مناسبة قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول

صُنّفت قصيدة كعب بن زهير بن أبي سلمى في مدح الرسول أو كما تُسمى بـ "البُردة" أو "بانت سعاد" ضمن عيون الشعر العربي، ومن أجمل ما ورد من قصائد في مدح الرسول الكريم محمد. وفيما يتعلّق بمناسبتها أو القصة التي وقفت خلف نَظْمِها فقد قيل إنّ خبر الدين الجديد -أي الإسلام- شاع وانتشر في الجزيرة العربية، وسمع به كعب بن زهير، فأرسل شقيقه -واسمه بُجَير- ليأتيه بالمزيد من الأخبار حول هذا الدين، فذهب بُجير إلى رسول الله وسمع منه، فأعلن له إسلامه.[١]


وصل خبر إسلام بُجير إلى كعب فغضب غضبًا شديدًا وأرسل إليه أبياتًا يوبّخه فيها ويقلل من شأن الرسول، فلم يكتمها جُبير عن رسول الله وأطلعه عليها، فأعلن النبي إهدار دم كعب بن زهير، بعدها أرسل بُجير كتابًا إلى يُخبره فيها بما جرى ويُخيفه، وطلب منه القدوم إلى النبي مسلمًا معتذرًا، فما كان من كعب إلا أن استجاب له، وجاء بين يدي الرسول تائبًا مسلمًا، وأنشد أمامه هذه القصيدة، فلما انتهى منها ألقى عليه النبي بُردته؛ لذلك سًمّيت القصيدة بالبُردة.[١]


نص قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول

قال كعب بن زهير في هذه القصيدة:[٢]


بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ




لوحات قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول

نظم كعب بن زهير قصيدته هذه على شاكلة القصائد الجاهلية في بنائها؛ أي أنها جاءت مقسمة إلى لوحات عدة، وهي كالآتي:[٣]

  • اللوحة الأولى (المقدمة الغزلية أو النسيب): تمثل الأبيات (1-13)، استلهم الشاعر في بداية القصيدة -كعادة الشعر الجاهلي- وجود محبوبة له، فنعتها بألفاظ غزلية معددًا محاسنها وجمالها، وهي لم تكن مقصودة لذاتها أو أنها شخصية حقيقية، بل كانت متخيّلة محمّلة بدلالات عدة تعبّر عن الحالة النفسية التي يمرّ بها الشاعر واعتذاره من الرسول الكريم، وقد اختار هذه المقدمة للفت انتباه السامعين.
  • اللوحة الثانية (الناقة): تمثل الأبيات (14-34)، وفي هذه اللوحة تحدّث الشاعر عن رحلة الناقة التي ستوصله إلى محبوبته بعد أن ابتعدت عنه وذهبت إلى أرضٍ بعيدة، وفي ذلك إشارة وتعبير عن طريق الشاعر نفسه في الوصول إلى غايته وهي الاعتذار من الرسول ومدحه.
  • اللوحة الثالثة (الوشاة): تمثل الأبيات (35-38)، جاءت هذه اللوحة بمثابة حجّة لجأ إليها الشاعر للدفاع عن نفسه عمّا بدر منه، وليدفع العقاب عنه.
  • اللوحة الرابعة (مدح الرسول): تمثل الأبيات (39-51)، وهي الغاية الأساسية والغرض الرئيس في القصيدة، فعدد الشاعر مناقب الرسول وصفاته وأخلاقه الكريمة ومنها العفو، كما ذكر دوره في نشر الهداية والنور.
  • اللوحة الخامسة (مدح الصحابة): تمثل الأبيات (52-58)، جاء بها الشاعر ليُثبت موقفه أكثر ويستميل قلوب الصحابة للوقوف في صفّه وقبول النبي محمد لاعتذاره.


خصائص قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول

امتازت قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول بمجموعة من الخصائص والسمات، منها الآتي:[٤]

  • بروز عاطفة الشاعر بصورة واضحة، وقدرته على استمالة قلوب السامعين.
  • استخدام لغة عذبة رقيقية تلائم الغاية من نظم القصيدة.
  • حفاظ بناء القصيدة وهيكلها على شكل القصيدة الجاهلية.
  • توظيف التشبيهات والصور الفنية التي أدت دورًا بارزًا في الإقناع والتأثير.

المراجع

  1. ^ أ ب محمد بريبادي، قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير بن أبي سلمى، تحليل الأسلوب الأدبي، صفحة 11. بتصرّف.
  2. علي فاعور، ديوان كعب بن زهير، صفحة 60. بتصرّف.
  3. وائل علي محمد السيد، قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير، قراءة في ضوء المنهج الحجاجي، صفحة 14. بتصرّف.
  4. يزيد رزقي، بانت سعاد لكعب بن زهير.pdf قصیدة بانت سعاد لكعب بن زھیر، دراسة نقدية، صفحة 64. بتصرّف.