ابن خفاجة

ابن خفاجة هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة، ولد في سنة 450 هـ (1058 م)، في جزيرة شقر من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس، وتوفي فيها سنة 533 هـ /1137 م، وهي جزيرة محاطة بالماء، وقد كان لنشأته فيها أثرٌ في تكوين شخصيته، وظهر هذا جليًا في شعره؛ فهو كان يعتبر أديب الأندلس، وشاعرها، واتصف شعره بالرقة، وأناقة الألفاظ، وكثرة الاستعارات، والكنايات، والتورية، والجناس، وغيرها من المحسنات المعنوية واللفظية التي جعلت جزءًا من شعره متكلفًا، والجزء الآخر فيه بعض الغموض، وقد غلبت على مواضيعه الشعرية وصف الطبيعة، من أنهارٍ، وأزهارٍ، وبساتين، ورياض، وغيرها، ويصفها بعاطفةٍ وحبٍّ، وكأنها شخصٌ حيٌّ، وقد اقتصرت أعمال ابن خفاجة على ديوانٍ شعري واحد، يحتوي على الكثير من القصائد التي سنذكر منها في هذا المقال.[١]


قصيدة طودُ عدالةٍ

يقول ابن خفاجة:[٢]


يا نَشرَ عَرفِ الرَوضَةِ الغَنّاءِ وَنَسيمَ ظِلِّ السَرحَةِ العَيناءِ هَذا يَهُبُّ مَعَ الأَصيلِ عَنِ الرُبى أَرَجاً وَذَلِكَ عَن غَديرِ الماءِ عوجاً عَلى قاضي القُضاةِ غُدَيَّةً في وَشيِ زَهرٍ أَو حِلى أَنداءِ وَتَحَمَّلا عَنّي إِلَيهِ أَمانَةً مِن عِلقِ صِدقٍ أَو رِداءِ ثَناءِ فَإِذا رَمى بِكُما الصَباحُ دِيارَهُ فَتَرَدَّدا في ساحَةِ العَلياءِ في حَيثُ جَرَّ المَجدُ فَضلَ إِزارِهِ وَمَشى الهُوَينا مِشيَةَ الخُيَلاءِ وَسَرى فَجَلّى لَيلَ كُلِّ مُلِمَّةٍ قَمَرُ العَلاءِ وَأَنجُمُ الآراءِ مِن مَنزِلٍ قَد شَبَّ مِن نارِ القِرى ما شابَ عَنهُ مَفرِقُ الظَلماءِ لَو شِئتُ طُلتُ بِهِ الثُرَيّا قاعِداً وَنَشَرتُ عِقدَ كَواكِبَ الجَوزاءِ وَلَثَمتُ ظَهرَ يَدٍ تَنَدّى حُرَّةً فَكَأَنَّني قَبَّلتُ وَجهَ سَماءِ وَمَلَأتُ بَينَ جَبينِهِ وَيَمينِهِ جَفنَيَّ بِالأَنوارِ وَالأَنواءِ مُتَهادِياً مابَينَ أَبطَحِ شيمَةٍ دَمُثَت وَهَضبَةِ عِزَّةٍ قَعساءِ كَلَفاً هُناكَ بِغُرَّةٍ مَيمونَةٍ خُلِقَت أَسِرَّتُها مِنَ السَرّاءِ لَو كُنتَ تُبصِرُني أَدورُ إِزاءَها لَنَظَرتَ مِن شَمسٍ وَمِن حَرباءِ أَرسى بِهِ في اللَهِ طَودُ سَكينَةٍ وَعَدالَةٍ وَاِمتَدَّ حَبلُ رَجاءِ خَلَعَ القَضاءُ عَلَيهِ خِلعَةَ سُؤدُدٍ غَنِيَت بِشُهرَتِها عَنِ الأَسماءِ عَبِقَ الثَناءُ نَدى الحَيا فَكَأَنَّهُ رَيحانَةٌ مَطلولَةُ الأَفياءِ أَبَداً لَهُ في اللَهِ وَجهُ بَشاشَةٍ وَوَراءَ سِترِ الغَيبِ عَينُ ذَكاءِ قَد راقَ بَينَ فَصاحَةٍ وَصَباحَةٍ سَمعُ المُصيخِ لَهُ وَعَينُ الرائي وَكَأَنَّهُ مِن عَزمَةٍ في رَحمَةٍ مُتَرَكِّبٌ مِن جُذوَةٍ في ماءِ بَينَ الطَلاقَةِ وَالمَضاءِ كَأَنَّهُ وَقّادُ نَصلِ الصَعدَةِ السَمراءِ لَو شاءَ نَسَخَ اللَيلِ صُبحاً لَاِنتَحى فَمَحا سَوادَ اللَيلَةِ اللَيلاءِ تُثني بِهِ ريحُ المَكارِمِ خوطَةً في حَيثُ تَسجَعُ أَلسُنُ الشُعَراءِ وَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّ رَجعَ نَشيدِهِ فَصلُ الرَبيعِ وَرِنَّةُ المُكّاءِ



