يعرف قيس بن الملوح أو كما يُطلق عليه مجنون ليلى أو مجنون بني عامر بأنّه واحد من أبرز شعراء الغزل العذري أو الغزل العفيف في العصر الأموي، قضى حياته في حب ليلى والهيام بها، وكانت أغلب أشعاره فيها وفي التغزل بها، وقد اتسم شعره بالجدة والابتكار وجمالية المعاني الواردة فيه، وفي السطور التالية مجموعة مُختارة من قصائد قيس بن الملوح الجميلة.
قصيدة تذكرت ليلى
تعرف هذه القصيدة أيضًا بالمؤنسة، ويقول في بعض أبياتها قيس بن الملوح:[١]
تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا وَيَومٍ كَظِلِّ الرُمحِ قَصَّرتُ ظِلَّهُ بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا بِثَمدينَ لاحَت نارُ لَيلى وَصُحبَتي بِذاتِ الغَضى تُزجي المَطِيَّ النَواجِيا فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا فَقُلتُ لَهُ بَل نارُ لَيلى تَوَقَّدَت بِعَليا تَسامى ضَوءُها فَبَدا لِيا فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضى وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا فَيا لَيلَ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ إِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا خَليلَيَّ إِن لا تَبكِيانِيَ أَلتَمِس خَليلاً إِذا أَنزَفتُ دَمعي بَكى لِيا فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً وَلا أُنشِدُ الأَشعارَ إِلّا تَداوِيا وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا لَحى اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا وَجَدنا طَوالَ الدَهرِ لِلحُبِّ شافِيا وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا فَشَبَّ بَنو لَيلى وَشَبَّ بَنو اِبنِها وَأَعلاقُ لَيلى في فُؤادي كَما هِيا إِذا ما جَلَسنا مَجلِساً نَستَلِذُّهُ تَواشَوا بِنا حَتّى أَمَلَّ مَكانِيا سَقى اللَهُ جاراتٍ لِلَيلى تَباعَدَت بِهِنَّ النَوى حَيثُ اِحتَلَلنَ المَطالِيا وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنىً وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا وَلا نِسوَةٌ صَبِّغنَ كَبداءَ جَلعَداً لِتُشبِهَ لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرِ لَيلى اِبتَلانِيا
قصيدة ألا أيها القلب
وفيها يقول الشاعر قيس بن الملوح:[٢]
