتعل اللون الأخضر في عينيها والعسليُّ

الداكن، يدنو فمها الكرزيُّ الدافئُ من وجهي، تلتحم الأيدي بعناق

أبدي، لكن يدًا تمتدُّ، فتمسح صورتها، تاركة فوق اللون المقتول

بصيصًا من نورٍ لنهارٍ ماتْ

شمس حياتي غابت، لا يدري أحد، الحب وجود أعمى ووحيد ما من أحد يعرف في هذا المنفى أحدًا،

الكل وحيدٌ، قلب العالم من حجرٍ في هذا المنفى - الملكوتْ.

المراجع

  1. جماع نصر ضوالبيت رحمة حميدة، القصيدة الحداثية عند عبدالوهاب البياتي، صفحة 26. بتصرّف.
  2. عبدالوهاب البياتي، عبدالوهاب البياتي الأعمال الشعرية المجلد الثاني، صفحة 369. بتصرّف.
  3. عبدالوهاب البياتي، ديوان عبد الوهاب البياتي المجلد الأول، صفحة 417-418. بتصرّف.
  4. عبدالوهاب البياتي، ديوان عبدالوهاب البياتي المجلد الأول، صفحة 186-188. بتصرّف.
  5. عبدالوهاب البياتي، عبدالوهاب البياتي الأعمال الشعرية المجلد الثاني، صفحة 313-314. بتصرّف.
  6. عبدالوهاب البياتي، عبد الوهاب البياتي الأعمال الكاملة المجلد الثاني، صفحة 176-177. بتصرّف.
  7. عبدالوهاب البياتي، ديوان عبدالوهاب البياتي المجلد الأول، صفحة 424-426. بتصرّف.
  8. عبدالوهاب البياتي، عبدالوهاب البياتي الأعمال الشعرية المجلد الثاني، صفحة 133-136. بتصرّف.
  9. عبدالوهاب البياتي، عبدالوهاب البياتي الأعمال الشعرية المجلد الثاني، صفحة 379-382. بتصرّف.