قصيدة كفى اكتئابًا

يقول ابن خفاجة:[٣]


في كُلِّ نادٍ مِنكَ رَوضُ ثَناءِ وَبِكُلِّ خَدٍّ فيكَ جَدوَلِ ماءِ وَلِكُلِّ شَخصٍ هِزَّةُ الغُصنِ النَدي غِبَّ البُكاءِ وَرِنَّةُ المُكاءِ يا مطلع الأَنوارِ إِنَّ بِمُقلَتي أَسَفاً عَلَيكَ كمنشأ الأَنواءِ وَكَفى أَسىً أَن لا سَفيرٌ بَينَنا يَمشي وَأَن لا موعدٌ لِلِقاءِ فيمَ التَجَمُّلُ في زَمانٍ بَزَّني ثَوبَ الشَبابِ وَحيلَةَ النُبَلاءِ فَعَريتُ إِلّا مِن قِناعِ كَآبَةٍ وَعَطِلتُ إِلّا مِن حُلِيِّ بُكاءِ فَإِذا مَرَرتُ بِمَعهَدٍ لِشَبيبَةٍ أَو رَسمِ دارٍ لِلصَديقِ خَلاءِ جالَت بِطَرفي لِلصَبابَةِ عَبرَةٌ كَالغَيمِ رَقَّ فَحالَ دونَ سَماءِ وَرَفَعتُ كَفّي بَينَ طَرفٍ خاشِعٍ تَندى مَآقيهِ وَبَينَ دُعاءِ وَبَسَطتُ في الغَبراءِ خَدّي ذِلَّةً أَستَنزِلُ الرُحمى مِنَ الخَضراءِ مُتَمَلمِلاً أَلَماً بِمَصرَعِ سَيِّدٍ قَد كانَ سابِقَ حَلبَةِ النُجَباءِ لا وَالَّذي أَعلَقتُ مِن تَقديسِهِ كَفّي بِحَبلَي عِصمَةٍ وَرَجاءِ وَخَرَرتُ بَينَ يَدَيهِ أَعلَمُ أَنَّهُ ذُخري لِيَومِيَ شِدَّةٍ وَرَخاءِ لا هَزَّني أَمَلٌ وَقَد حَلَّ الرَدى بِأَبي مُحَمَّدٍ المَحَلَّ النائي في حَيثُ يُطفَأُ نورُ ذاكَ المُجتَلى وَفِرِندُ تِلكَ الغُرَّةِ الغَرّاءِ وَكَفى اِكتِئاباً أَن تَعيثَ يَدُ البِلى في مَحوِ تِلكَ الصورَةِ الحَسناءِ فَلَطالَما كُنّا نُريحُ بِظِلِّهِ فَنُريحُ مِنهُ بِسَرحَةٍ غَنّاءِ فَتَقَت عَلى حُكمِ البَشاشَةِ نورَها وَتَنَفَّسَت في أَوجُهِ الجُلَساءِ تَتَفَرَّجُ الغَمّاءُ عَنهُ كَأَنَّهُ قَمَرٌ يُمَزِّقُ شَملَةَ الظَلماءِ قاسَمتُ فيهِ الرُزءَ أَكرَمَ صاحِبٍ فَمَضى يَنوءُ بِأَثقَلِ الأَعباءِ يَهفو كَما هَفَتِ الأَراكَةُ لَوعَةً وَيُرِنُّ طَوراً رِنَّةَ الوَرقاءِ عَجَباً لَها وَقَدَت بِصَدرٍ جَمرَةً وَتَفَجَّرَت في وَجنَةٍ عَن ماءِ وَلَئِن تَراءى الفَرقَدانِ بِنا مَعاً وَكَفاكَ شُهرَةَ سُؤدُدٍ وَعَلاءِ فَلَطالَما كُنّا نَروقُ المُجتَلي حُسناً وَنَملَأُ ناظِرَ العَلياءِ يُزهى بِنا صَدرُ النَدِيِّ كَأَنَّنا نَسَقاً هُناكَ قِلادَةُ الجَوزاءِ

