المتنبي هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي، شاعر من الكوفة، وتحديدًا من محلة كندة، وقد كان شاعرًا ذكيًا فذًا، شديد العارضة، وعظيم الذكاء، لقي الكثير من أيمة العلم في رحلته؛ فتتلمذ على أيديهم، وأخذ عنهم، وكن من المطلعين على أوابد اللغة وشواردها، وقد سمي بالمتنبي لادعائه النبوة في بادية السماوة الموجودة بالكوفة، وبعد ذلك ذهب في مدح الأمراء، ومنهم سيف الدولة، ونظم بمختلف المواضيع الشعرية، وبالنسبة لعدد دواوينه الشعرية التي وصلت إلينا فهي تقتصر على ديوان واحد، ضم حوالي 326 قصيدةً.[١]


قصيدة أرق على أرق

يقول المتنبي في قصيدة المعنونة بعبرات شاعر:[٢]


أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ



قصيدة ضيف ألم برأسي غير محتشم

يقول المتنبي:[٣]


ضَيفٌ أَلَمَّ بِرَأسي غَيرَ مُحتَشِمِ وَالسَيفُ أَحسَنُ فِعلاً مِنهُ بِاللِمَمِ إِبعِد بَعِدتَ بَياضاً لا بَياضَ لَهُ لَأَنتَ أَسوَدُ في عَيني مِنَ الظُلَمِ بِحُبِّ قاتِلَتي وَالشَيبِ تَغذِيَتي هَوايَ طِفلاً وَشَيبي بالِغَ الحُلُمِ فَما أَمُرُّ بِرَسمٍ لا أُسائِلُهُ وَلا بِذاتِ خِمارٍ لا تُريقُ دَمي تَنَفَّسَت عَن وَفاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ يَومَ الرَحيلِ وَشَعبٍ غَيرِ مُلتئِمِ قَبَّلتُها وَدُموعي مَزجُ أَدمُعِها وَقَبَّلَتني عَلى خَوفٍ فَماً لِفَمِ فَذُقتُ ماءَ حَياةٍ مِن مُقَبَّلِها لَو صابَ تُرباً لَأَحيا سالِفَ الأُمَمِ تَرنو إِلَيَّ بِعَينِ الظَبيِ مُجهِشَةً وَتَمسَحُ الطَلَّ فَوقَ الوَردِ بِالعَنَمِ رُوَيدَ حُكمَكِ فينا غَيرَ مُنصِفَةٍ بِالناسِ كُلِّهِمِ أَفديكِ مِن حَكَمِ أَبدَيتِ مِثلَ الَّذي أَبدَيتُ مِن جَزَعٍ وَلَم تُجِنّي الَّذي أَجنَنتُ مِن أَلَمِ إِذاً لَبَزَّكَ ثَوبَ الحُسنِ أَصغَرُهُ وَصِرتِ مِثلِيَ في ثَوبَينِ مِن سَقَمِ لَيسَ التَعَلُّلُ بِالآمالِ مِن أَرَبي وَلا القَناعَةُ بِالإِقلالِ مِن شِيَمي وَلا أَظُنُّ بَناتِ الدَهرِ تَترُكُني حَتّى تَسُدَّ عَلَيها طُرقَها هِمَمي لُمِ اللَيالي الَّتي أَخنَت عَلى جِدَتي بِرِقَّةِ الحالِ وَاِعذُرني وَلا تَلُمِ أَرى أُناساً وَمَحصولي عَلى غَنَمٍ وَذِكرَ جودٍ وَمَحصولي عَلى الكَلِمِ وَرَبَّ مالٍ فَقيراً مِن مُروَّتِهِ لَم يُثرِ مِنها كَما أَثرى مِنَ العَدَمِ سَيَصحَبُ النَصلُ مِنّي مِثلَ مَضرِبِهِ وَيَنجَلي خَبَري عَن صِمَّةِ الصِمَمِ لَقَد تَصَبَّرتُ حَتّى لاتَ مُصطَبَرٍ فَالآنَ أُقحِمُ حَتّى لاتَ مُقتَحَمِ لَأَترُكَنَّ وُجوهَ الخَيلِ ساهِمَةً وَالحَربُ أَقوَمُ مِن ساقٍ عَلى قَدَمِ وَالطَعنُ يُحرِقُها وَالزَجرُ يُقلِقُها حَتّى كَأَنَّ بِها ضَرباً مِنَ اللَمَمِ قَد كَلَّمَتها العَوالي فَهيَ كالِحَةٌ كَأَنَّما الصابُ مَعصوبٌ عَلى اللُجُمِ بِكُلِّ مُنصَلِتٍ ما زالَ مُنتَظِري حَتّى أَدَلتُ لَهُ مِن دَولَةِ الخَدَمِ شَيخٍ يَرى الصَلَواتِ الخَمسَ نافِلَةً وَيَستَحِلُّ دَمَ الحُجّاجِ في الحَرَمِ وَكُلَّما نُطِحَت تَحتَ العَجاجِ بِهِ أُسدُ الكَتائِبِ رامَتهُ وَلَم يَرِمِ تُنسى البِلادَ بُروقَ الجَرِّ بارِقَتي وَتَكتَفي بِالدَمِ الجاري عَنِ الدِيَمِ رِدي حِياضَ الرَدى يا نَفسُ وَاِتَّرِكي حِياضَ خَوفِ الرَدى لِلشاءِ وَالنِعَمِ إِن لَم أَذَركِ عَلى الأَرماحِ سائِلَةً فَلا دُعيتُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ وَالكَرَمِ أَيَملِكُ المُلكَ وَالأَسيافُ ظامِئَةٌ وَالطَيرُ جائِعَةٌ لَحمٌ عَلى وَضَمِ مَن لَو رَآنِيَ ماءً ماتَ مِن ظَمَأٍ وَلَو مَثَلتُ لَهُ في النَومِ لَم يَنَمِ ميعادُ كُلِّ رَقيقِ الشَفرَتَينِ غَداً وَمَن عَصى مِن مُلوكِ العُربِ وَالعَجَمِ فَإِن أَجابوا فَما قَصدي بِها لَهُمُ وَإِن تَوَلَّوا فَما أَرضى لَها بِهِمِ



