ذاع اسم الشاعر الفلسطيني محمود درويش في الأدب العربي حتى عُدّ من أهم رموزه وأعلامه، وقد اشتهر بصورة كبيرة بشعر النضال والمقاومة الفلسطينية في مرحلة من المراحل، إلى جانب موضوعات أخرى كان قد نظم فيها، وكانت له خصائص وسمات تفرّد بها عن غيره من الشعراء، وقد قمنا لكم في هذا المقال مجموعة من قصائد محمود درويش التي حملت في دلالتها العميقة معنى الحرية والطوق إليها.
قصيدة لبلادنا
يقول محمود درويش:[١]
لبلادنا
وَهِيَ القريبةُ من كلام اللهِ
سَقْفٌ من سحابْ
لبلادنا
وهي البعيدةُ عن صفاتِ الاسمِ
خارطةٌ الغيابْ
لبلادنا
وهي الصغيرة مثل حبّة سُمْسُمٍ
أُفُقٌ سماويٌّ... وهاويةٌ خفيَّةْ
لبلادنا
وهي الفقيرةُ مثل أَجنحة القَطاَ
كُتُبٌ مُقَدَّسَةٌ... وجرحٌ في الهويّةْ
لبلادنا
وهي المطوَّقَةُ الممزَّقةُ التلال،
كمائنُ الماضي الجديد
لبلادنا
وهي السَّبِيّةْ
حُريَّةُ الموت اشتياقاً واحتراقًا
وبلادُنا في ليها الدمويِّ
جَوْهَرَةٌ تشعُّ على البعيد على البعيد
تُضيء خارجَها...
وأمَّا نحن داخلها
فنزدادُ اختناقًا!
قصيدة عن إنسان
يقول فيها محمود درويش:[٢]
وضعوا على فمه السلاسلْ
ربطوا يديه بصخرة الموتى
وقالوا: أنت قاتلْ!
أخذوا طعامَهُ والملابسَ والبيارقْ
ورموه في زنزانة الموتى
وقالوا: أنت سارقْ!
طردوه من كل المرافئْ
أخذوا حبيبته الصغيرة ’
ثم قالوا: أنت لاجئْ!
يا دامي العينين والكفين!
إن الليل زائلْ
لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ
ولا زَرَدُ السلاسلْ!
نيرون مات ولم تمت روما
بعينيها تقاتلْ!
وحبوبُ سنبلةٍ تموت
ستملأُ الوادي سنابلْ!
قصيدة موال
وفي هذه القصيدة التي تحمل معنى الحرية يقول درويش:[٣]
خسرتُ حلماً جميلاً
خسرت لسع الزنابقْ
وكان ليلي طويلاً
على سياج الحدائقْ
وما خسرت السبيلا
لقد تعوّد كفّى
على جراح الأماني
هزي يديَّ بعنف
ينساب نهر الأغاني
يا أم مهري وسيفي!
يمّا… مويل الهوى
يمّا ..مويليّا
"ضرب الخناجر… ولا
"حكم النذل فيّا
***
يداك فوق جبيني
تاجان من كبرياءْ
إذا انحنيتُ، انحنى
تلٌّ وضاعت سماءْ
ولا أعود جديراً
بقبلة أو دعاءْ
والبابُ يُوصَدُ دوني
كوني على شفتيّا
اسماً لكل الفصول
لم يأخذوا من يديّا
إلا مناخ الحقول
وأنت عندي دنيا!
"يمّا… مويل الهوى
"يمّا… مويليّا
"ضرب الخناجر… ولا
"حكم النذل فيّا
الريح تنعس عندي
على جبين ابتسامة
والـقيد خاتمُ مجد
وشامةٌ للكرامة
وساعدي... للتحدي
على يديك تصلي
طفولةُ المستقبلْ
وخلف خفنيك، طفلي
يقول: يومي أجملْ
وأنت شمسي وظلي
"يمّا… مويل الهوى
"يمّا… مويليّا
"ضرب الخناجر… ولا
"حكم النذل فيّا
الأرض، أم أنت عندي
أم أنتما توأمان
مد مدّ للشمس زندي؟
الأرضُ، أم مقلتان
سيان سيان… عندي
إذا خسرت الصديقة
فقدت طعم السنابلْ
وإن فقدت الحديقة
ضَيّعت عطر الجدائلْ
وضاع حلم الحقيقة
عن الورد أدافعْ
شوقاً إلى شفتيك
وعن تراب الشوارع
خوفا على قدميكِ
وعن دفاعي أُدافع
"يمّا… مويليّا
"ضرب الخناجر… ولا
"حكم النذل فيّا
قصيدة الأغنية والسلطان
يقول فيها محمود درويش:[٤]
لم تكن أكثر من وصف… لميلاد المطرْ
ومناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجرْ
فلماذا قاوموها؟
حين قالت إن شيئاً غير هذا الماء
يجري في النّهَرْ؟
وحصى الوادي تماثيلُ، وأشياء أخَرْ
ولماذا عذَّبوها
حين قالت إن في الغابة أسراراً.
وسكيناً على صدر القمرْ
ودمَ البلبل مهدور على ذاك الحجرْ؟
ولماذا حبسوها
حين قالت: وطني حبل عرق
وعلى قنطرة الميدان إنسان يموت
وظلام يحترق؟
غَضب السلطان
والسلطان مخلوق خيالي
قال: إن العيب في المرآة ،
فليخلد إلى الصمت مغنيكم، وعرشي
سوف يمتد
من النيل إلى نهر الفرات!
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد… وجريده
أخبروا السلطان،
أنّ الريح لا تجرحها ضربة سيفِ
وغيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيفِ
وملايين من الأشجار
تخضرُّ على راحة حرفِ!
غضب السلطان، والسلطان في كل الصور
وعلى ظهر بطاقات البريد
كالمزامير نقيّ وعلى جبهته وشم العبيد،
ثم نادى... وأمر:
اقتلوا هذي القصيدة
ساحة الإعدام ديوان الأناشيد العنيدة!
أخبروا السلطان،
أن البرق لا يُحْبسُ في عُودِ ذُرَهْ
للأغاني منطق الشمس، و تاريخ الجداول
ولها طبع الزلازل
والأغاني كجذور الشجرهْ
فإذا ماتت بأرضٍ،
أزهرت في كل أرضْ
كانت الأغنية الزرقاء فكرهْ
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمرهْ!
كانت الأغنية الحمراء جمرهْ
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثورهْ!
كان صوت الدم مغموساً بلون العاصفة
وحصى الميدان أفواه جروح راعفة
وأنا أضحك مفتونًا بميلاد الرياح
عندما قاومني السلطانُ
أمسكت بمفتاح الصباح
وتلمست طريقي بقناديل الجراحْ
آه كم كنت مصيباً
عندما كرست قلبي
لنداء العاصفة
فلتهبّ العاصفة!
ولتهبّ العاصفة!
المراجع
- ↑ "لبلادنا"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ "عن إنسان"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ ياسين بغورة، تطور الرؤية الفنية في شعر محمود درويش، صفحة 99. بتصرّف.
- ↑ ياسين بغورة، تطور الرؤية الفنية في شعر محمود درويش، صفحة 117. بتصرّف.