قصيدة أظلْمَ قرْنُ الشمس

يقول ابن خفاجة:[٤]


شَرابُ الأَماني لَو عَلِمتَ سَرابُ وَعُتبى اللَيالي لَو فَهِمتَ عِتابُ إِذا اِرتَجَعَت أَيدي اللَيالي هِاتِها فَغايَةُ هاتيكَ الهِباتِ ذَهابُ وَهَل مُهجَةُ الإِنسانِ إِلّا طَريدَةٌ تَحومُ عَلَيها لِلحِمامِ عُقابُ يَخُبُّ بِها في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ مَطايا إِلى دارِ البِلى وَرِكابُ وَكَيفَ يَغيضُ الدَمعُ أَو يَبرُدُ الحَشا وَقَد بادَ أَقرانٌ وَفاتَ شَبابُ فَما نابَ عَن خِلِّ الصِبا خِلُّ شَيبَةٍ وَلا عاضَ مِن شَرخِ الشَبابِ خِضابُ أَلا ظَعَنا مِن صاحِبٍ وَشَبيبَةٍ فَهَل لَهُما مِن ظاعِنينَ إِيابُ دَعا بِهِما صَرفُ اللَيالي إِلى البِلى فَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ فَها أَنا أَبكي كُلَّ مَعهَدِ راحَةٍ تَضاحَكَ أَحبابٌ بِهِ وَصِحابُ أُقَلِّبُ طَرفي لا أَرى غَيرَ لَيلَةٍ وَقَد حُطَّ عَن وَجهِ الصَباحِ نِقابُ كَأَنّي وَقَد طارَ الصَباحُ حَمامَةٌ يَمُدُّ جَناحَيهِ عَلَيَّ غُرابُ عَلى حينَ لا غَيرَ اِعتِباري خَطابَةٌ فَتوعى وَلا غَيرَ العَويلِ جَوابُ وَقَد جاشَ بَحرٌ بَينَ جَنبَيَّ مائِجٌ لَهُ زَخرَةٌ في وَجنَتَيَّ وَعُبابُ فَيا لَهُم مِن رَكبِ صَحبٍ تَتابَعوا فُرادى وَهُم مُلدُ الغُصونِ شَبابُ دَعا بِهِم داعي الرَدى فَكَأَنَّما تَبارَت بِهِم خَيلٌ هُناكَ عِرابُ فَها هُم وَسِلمُ الدَهرِ حَربٌ كَأَنَّما جَثا بَينَهُم طَعنٌ لَهُم وَضِرابُ هُجودٌ وَلا غَيرَ التُرابِ حَشِيَّةٌ لِجَنبٍ وَلا غَيرَ القُبورِ قِبابُ فَحَتّى مَتى تَبري اللَيالي سِهامَها وَحَتّى مَتى أُرمى بِها فَأُصابُ وَحَتّى مَتى أَلقى الرَزايا مُمِضَّةً كَما كَرَعَت بَينَ الضُلوعِ حِرابُ فَإِمّا كَما تَعدو الضَراغِمُ عَنوَةً وَإِمّا كَما تَمشي الضَراءُ ذِئابُ فَفي كُلِّ يَومٍ فَتكَةٌ لِمُلِمَّةٍ يُمَزِّقُ جَيبٌ تَحتَها وَإِهابُ وَرَبعٍ خَلاءٍ مِن خَليلٍ وَإِنَّما تَجافى حُسامٌ مِنهُما وَقِرابُ يُذَكِّرُنيهِ كُلَّ حينٍ جِوارُهُ فَيُحزِنُني رُزءٌ بِهِ وَمُصابُ فَلَستُ بِناسٍ صاحِباً مِن رَبيعَةٍ إِذا نَسِيَت رَسمَ الوَفاءِ صِحابُ أَجَلتُ طِباعي فيهِ فَالأُنسُ وَحشَةٌ طِوالَ اللَيالي وَالنَعيمُ عَذابُ وَهَيهاتَ لا