قصيد ومن يكُ ذا فمٍ مريضٍ

يقول المتنبي:[٤]


بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ اِرتِحالا وَحُسنَ الصَبرِ زَمّوا لا الجِمالا تَوَلَّوا بَغتَةً فَكَأَنَّ بَيناً تَهَيَّبَني فَفاجَأَني اِغتِيالا فَكانَ مَسيرُ عيسِهِمِ ذَميلاً وَسَيرُ الدَمعِ إِثرَهُمُ اِنهِمالا كَأَنَّ العيسَ كانَت فَوقَ جَفني مُناخاةٍ فَلَمّا ثُرنَ سالا وَحَجَّبَتِ النَوى الظَبياتِ عَنّي فَساعَدَتِ البَراقِعَ وَالحِجالا لَبِسنَ الوَشيَ لا مُتَجَمِّلاتٍ وَلَكِن كَي يَصُنَّ بِهِ الجَمالا وَضَفَّرنَ الغَدائِرَ لا لِحُسنٍ وَلَكِن خِفنَ في الشَعَرِ الضَلالا بِجِسمي مَن بَرَتهُ فَلَو أَصارَت وِشاحي ثَقبَ لُؤلُؤَةٍ لَجالا وَلَولا أَنَّني في غَيرِ نَومٍ لَكُنتُ أَظُنُّني مِنّي خَيالا بَدَت قَمَراً وَمالَت خوطَ بانٍ وَفاحَت عَنبَراً وَرَنَت غَزالا وَجارَت في الحُكومَةِ ثُمَّ أَبدَت لَنا مِن حُسنِ قامَتِها اِعتِدالا كَأَنَّ الحُزنَ مَشغوفٌ بِقَلبي فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا كَذا الدُنيا عَلى مَن كانَ قَبلي صُروفٌ لَم يُدِمنَ عَلَيهِ حالا أَشَدُّ الغَمِّ عِندي في سُرورٍ تَيَقَّنَ عَنهُ صاحِبُهُ اِنتِقالا أَلِفتُ تَرَحُّلي وَجَعَلتُ أَرضي قُتودي وَالغُرَيرِيَّ الجُلالا فَما حاوَلتُ في أَرضٍ مُقاماً وَلا أَزمَعتُ عَن أَرضٍ زَوالا عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الريحَ تَحتي أُوَجِّهُها جَنوباً أَو شَمالا إِلى البَدرِ بنِ عَمّارِ الَّذي لَم يَكُن في غُرَّةِ الشَهرِ الهِلالا وَلَم يَعظُم لِنَقصٍ كانَ فيهِ وَلَم يَزَلِ الأَميرَ وَلَن يَزالا بِلا مِثلٍ وَإِن أَبصَرتَ فيهِ لِكُلِّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثالا حُسامٌ لِاِبنِ رائِقٍ المُرَجّى حُسامِ المُتَّقي أَيّامَ صالا سِنانٌ في قَناةِ بَني مَعَدٍّ بَني أَسَدٍ إِذا دَعوا النِزالا أَعَزُّ مُغالِبٍ كَفّاً وَسَيفاً