أَلا أَيُّها القَلبُ اللَجوجُ المُعَذَّلُ أَفِق عَن طِلابِ البيضِ إِن كُنتَ تَعقِلُ أَفِق قَد أَفاقَ الوامِقونَ وَإِنَّما تَماديكَ في لَيلى ضَلالٌ مُضَلِّلُ سَلا كُلُّ ذي وُدٍّ عَنِ الحُبِّ وَاِرعَوى وَأَنتَ بِلَيلى مُستَهامٌ مُوَكَّلُ فَقالَ فُؤادي ما اِجتَرَرتُ مَلامَةَ إِلَيكَ وَلَكِن أَنتَ بِاللَومِ تَعجَلُ فَعَينَكَ لُمها إِنَّ عَينَكَ حَمَّلَت فُؤادَكَ ما يَعيا بِهِ المُتَحَمِّلُ لَحا اللَهُ مَن باعَ الخَليلَ بِغَيرِهِ فَقُلتُ نَعَم حاشاكَ إِن كُنتَ تَفعَلُ وَقُلتُ لَها بِاللَهِ يا لَيلَ إِنَّني أَبَرُّ وَأَوفى بِالعُهودُ وَأَوصَلُ هَبي أَنَّني أَذنَبتُ ذَنباً عَلِمتِهِ وَلا ذَنبَ لي يا لَيلَ فَالصَفحُ أَجمَلُ فَإِن شِئتِ هاتي نازِعيني خُصومَةً وَإِن شِئتِ قَتلاً إِنَّ حُكمَكِ أَعدَلُ نَهاري نَهارٌ طالَ حَتّى مَلِلتُهُ وَلَيلي إِذا ما جَنَّني اللَيلُ أَطوَلُ وَكُنتِ كَزِئبِ السَوءِ إِذ قالَ مَرَّةً لِبَهمٍ رَعَت وَالذِئبُ غَرثانُ مُرمِلُ أَلَستِ الَّتي مِن غَيرِ شَيءٍ شَتَمتِني فَقالَت مَتى ذا قالَ ذا عامُ أَوَّلُ فَقالَت وُلِدتُ العامَ بَل رُمتَ كِذبَةً فَهاكَ فَكُلني لا يُهَنّيكَ مَأكَلُ وَكُنتِ كَذَبّاحِ العَصافيرِ دائِباً وَعَيناهُ مِن وَجدٍ عَلَيهِنَّ تَهمَلُ فَلا تَنظُري لَيلى إِلى العَينِ وَاِنظُري إِلى الكَفِّ ماذا بِالعَصافيرِ تَفعَلُ
قصيدة هنيئًا مريئًا ما أخذت
وفيها يقول قيس:[٣]
هَنيئاً مَريئاً ما أَخَذتِ وَلَيتَني أَراها وَأُعطى كُلَّ يَومٍ ثِيابِيا وَيا لَيتَها تَدري بِأَنّي خَليلُها وَإِنّي أَنا الباكي عَلَيها بُكائِيا خَليلَيَّ لَو أَبصَرتُماني وَأَهلُها لَدَيَّ حُضورٌ خِلتُماني سَوائِيا وَلَمّا دَخَلتُ الحَيَّ خَلَّفتُ موقِدي بِسِلسِلَةٍ أَسعى أَجُرُّ رِدائِيا أَميلُ بِرَأسي ساعَةً وَتَقودُني عَجوزٌ مِنَ السُؤالِ تَسعى أَمامِيا وَقَد أَحدَقَ الصِبيانُ بي وَتَجَمَّعوا عَلَيَّ وَشَدّوا بِالكِلابِ ضَوارِيا نَظَرتُ إِلى لَيلى فَلَم أَملِكِ البُكا فَقُلتُ اِرحَموا ضَعفي وَشِدَّةَ ما بِيا فَقامَت هَبوباً وَالنِساءُ مِنَ اَجلِها تَمَشَّينَ نَحوي إِذ سَمِعنَ بُكائِيا مُعَذِّبَتي لَولاكِ ما كُنتُ سائِلاً أَدورُ عَلى الأَبوابِ في الناسِ عارِيا وَقائِلَةٍ وارَحمَةً لِشَبابِهِ فَقُلتُ أَجَل وارَحمَةً لِشَبابِيا أَصاحِبَةَ المِسكينِ ماذا أَصابَهُ وَما بالُهُ يَمشي الوَجى مُتَناهِيا وَما بالُهُ يَبكي فَقالَت لِما بِهِ أَلا إِنَّما أَبكي لَها لا لِما بِيا بَني عَمِّ لَيلى مَن لَكُم غَيرَ أَنَّني مُجيدٌ لِلَيلى عُمرُها مِن حَياتِيا فَما زادَني الواشونَ إِلّا صَبابَةً وَما زادَني الناهونَ إِلّا أَعادِيا فَيا أَهلَ لَيلى كَثَّرَ اللَهُ فيكُمُ مِنَ أمثالِها حَتّى تَجودوا بِها لِيا فَما مَسَّ جَنبي الأَرضَ حَتّى ذَكَرتُها وَإِلّا وَجَدتُ ريحَها في ثِيابِيا