أَغنى خَليلٌ غِناءَهُ وَهَل عَدَلَ العَذبَ الفُراتَ سَرابُ وَمِمّا شَجاني أَن قَضى حَتفَ أَنفِهِ وَما اِندَقَّ رُمحٌ دونَهُ وَذُبابُ وَأَنّا تَجارَينا ثَلاثينَ حِقبَةً فَفاتَ سِباقاً وَالحِمامُ قِصابُ وَكَيفَ تَهاجَرنا كُهولاً وَإِنَّما لَوى الدَهرُ فَرعَينا وَنَحنُ شَبابُ كَأَن لَم نَبِت في مَنزِلِ القَصفِ لَيلَةً نُجيبُ بِها داعي الصِبا وَنُجابُ إِذا قامَ مِنّا قائِمٌ هَزَّ عِطفَهُ شَبابٌ أَرَقناهُ بِهِ وَشَرابُ جَمَحنا بِمَيدانِ الصِبا ثُمَّ إِنَّنا كَرَرنا فَكانَت فِتنَةٌ وَمَتابُ وَلَمّا تَراءَت لِلمَشيبِ بُرَيقَةٌ وَأَقشَعَ مِن ظِلِّ الشَبابِ سَحابُ نَهَضنا بِأَعباءِ اللَيالي جَزالَةً وَأَرسَت بِنا في النائِباتِ هِضابُ فَيا عَجَباً لِلدَهرِ كَيفَ سَطا بِهِ وَقَد كانَ يُرجى تارَةً وَيُهابُ وَكَيفَ اِستَلانَت صَولَةُ المَوتِ عودَهُ فَلَم يَنبُ عَنهُ لِلمَنِيَّةِ نابُ وَلا عَجَباً أَنّا ذَلَلنا لِحادِثٍ تَذِلُّ لَهُ الآسادُ وَهيَ غِضابُ وَأَنّا خَضَعنا لِلمَقاديرِ عَنوَةً كَما خَضَعَت تَحتَ السُيوفِ رِقابُ وَلَو أَنَّ غَيرَ اللَهِ كانَ أَصابَهُ لَجاشَت نُفوسٌ لاتُفادُ صِعابُ فَيا ظاعِناً قَد حُطَّ مِن ساحَةِ البِلى بِمَنزِلِ بَينٍ لَيسَ عَنهُ إِيابُ كَفى حَزَناً أَن لَم يَرِدني عَلى النَوى رَسولٌ وَلَم يَنفُذ إِلَيكَ كِتابُ وَأَنّي إِذا يَمَّمتُ قَبرَكَ زائِراً وَقَفتُ وَدوني لِلتُرابِ حِجابُ فَأَظلَمَ قَرنُ الشَمسِ وَهيَ مُنيرَةٌ وَضاقَت بِلادُ اللَهِ وَهيَ رِحابُ وَرَقرَقتُ بَينَ الحُزنِ وَالصَبرِ عَبرَةً لَها جَيئَةٌ في مُقلَتي وَذَهابُ وَلَو أَنَّ حَيّاً كانَ حاوَرَ مَيِّتاً لَطالَ كَلامٌ بَينَنا وَخِطابُ وَأَعرَبَ عَمّا عِندَهُ مِن جَلِيَّةٍ فَأَقلَعَ عَن شَمسٍ هُناكَ ضَبابُ عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ مِن صاحِبٍ قَضى فَأَجهَشَ رَبعٌ بَعدَهُ وَجَنابُ تَوَلّى حَميدَ الذِكرِ لَم يَأتِ وَصمَةً فَتَبقى وَلَم تَدنَس عَلَيهِ ثِيابُ أَغَرُّ طَليقُ الصَفحَتَينِ كَأَنَّما وَراءَ تُرابِ القَبرِ مِنهُ شِهابُ أَلا إِنَّ جِسماً يَستَحيلُ لِتُربَةٍ وَإِنَّ حَياةً تَنتَهي لَخَرابُ فَلا سَعيَ إِلّا أَن يَكونَ لِآجِلٍ وَلا ذُخرَ إِلّا أَن يَكونَ ثَوابُ