وَمَقدِرَةً وَمَحمِيَةً وَآلا وَأَشرَفُ فاخِرٍ نَفساً وَقَوماً وَأَكرَمُ مُنتَمٍ عَمّا وَخالا يَكونُ أَحَقُّ إِثناءٍ عَلَيهِ عَلى الدُنيا وَأَهليها مُحالا وَيَبقى ضِعفُ ما قَد قيلَ فيهِ إِذا لَم يَتَّرِك أَحَدٌ مَقالا فَيا اِبنَ الطاعِنينَ بِكُلِّ لَدنٍ مَواضِعَ يَشتَكي البَطَلُ السُعالا وَيا اِبنَ الضارِبينَ بِكُلِّ عَضبٍ مِنَ العَرَبِ الأَسافِلَ وَالقِلالا أَرى المُتَشاعِرينَ غَروا بِذَمّي وَمَن ذا يَحمَدُ الداءَ العُضالا وَمَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ يَجِد مُرّاً بِهِ الماءَ الزُلالا وَقالوا هَل يُبَلِّغُكَ الثُرَيّا فَقُلتُ نَعَم إِذا شِئتُ اِستِفالا هُوَ المُفني المَذاكي وَالأَعادي وَبيضَ الهِندِ وَالسُمرِ الطِوالا وَقائِدُها مُسَوَّمَةً خِفافاً عَلى حَيٍّ تُصَبِّحُهُ ثِقالا جَوائِلَ بِالقُنِيِّ مُثَقَّفاتٍ كَأَنَّ عَلى عَوامِلِها الذُبالا إِذا وَصِأَت بِأَيدِيَها صُخوراً يَفِئنَ لِوَطءِ أَرجُلِها رِمالا جَوابُ مُسائِلي أَلَهُ نَظيرٌ وَلا لَكَ في سُؤالِكَ لا أَلالا لَقَد أَمِنَت بِكَ الإِعدامَ نَفسٌ تَعُدُّ رَجاءَها إِيّاكَ مالا وَقَد وَجِلَت قُلوبٌ مِنكَ حَتّى غَدَت أَوجالُها فيها وِجالا سُرورُكَ أَن تَسُرُّ الناسَ طُرّاً تُعَلِّمُهُم عَلَيكَ بِهِ الدَلالا إِذا سَأَلوا شَكَرتَهُمُ عَلَيهِ وَإِن سَكَتوا سَأَلتَهُمُ السُؤالا وَأَسعَدُ مَن رَأَينا مُستَميحٌ يُنيلُ المُستَماحَ بِأَن يَنالا يُفارِقُ سَهمُكَ الرَجُلَ المُلاقي فِراقَ القَوسِ ما لاقى الرِجالا فَما تَقِفُ السِهامُ عَلى قَرارٍ كَأَنَّ الريشَ يَطَّلِبُ النِصالا سَبَقتَ السابِقينَ فَما تُجارى وَجاوَزتَ العُلُوَّ فَما تُعالى وَأُقسِمُ لَو صَلَحتَ يَمينَ شَيءٍ لَما صَلَحَ العِبادُ لَهُ شِمالا أُقَلِّبُ مِنكَ طَرفي في سَماءٍ وَإِن طَلَعَت كَواكِبُها خِصالا وَأَعجَبُ مِنكَ كَيفَ قَدَرتَ تَنشا وَقَد أُعطيتَ في المَهدِ الكَمالا



