استطاع الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي أن يترك بصمة كبيرة وواضحة في الشعر العربي الحديث، من خلال أشعاره الكثيرة ذات الخصائص والسمات الفنية المميزة، والتي حملت موضوعات عدّة تهمّ القارئ والمتذوق للشعر، وفي هذا المقال قدمنا لكم مجموعة من القصائد التي نظمها الشابي في الحبّ، على سبيل الذكر لا الحصر.


قصيدة أيها الحب أنت سر بلائي

يقول أبو القاسم الشابي في هذه القصيدة:[١]


أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي ونُحُولي وأَدْمُعي وعَذَابي وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي أَيُّها الحُبُّ أَنتَ سِرُّ وُجُودي وحَيَاتي وعِزَّتي وإبَائي وشُعاعِي ما بينَ دَيْجُورِ دَهْري وأَليفي وقُرَّتي وَرَجَائي يا سُلافَ الفُؤادِ يا سُمَّ نَفْسي في حَيَاتي يا شِدَّتي يا رَخَائي أَلَهيبٌ يثورُ في روضَةِ النَّفْسِ فَيَطْغى أَمْ أَنتَ نُورُ السَّماءِ أَيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ نَ كُؤُوساً وما اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي فبِحَقِّ الجَمَال يا أَيُّها الحُ بُّ حَنَانَيْكَ بي وَهَوِّن بَلائي لَيْتَ شِعْرِي يا أَيُّها الحُبُّ قُلْ لي مِنْ ظَلامٍ خُلِقَت أَمْ من ضِياءِ



قصيدة بذر الحب

وفي هذه القصيدة يقول أبو القاسم الشابي:[٢]


بَذَرَ الحُبُّ بَذْرَهُ في فُؤادي فَأوْرَقا بِلِحاظٍ نَوافِثٍ فَجَنَى حَظِّيَ الشَّقا وسَعَى فيهِ مُهْرَهُ عَادِياً ثمَّ أعْنَقا رُبَّ ظَبْيٍ عَلِقْتُهُ بالبَها قَدْ تَقَرْطَقا ثمَّ من وَصْلِهِ الجَمي لِ غَدا القَلْبُ مُمْلِقا سَحَرَ اللُّبَّ طَرْفُهُ مَا دَها الرِّيقَ لو رَقى أوْصَبَ الصَّبَّ صَدُّهُ والشَّقا لَوْ تَرَفَّقا صارَ مُلْقًى بِحُبِّهِ موثَقاً لَيْسَ مُطْلَقا صارَ ذا جِنَّةٍ بِهِ ذا عَذابٍ مُؤَرّقا يَرْقُبُ البَدْرَ جَفْنُهُ لِيُناجيهِ مَا لَقى هامَ في العَيْنِ غَرْبُهُ وهَمَى ثمَّ أغْدَقا وهَمَى صَوْبُ هَمِّهِ فَاسْتَقَى منهُ مَا اسْتَقى كَمْ قُلوبٍ تَفَطَّرَتْ ودَمٍ صار مُهْرَقا ودُموعٍ تَسَلْسَلَتْ مثلَ غَيْمٍ تَدَفَّقا دونَ أنْ تَبْلَعَ النُّفو سُ رُضاباً مُرَوَّقا وشَقيقٍ بِخَدِّهِ مُهَجَ الخَلْقِ شَقَّقَ ثَغْرُهُ من عُقودِهِ ودُموعي تَنَسَّقا خَصْرُهُ من نَحافَتي وَنُحولي تَمَنْطَقا مَرْشَفاهُ بِخَدِّه ودِمائي تخلَّقا مِن لَظَى جَمرِ خَدِّهِ كَبِدي قَدْ تَحَرَّقا قَدُّهُ فَوْقَ رِدْفِه غُصْنُ بانِ على نَقا جيدُهُ تَحْتَ فَرْعِهِ بَرْقُ غَيْمٍ تَألَّقا نَسَبي في غَرامِهِ نَسَباً صارَ مُعْرِقا



قصيدة الحب شعلة

يقول أبو القاسم الشابي في هذه القصيدة:[٣]


الحُبُّ شُعْلَةُ نورٍ ساحرٍ هَبَطَتْ منَ السَّماءِ فكانتْ ساطعَ الفَلَقِ ومَزَّقتْ عن جفونِ الدَّهْرِ أَغْشِيَةً وعَنْ وُجوه اللَّيالي بُرْقُعَ الغَسَقِ الحبُّ روحُ إلهيٌّ مجنَّحةٌ أَيَّامُهُ بضِياءِ الفَجْرِ والشَّفَقِ يطوفُ في هذه الدُّنيا فَيَجْعَلُها نجْماً جميلاً ضَحُوكاً جِدَّ مُؤْتَلِقِ لولاهُ مَا سُمِعتْ في الكونِ أُغنيةً ولا تآلَفَ في الدُّنيا بَنُو أُفُقِ الحبُّ جُدوَلُ خمرٍ مَنْ تَذَوَّقَهُ خاضَ الجحيمَ ولم يُشْفِقْ من الحَرَقِ الحبُّ غايَةُ آمالِ الحَيَاةِ فما خوْفي إِذا ضَمَّني قبرٌ وما فَرَقِي