قصيدة إذا أعْولتُ

يقول ابن خفاجة:[٥]


أَرَقتُ أَكُفَّ الدَمعِ طَوراً وَأَسفَحُ وَأَنضَحُ خَدّي تارَةً ثُمَّ أَمسَحُ وَدونَكَ طَمّاحٌ مِنَ الماءِ مائِجٌ يُعَبُّ وَمُغبَرٌّ مِنَ التُربِ أَفيَحُ وَإِنّي إِذا ما اللَيلُ جاءَ بِفَحمَةٍ لَأوري زِنادَ الهَمِّ فيها فَأَقدَحُ وَأُتبِعُ طيبَ الذِكرِ أَنَّةُ موجَعٍ فَيَنفَحُ هَذا حَيثُ هاتيكَ تَلفَحُ وَأَلقى بَياضَ الصُبحِ يَسوَدُّ وَحشَةً فَأَحسِبُني أُمسي عَلى حينَ أُصبِحُ وَيوحِشُني ناعٍ مِنَ اللَيلِ ناعِبٌ فَأَزجُرُ مِنهُ بارِحاً لَيسَ يَبرَحُ وَأَستَقبِلُ الدُنيا بِذِكرى مُحَمَّدٍ فَيَقبُحُ في عَينَيَّ ماكانَ يَلمُحُ وَأُشفِقُ مِن مَوتِ الصِبا ثُمَّ إِنَّني لَآمُلُ أَنَّ اللَهَ يَعفو وَيَصفَحُ غُلامٌ كَما اِستَخشَنتَ جانِبَ هَضبَةٍ وَلانَ عَلى طَشٍّ مِنَ المُزنِ أَبطَحُ أَقولُ وَقَد وافى كِتابُ نَعيِهِ يُجَمجِمُ في أَلفاظِهِ فَيُصَرِّحُ أَرامٍ بِأَغماتٍ يُسَدِّدُ سَهمَهُ فَيَرمي وَقَلبٌ بِالجَزيرَةِ يُجرَحُ فَيا لَغَريبٍ فاجأَتهُ مَنِيَّةٌ أَتَتهُ عَلى عَهدِ الشَبابِ تُلَحلِحُ كَأَنَّ لَهيباً بَينَ جَنبَيَّ واقِداً بِهِ وَرَكايا بَينَ جَفنَيَّ تُمتَحُ جَلَستُ أَسومُ الدَهرَ فيهِ مَلامَةً وَكُنتُ كَما قَد كُنتُ أُثني وَأَمدَحُ تَراني إِذا أَعوَلتُ حُزناً حَمامَةً تُرِنُّ وَطَوراً أَيكَةً تَتَرَنَّحُ غَريقاً بِبَحرِ الدَمعِ وَالهَمُّ وَالدُجى وَلَو كانَ بَحراً واحِداً كُنتُ أَسبَحُ أُحَمِّلُ أَنفاسَ الشَمالِ تَحِيَّةً يَنوءُ بِها مِن ماءِ جَفني فَيَرزَحُ فَلي نَظرَةٌ نَحوَ السَماءِ وَلَوعَةٌ تَلَدَّدُ بي نَحوَ الجَنوبِ فَأَجنَحُ فَرادَعتُ عَنها النَفسَ وَالنَفسُ صَبَّةٌ وَراوَغتُ حُسنَ الصَبرِ وَالصَبرُ أَرجَحُ فَنَمِّ بِأَسرارِ الصَبابَةِ مَدمَعي وَكُلُّ إِناءٍ بِالَّذي فيهِ يَرشَحُ وَأَيأَستُ قَلباً كانَ يَخفِقُ تارَةً وَتَنزو بِهِ الآمالُ طَوراً فَيَطمَحُ فَما أَتَلَقّى الرَكبَ أَرجو تَحِيَّةً تُوافي لَهُ أَو رُقعَةً تَتَصَفَّحُ فَفي ناظِري لِلَّيلِ مَربَطُ أَدهَمٍ وَفي وَجنَتي لِلدَمعِ أَشهَبُ يَجمَحُ إِذا كانَ قَصرُ الأُنسِ بِالإِلفِ وَحشَةً فَما أَشتَهي أَنّي أُسَرُّ فَأَفرَحُ فَيا عارِضاً يَستَقبِلُ اللَيلَ واكِفاً وَيَسري فَيَطوي الأَطوَلَينِ وَيَمسَحُ تَحَمَّل إِلى قَبرِ الغَريبِ مَزادَةً مِنَ الدَمعِ تَندى حَيثُ سِرتَ وَتَنضَحُ وَأَحفى سَلامٍ يَعبُرُ البَحرَ دونَهُ فَيَندى وَأَزهارَ البِطاحِ فَتَنفَحُ وَعَرِّج عَلى مَثوى الحَبيبِ بِنَظرَةٍ تَراهُ بِها عَيني هُناكَ وَتَلمَحُ


المراجع

  1. الدكتور عمر فاروق الطباع، ديوان ابن خفاجة، صفحة 5-8.
  2. الدكتور عمر فاروق الطباع، ديوان ابن خفاجة، صفحة 14-15.
  3. الدكتور عمر فاروق الطباع، ديوان ابن خفاجة، صفحة 16-17.
  4. الدكتور عمر فاروق الطباع، ديوان ابن خفاجة، صفحة 41-44.
  5. الدكتور عمر فاروق الطباع، ديوان ابن خفاجة، صفحة 63-65.