يعد عنترة بن شداد أحد رموز الشعر الجاهلي الذي كثر الحديث فيه عن المرأة والتغزل بها، وقد كان شاعرنا هذا واقعًا في حب ابنة عمّه عبلة، وحاول استمالتها وإبراز قوة شخصيته لها من خلال أشعاره الغزلية، وقد قدمنا في السطور التالية نماذج من روائع عنترة الشعرية التي قيلت في الغزل.


قصيدة يا عبل قد زاد التصابي

يقول عنترة في هذه القصيدة: [١]


أَلا يا عَبلَ قَد زادَ التَصابي وَلَجَّ اليَومَ قَومُكِ في عَذابي وَظَلَّ هَواكِ يَنمو كُلَّ يَومٍ كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي عَتَبتُ صُروفَ دَهري فيكِ حَتّى فَني وَأَبيكِ عُمري في العِتابِ وَلاقَيتُ العِدا وَحَفِظتُ قَوماً أَضاعوني وَلَم يَرعَوا جَنابي سَلي يا عَبلَ عَنّا يَومَ زُرنا قَبائِلَ عامِرٍ وَبَني كِلابِ وَكَم مِن فارِسٍ خَلَّيتُ مُلقىً خَضيبَ الراحَتَينِ بِلا خِضابِ يُحَرِّكُ رِجلَهُ رُعباً وَفيهِ سِنانُ الرِمحِ يَلمَعُ كَالشِهابِ قَتَلنا مِنهُمُ مائَتَينِ حُرّاً وَأَلفاً في الشِعابِ وَفي الهِضابِ



قصيدة زار الخيال خيال عبلة

يقول فيها عنترة بن شداد:[٢]


زارَ الخيالُ خيالُ عبلة في الكَرى لمتِّيم نشوانَ محلول العرى فنهضتُ أشكُو ما لقيتُ لبعدها فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى وكشفتُ برقعها فأشرقَ وجهها حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً عربية يهتزُّ لين قوامها فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا محجوبة بصوارمٍ وذوابل سمرٌ ودونَ خبائها أسدُ الشرى يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى وأنا المعنى فيكِ من دون الورى يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرَى وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به عبسٌ وسيفُ أبيهِ أفنى حميرا يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ أبداً أزيدُ به غراماً مسعرا يا ساشُ لولا أنْ سلطانَ الهوى ماضي العزيمة ما تملكَ عنترا



قصيدة سأضمر وجدي

نظم عنترة بن شداد الأبيات الآتية:[٣]


سَأُضمِرُ وَجدي في فُؤادي وَأَكتُمُ وَأَسهَرُ لَيلي وَالعَواذِلُ نُوَّمُ وَأَطمَعُ مِن دَهري بِما لا أَنالُهُ وَأَلزَمُ مِنهُ ذُلَّ مَن لَيسَ يَرحُمُ وَأَرجو التَداني مِنكِ يا اِبنَةَ مالِكٍ وَدونَ التَداني نارُ حَربٍ تَضَرَّمُ فَمُنّي بِطَيفٍ مِن خَيالِكِ وَاِسأَلي إِذا عادَ عَنّي كَيفَ باتَ المُتَيَّمُ وَلا تَجزَعي إِن لَجَّ قَومُكِ في دَمي فَما لِيَ بَعدَ الهَجرِ لَحمٌ وَلا دَمُ أَلَم تَسمَعي نَوحَ الحَمائِمِ في الدُجى فَمِن بَعضِ أَشجاني وَنَوحي تَعَلَّموا وَلَم يَبقَ لي يا عَبلَ شَخصٌ مُعَرَّفٌ سِوى كَبِدٍ حَرّى تَذوبُ فَأَسقَمُ وَتِلكَ عِظامٌ بالِياتٌ وَأَضلُعٌ عَلى جِلدِها جَيشُ الصُدودِ مُخَيِّمُ وَإِن عُشتُ مِن بَعدِ الفُراقِ فَما أَنا كَما أَدَّعي أَنّي بِعَبلَةَ مُغرَمُ وَإِن نامَ جَفني كانَ نَومي عُلالَةً أَقولُ لَعَلَّ الطَيفَ يَأتي يُسَلِّمُ أَحِنُّ إِلى تِلكَ المَنازِلِ كُلَّما غَدا طائِرٌ في أَيكَةٍ يَتَرَنَّمُ بَكَيتُ مِنَ البَينِ المُشِتِّ وَإِنَّني صَبورٌ عَلى طَعنِ القَنا لَو عَلِمتُم



قصيدة هل غادر الشعراء من متردم

تعرف هذه القصيدة بمعلقة عنترة، وفي لوحة الغزل فيها يقول:[٤]


هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّماْ زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ



قصيدة رمت الفؤاد مليحة عذراء

يقول عنترة بن شداد:[٥]


رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِها فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ



قصيدة أتاني طيف عبلة 

فيها يقول عنترة:[٦]


أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ فَقَبَّلَني ثَلاثاً في اللَثامِ وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيباً أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ أَيا اِبنَةَ مالِكٍ كَيفَ التَسَلّي وَعَهدُ هَواكِ مِن عَهدِ الفِطامِ وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَوماً وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ وَحَقِّ هَواكِ لا داوَيتُ قَلبي بِغَيرِ الصَبرِ يا بِنتَ الكِرامِ إِلى أَن أَرتَقي دَرَجَ المَعالي بِطَعنِ الرُمحِ أَو ضَربِ الحُسامِ أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتِ عَنهُ رَعَيتُ جِمالَ قَومي مِن فِطامي أَروحُ مِنَ الصَباحِ إِلى مَغيبٍ وَأَرقُدُ بَينَ أَطنابِ الخِيامِ أَذِلُّ لِعَبلَةٍ مِن فَرطِ وَجدي وَأَجعَلُها مِنَ الدُنيا اِهتِمامي وَأَمتَثِلُ الأَوامِرَ مِن أَبيها وَقَد مَلَكَ الهَوى مِنّي زِمامي رَضيتُ بِحُبِّها طَوعاً وَكَرهاً فَهَل أَحظى بِها قَبلَ الحِمامِ وَإِن عابَت سَوادي فَهوَ فَخري لِأَنّي فارِسٌ مِن نَسلِ حامِ وَلي قَلبٌ أَشَدُّ مِنَ الرَواسي وَذِكري مِثلُ عَرفِ المِسكِ نامي وَمِن عَجَبي أَصيدُ الأُسدَ قَهراً وَأَفتَرِسُ الضَواري كَالهَوامِ وَتَقنُصُني ظِبا السَعدِي وَتَسطو عَلَيَّ مَها الشَرَبَّةِ وَالخُزامِ لَعَمرُ أَبيكَ لا أَسلو هَواها وَلَو طَحَنَت مَحَبَّتُها عِظامي عَلَيكِ أَيا عُبَيلَةُ كُلَّ يَومٍ سَلامٌ في سَلامٍ في سَلامِ



قصيدة عذابك يا ابنة السادات

يقول فيها عنترة:[٧]


عَذابُك يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ فَجوروا وَاِطلُبوا قَتلي وَظُلمي وَتَعذيبي فَإِنّي لا أَمَلُّ وَلا أَسلو وَلا أَشفي الأَعادي فَساداتي لَهُم فَخرٌ وَفَضلُ أُناسٌ أَنزَلونا في مَكانٍ مِنَ العَلياءِ فَوقَ النَجمِ يَعلو إِذا جاروا عَدَلنا في هَواهُم وَإِن عَزّوا لِعِزِّتِهِم نَذِلُّ وَكَيفَ يَكونُ لي عَزمٌ وَجِسمي تَراهُ قَد بَقي مِنهُ الأَقَلُّ فَيا طَيرَ الأَراكِ بِحَقِّ رَبٍّ بَراكَ عَساكَ تَعلَمُ أَينَ حَلّوا وَتُطلِقُ عاشِقاً مِن أَسرِ قَومٍ لَهُ في حُبِّهِم أُسُرٌ وَغُلُّ يُنادوني وَخَيلُ المَوتِ تَجري مَحَلُّكَ لا يُعادِلُهُ مَحَلُّ وَقَد أَمسَوا يَعيبوني بِأُمّي وَلَوني كُلَّما عَقَدوا وَحَلّوا لَقَد هانَت صُروفُ الدَهرِ عِندي وَهانَت أَهلُهُ عِندي وَقَلّوا وَلي في كُلِّ مَعرَكَةٍ حَديثٌ إِذا سَمِعَت بِهِ الأَبطالُ ذَلّوا قَطَعتُ رِقابَهُم وَأَسَرتُ مِنهُم وَهُم في عُظمِ جَمعِهِمِ اِستَقَلّوا وَأَحصَنتُ النِساءَ بِحَدِّ سَيفي وَأَعدائي لِعُظمِ الخَوفِ فَلّوا أُثيرُ عَجاجَها وَالخَيلُ تَجري ثِقالاً بِالفَوارِسِ لا تَمَلُّ وَأَرجِعُ وَهيَ قَد وَلَّت خِفاف مُحَيَّرَةً مِنَ الشَكوى تَكِلُّ وَأَرضى بِالإِهانَةِ مَع أُناسٍ أُراعيهِم وَلَو قَتلي أَحَلّوا وَأَصبُرُ لِلحَبيبِ وَإِن جَفاني وَلَم أَترُك هَواهُ وَلَستُ أَسلو عَسى الأَيّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ وَبَعدَ الهَجرِ مُرُّ العَيشِ يَحلو


المراجع

  1. "ألا يا عبل قد زاد التصابي"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  2. "زار الخيال خيال عبلة"، الديوان. بتصرّف.
  3. حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 165. بتصرّف.
  4. "هل غادر الشعراء من متردم"، الديوان. بتصرّف.
  5. "رمت الفؤاد مليحة"، الديوان. بتصرّف.
  6. "أتاني طيف عبلة"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  7. حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 149. بتصرّف.