قصيدة أراك فتحلو لديّ الحياة

ومن أبيات هذه القصيدة ما يأتي:[٤]


أَراكِ فَتَحْلو لَدَيَّ الحَيَاةُ ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأَملْ وتنمو بصدري وُرُودٌ عِذابٌ وتحنو على قلبيَ المشْتَعِلْ ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحَيَاةِ وذاك الشَّبابُ الوديعُ الثَّمِلْ ويفْتِنُني سِحْرُ تِلْكَ الشِّفاهْ ترفرفُ مِنْ حَوْلهنَّ القُبَلْ فأَعبُدُ فيكِ جمالَ السَّماءِ ورقَّةَ وردِ الرَّبيعِ الخضِلْ وطُهْرَ الثُّلوجِ وسِحْرَ المروج مُوَشَّحَةً بشُعاعِ الطَّفَلْ أَراكِ فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً كأنِّيَ لمْ أَبْلُ حربَ الوُجُودْ ولم أَحتمل فيه عِبئاً ثقيلاً من الذِّكْرَياتِ التي لا تَبيدْ وأَضغاثِ أَيَّاميَ الغابراتِ وفيها الشَّقيُّ وفيها السَّعيدْ ويغْمُرُ روحِي ضِياءٌ رَفيقٌ تُكلِّلهُ رائعاتُ الورودْ وتُسْمِعُني هاتِهِ الكائِناتُ رقيقَ الأَغاني وحُلْوَ النَّشيدْ وتَرْقُصُ حَولي أَمانٍ طِرابٌ وأَفراحُ عُمْرٍ خَلِيٍّ سَعيدْ أَراكِ فتخفُقُ أَعصابُ قلبي وتهتزُّ مِثْلَ اهتزازِ الوَتَرْ ويُجري عليها الهَوَى في حُنُوٍّ أَناملَ لُدْناً كرَطْبِ الزَّهَرْ فتخطو أَناشيدُ قلبيَ سَكْرى تغرِّدُ تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ وتملأُني نشوةٌ لا تُحَدُّ كأَنِّيَ أَصبحتُ فوقَ البَشَرْ



قصيدة كنا كزوجي طائر

يقول أبو القاسم الشابي في هذه القصيدة:[٥]


كنَّا كَزَوْجَيْ طائرٍ في دَوْحَةِ الحُبِّ الأَمينْ نَتْلو أَناشيدَ المنى بَيْنَ الخمائلِ والغُصُونْ مُتَغَرِّدينَ مع البَلابلِ في السُّهولِ وفي الحزونْ مَلأَ الهَوَى كأْسَ الحَيَاةِ لنا وشَعْشَعَها الفُتونْ حتَّى إِذا كِدْنا نُرَشِّفَ خَمْرَها غَضِبَ المَنُونْ فَتَخَطَّفَ الكأسَ الخلوبَ وحطَّمَ الجامَ الثَّمينْ وأَراقَ خَمْرَ الحُبِّ في وادي الكآبَةِ والأَنينْ وأَهابَ بالحُبِّ الوديعِ فودَّعَ العُشَّ الأَمينْ وشدَا بلحنِ الموتِ في الأُفُق الحزينِ المُسْتَكينْ ثمَّ اختفى خَلْفَ الغُيومِ كأَنَّهُ الطَّيفُ الحَزينْ يا أَيُّها القلبُ الشَّجيُّ إلامَ تُخْرِسُكَ الشُّجونْ رُحْماكَ قَدْ عَذَّبْتَني بالصَّمتِ والدَّمعِ الهَتُونْ ماتَ الحَبيبُ وكلُّ مَا قَدْ كُنْتَ ترجو أَن يكونْ فاصْبِرْ على سُخْطِ الزَّمانِ وما تُصَرِّفُهُ الشُّؤُونْ فلَسَوْفَ يُنْقِذُكَ المَنُونُ ويفرحُ الرُّوحُ السَّجينْ وردُ الحَيَاةِ مُرَنَّقٌ والموتُ مَوْرِدُهُ مَعينْ ولرُبَّما شاقَ الرَّدى الدَّاجي وأعماقُ المنونْ قلباً تُرَوِّعُهُ الحَيَاةُ ولا تُهادِنُهُ السُّنُونْ ومَشَاعِراً حَسْرى يسيرُ بها القُنُوطُ إلى الجُنونْ


المراجع

  1. أحمد حسن بسج، ديوان أبي القاسم الشابي، صفحة 13. بتصرّف.
  2. "قصيدة بذر الحب"، الديوان. بتصرّف.
  3. "قصيدة الحب شعلة"، ديوان الأدب. بتصرّف.
  4. فَتَحْلو لَدَيَّ الحَيَاةُ "قصيدة أراك فتحلو لدي الحياة"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  5. "قصيدة كنا كزوجي طائر"، الديوان. بتصرّف.