قصيدة وردٌ إذا ورد البحيرة شاربًا في الخد

يقول الشاعر المتنبي:[٥]


في الخَدِّ أَن عَزَمَ الخَليطُ رَحيلاً مَطَرٌ تَزيدُ بِهِ الخُدُودُ مُحولا يا نَظرَةً نَفَتِ الرُقادَ وَغادَرَت في حَدِّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلولا كانَت مِنَ الكَحلاءِ سُؤلي إِنَّما أَجَلي تَمَثَّلَ في فُؤادي سولا أَجِدُ الجَفاءَ عَلى سِواكِ مُروءَةً وَالصَبرَ إِلّا في نَواكِ جَميلا وَأَرى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً وَأَرى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَملولا تَشكو رَوادِفَكِ المَطِيَّةَ فَوقَها شَكوى الَّتي وَجَدَت هَواكَ دَخيلا وَيُعيرُني جَذبُ الزِمامِ لِقَلبِها فَمَها إِلَيكِ كَطالِبٍ تَقبيلا حَدَقُ الحِسانِ مِنَ الغَواني هِجنَ لي يَومَ الفِراقِ صَبابَةً وَغَليلا حَدَقٌ يُذِمُّ مِنَ القَواتِلِ غَيرَها بَدرُ بنُ عَمّارِ بنِ إِسماعيلا الفارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بِمِثلِها وَالتارِكُ المَلِكَ العَزيزَ ذَليلا مَحِكٌ إِذا مَطَلَ الغَريمُ بِدَينِهِ جَعَلَ الحُسامَ بِما أَرادَ كَفيلا نَطِقٌ إِذا حَطَّ الكَلامُ لِثامَهُ أَعطى بِمَنطِقِهِ القُلوبَ عُقولا أَعدى الزَمانَ سَخاؤُهُ فَسَخا بِهِ وَلَقَد يَكونُ بِهِ الزَمانُ بَخيلا وَكَأَنَّ بَرقاً في مُتونِ غَمامَةٍ هِندِيُّهُ في كَفِّهِ مَسلولا وَمَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِباً لَو كُنَّ سَيلاً ما وَجَدنَ مَسيلا رَقَّت مَضارِبُهُ فَهُنَّ كَأَنَّما يُبدينَ مِن عِشقِ الرِقابِ نُحولا أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا ما قوبِلَت عَيناهُ إِلّا ظُنَّتا تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا في وَحدَةِ الرُهبانِ إِلّا أَنَّهُ لا يَعرِفُ التَحريمَ وَالتَحليلا يَطَءُ الثَرى مُتَرَفِّقاً مِن تيهِهِ فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَليلا وَيَرُدُّ عُفرَتَهُ إِلى يافوخِهِ حَتّى تَصيرَ لِرَأسِهِ إِكليلا وَتَظُنُّهُ مِمّا يُزَمجِرُ نَفسُهُ عَنها لِشِدَّةِ غَيظِهِ مَشغولا قَصَرَت مَخافَتُهُ الخُطى فَكَأَنَّما رَكِبَ الكَمِيُّ جَوادَهُ مَشكولا أَلقى فَريسَتَهُ وَبَربَرَ دونَها وَقَرُبتَ قُرباً خالَهُ تَطفيلا فَتَشابَهُ الخُلُقانِ في إِقدامِهِ وَتَخالَفا في بَذلِكَ المَأكولا أَسَدٌ يَرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهِما مَتناً أَزَلَّ وَساعِداً مَفتولا في سَرجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرَّةٍ يَأبى تَفَرُّدُها لَها التَمثيلا نَيّالَةِ الطَلَباتِ لَولا أَنَّها تُعطي مَكانَ لِجامِها ما نيلا تَندى سَوالِفُها إِذا اِستَحضَرتَها وَيُظَنَّ عَقدُ عِنانِها مَحلولا ما زالَ يَجمَعُ نَفسَهُ في زَورِهِ حَتّى حَسِبتَ العَرضَ مِنهُ الطولا وَيَدُقُّ بِالصَدرِ الحِجارَ كَأَنَّهُ يَبغي إِلى ما في الحَضيضِ سَبيلا وَكَأَنَّهُ غَرَّتهُ عَينٌ فَاِدَّنى لا يُبصِرُ الخَطبَ الجَليلَ جَليلا أَنَفُ الكَريمِ مِنَ الدَنِيَّةِ تارِكٌ في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا وَالعارُ مَضّاضٌ وَلَيسَ بِخائِفٍ مِن حَتفِهِ مَن خافَ مِمّا قيلا سَبَقَ اِلتِقاءَكَهُ بِوَثبَةِ هاجِمٍ لَو لَم تُصادِمُهُ لَجازَكَ ميلا خَذَلَتهُ قُوَّتُهُ وَقَد كافَحتَهُ فَاِستَنصَرَ التَسليمَ وَالتَجديلا قَبَضَت مَنِيَّتُهُ يَدَيهِ وَعُنقَهُ فَكَأَنَّما صادَفتَهُ مَغلولا سَمِعَ اِبنُ عَمَّتِهي بِهِ وَبِحالِهِ فَنَجا يُهَروِلُ مِنكَ أَمسِ مَهولا وَأَمَرُّ مِمّا فَرَّ مِنهُ فِرارُهُ وَكَقَتلِهِ أَن لا يَموتَ قَتيلا تَلَفُ الَّذي اِتَّخَذَ الجَراءَةَ خُلَّةً وَعَظَ الَّذي اِتَّخَذَ الفِرارَ خَليلا لَو كانَ عِلمُكَ بِالإِلَهِ مُقَسَّماً في الناسِ ما بَعَثَ الإِلَهُ رَسولا لَو كانَ لَفظُكَ فيهِمِ ما أَنزَلَ ال قُرآنَ وَالتَوراةَ وَالإِنجيلا لَو كانَ ما تُعطِيهِمِ مِن قَبلِ أَن تُعطِيهِمِ لَم يَعرِفوا التَأميلا فَلَقَد عُرِفتَ وَما عُرِفتَ حَقيقَةً وَلَقَد جُهِلتَ وَما جُهِلتَ خُمولا نَطَقَت بِسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنِّياً وَبِما تُجَشِّمُها الجِيادُ صَهيلا ما كُلُّ مَن طَلَبَ المَعالِيَ نافِذاً فيها وَلا كُلُّ الرِجالِ فُحولا



المراجع

  1. المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 5-6. بتصرّف.
  2. المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 36-38.
  3. للمتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 36-38.
  4. المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 139-142.
  5. المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 144-148.