قصيدة أجدك يا حمامات
يقول قيس بن الملوح في هذه القصيدة:[٤]
أَجِدَّكِ يا حَماماتٍ بِطَوقٍ فَقَد هَيَّجتِ مَشغوفاً حَزينا أَغَرَّكِ يا حَماماتٍ بِطَوقٍ بِأَنّي لا أَنامُ وَتَهجَعينا وَأَنّي قَد بَراني الحُبُّ حَتّى ضَنِنتُ وَما أَراكِ تَغَيَّرينا أَرادَ اللَهُ مَحلَكِ في السُلامى إِلى مَن بِالحَنينِ تَشَوَّقينا وَلَستِ وَإِن حَنَنتِ أَشَدَّ وَجداً وَلَكِنّي أُسِرُّ وَتُعلِنينا وَبي مِثلُ الَّذي بِكِ غَيرَ أَنّي أَحُلُّ عَنِ العِقالِ وَتَعقِلينا أَما وَاللَهِ غَيرَ قِلىً وَبُغضٍ أُسِرُّ وَلَم أَزَل جَزِعاً حَزينا لَقَد جَعَلَت دَواوينُ الغَواني سِوى ديوانِ لَيلى يَمَّحينا فَقِدماً كُنتِ أَرجى الناسِ عِندي وَأَقدَرَهُم عَلى ما تَطلُبينا أَلا لا تَنسِيَن رَوعاتِ قَلبي وَعِصياني عَلَيكِ العاذِلينا
قصيدة أنيري مكان البدر
ومن أبيات هذه القصيدة التي قالها الشاعر قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى:[٥]
أَنيري مَكانَ البَدرِ إِن أَفَلَ البَدرُ وَقومي مَقامَ الشَمسِ ما اِستَأخَرَ الفَجرُ فَفيكِ مِنَ الشَمسِ المُنيرَةِ ضَوءُها وَلَيسَ لَها مِنكِ التَبَسُّمُ وَالثَغرُ بَلى لَكِ نورُ الشَمسِ وَالبَدرُ كُلُّهُ وَلا حَمَلَت عَينَيكِ شَمسٌ وَلا بَدرُ لَكِ الشَرقَةُ اللَألاءُ وَالبَدرُ طالِعٌ وَلَيسَ لَها مِنكِ التَرائِبُ وَالنَحرُ وَمِن أَينَ لِلشَمسِ المُنيرَةِ بِالضُحى بِمَكحولَةِ العَينَينِ في طَرفِها فَترُ وَأَنّى لَها مَن دَلَّ لَيلى إِذا اِنثَنَت بِعَينَي مَهاةِ الرَملِ قَد مَسَّها الذُعرُ تَبَسَّمُ لَيلى عَن ثَنايا كَأَنَّها أَقاحٍ بِجَرعاءِ المَراضينِ أَو دُرُّ مُنَعَّمَةٌ لَو باشَرَ الذَرُّ جِلدَها لَآثَرَ مِنها في مَدارِجِها الذَرُّ إِذا أَقبَلَت تَمشي تُقارِبُ خَطوَها إِلى الأَقرَبِ الأَدنى تَقَسَّمَها البُهرُ مَريضَةُ أَثناءَ التَعَطُّفِ إِنَّها تَخافُ عَلى الأَردافِ يَثلُمُها الخَصرُ فَما أُمُّ خِشفٍ بِالعَقيقَينِ تَرعَوي إِلى رَشَأٍ طِفلٍ مَفاصِلُهُ خُدرُ بِمُخضَلَّةٍ جادَ الرَبيعُ زُهائَها رَهائِمَ وَسمِيٍّ سَحائِبُهُ غُزرُ وَقَفنا عَلى أَطلالِ لَيلى عَشيَّةً بِأَجزَعِ حَزوى وَهيَ طامِسَةٌ دُثرُ
قصيدة دعوني قد أطلتم عذابي
يقول قيس بن الملوح في هذه القصيدة:[٦]
دَعوني دَعوني قَد أَطَلتُم عَذابِيا وَأَنضَجتُمُ جِلدي بِحَرِّ المَكاوِيا دَعوني أَمُت غَمّاً وَهَمّاً وَكُربَةً أَيا وَيحَ قَلبي مَن بِهِ مِثلُ ما بِيا دَعوني بِغَمّي وَاِنهَدوا في كَلاءَةٍ مِنَ اللَهِ قَد أَيقَنتُ أَن لَستُ باقِيا وَراءَكُمُ إِنّي لَقيتُ مِنَ الهَوى تَباريحَ أَبلَت جِدَّتي وَشَبابِيا بَرانِيَ شَوقٌ لَو بِرَضوى لَهَدَّهُ وَلَو بِثَبيرٍ صارَ رَمساً وَسافِيا سَقى اللَهُ أَطلالاً بِناحِيَةِ الحِمى وَإِن كُنَّ قَد أَبدَينَ لِلناسِ ما بِيا مَنازِلُ لَو مَرَّت عَلَيها جَنازَتي لَقالَ الصَدى يا حامِلَيَّ اِنزِلا بِيا فَأُشهِدُ بِالرَحمَنِ مَن كانَ مُؤمِناً وَمَن كانَ يَرجو اللَهَ فَهوَ دَعا لِيا لَحا اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا وَجَدنا الهَوى في النَأيِ لِلصَبِّ شافِيا فَما بالُ قَلبي هَدَّهُ الشَوقُ وَالهَوى وَأَنضَجَ حَرُّ البَينِ مِنّي فُؤادِيا أَلا لَيتَ عَيني قَد رَأَت مَن رَآكُمُ لَعَلِّيَ أَسلو ساعَةً مِن هُيامِيا وَهَيهاتَ أَن أَسلو مِنَ الحُزنِ وَالهَوى وَهَذا قَميصي مِن جَوى البَينِ بالِيا فَقُلتُ نَسيمَ الريحَ أَدِّ تَحِيَّتي إِلَيها وَما قَد حَلَّ بي وَدَهانِيا فَأَشكُرَهُ إِنّي إِلى ذاكَ شائِقٌ فَيا لَيتَ شِعري هَل يَكونُ تَلاقِيا مُعَذِّبَتي لَولاكِ ما كُنتُ هائِماً أَبيتُ سَخينَ العَينِ حَرّانَ باكِيا مُعَذِّبَتي قَد طالَ وَجدي وَشَفَّني هَواكِ فَيا لِلناسِ قَلَّ عَزائِيا مُعَذِّبَتي أَورَدتِني مَنهَلَ الرَدى وَأَخلَفتِ ظَنّي وَاِحتَرَمتِ وِصالِيا خَليلَيَّ هَيّا أَسعِداني عَلى البُكا فَقَد جَهَدَت نَفسي وَرُبَّ المَثانِيا خَليلَيَّ إِنّي قَد أَرِقتُ وَنِمتُما لِبَرقٍ يَمانٍ فَاِجلِسا عَلِّلانِيا خَليلَيَّ لَو كُنتُ الصَحيحَ وَكُنتُما سَقيمَينِ لَم أَفعَل كَفِعلِكُما بِيا خَليلَيَّ مُدّا لي فِراشِيَ وَاِرفَعا وِسادي لَعَلَّ النَومَ يُذهِبُ ما بِيا خَليلَيَّ قَد حانَت وَفاتِيَ فَاِطلُبا لِيَ النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا وَإِن مِتُّ مِن داءِ الصَبابَةِ بلِّغا نتيجةَ ضَوءِ الشَمسِ مِنّي سَلامِيا
المراجع
- ↑ "قصيدة تذكرت ليلى"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ يسري عبد الغني، ديوان قيس بن الملوح، صفحة 75. بتصرّف.
- ↑ "قصيدة هنيئًا مريئًا"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
- ↑ يسرس عبد الغني، ديوان قيس بن الملوح، صفحة 96. بتصرّف.
- ↑ "قصيدة أنيري مكان البدر"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ يسري عبد الغني، ديوان قيس بن الملوح، صفحة 42. بتصرّف.