شاعت قصيدة صوت صفير البلبل على ألسنة الناس، واشتهرت بينهم بأنها قصيدة نظمها الأصمعي وألقاها أمام الخليفة المنصور، وهذا ما يشكّ به نقّاد الأدب للعديد من الأسباب التي سنتطرق إليها في المقال.


قصيدة صوت صفير البلبل



صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ الماءُ وَالزَهرُ مَعاً مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي وَسَيِّدِي وَمَولى لِي فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ فَقالَ لا لا لا لا لا وَقَد غَدا مُهَرولِ وَالخُوذُ مالَت طَرَباً مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت وَلي وَلي يا وَيلَ لِي فَقُلتُ لا تُوَلوِلي وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي قالَت لَهُ حينَ كَذا اِنهَض وَجد بِالنقَلِ وَفِتيةٍ سَقَونَنِي قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي شَمَمتُها بِأَنَفي أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي وَالرَقصُ قَد طابَ لِي شَوى شَوى وَشاهشُ عَلى حِمارِ أَهزَلِ يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ كَمَشيَةِ العَرَنجلِ وَالناسِ تَرجم جَمَلِي فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع خَلفي وَمِن حُوَيلَلي لَكِن مَشَيتُ هارِباً مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ حَمراء كَالدَم دَمَلي أَجُرُّ فيها ماشِياً مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي أَقولُ فَي مَطلَعِها صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ



هل قصيدة صوت صفير البلبل للأصمعي؟

يشكّ نقّاد الأدب في صحة نسب قصيدة صوت صفير البلبل للأصمعي، فلم تذكر أي من كتب الأدب أنّه نظم تلك القصيدة، ولم تُذكر إلا في كتاب "إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس" لمؤلفه الإتليدي الذي ذكرها بعد نحو 9 قرون من زمن الأصمعي، وهو قاصّ ولا يعد من العلماء المحقّقين، كما أنّ القصيدة ركيكة تحتوي على أخطاء نحويّة وعروضيّة وهو ما لم يظهر بقصائد الأصمعي المنسوبة له حقيقةً.[١]


كما أنّ المؤرخين لم يذكروا وجود علاقة بين الأصمعي والخليفة أبي جعفر المنصور الذي يقال بأن القصيدة ذكرت أمامه، فقد كان شاباً حينها ولم يكن مشهوراً في ذلك الوقت، ومن المعروف أيضاً أنّ المؤرّخين وصفوا أبا جعفر المنصور بالبخل وحرصه على المال، وهو ما يتناقض مع تبذير الخليفة لأموال الدّولة من أجل قصيدة.


قصة قصيدة صوت صفير البلبل

سنذكر قصة قصيدة صوت صفير البلبل التي اشتُهرت بين الناس وحفظوها عن ظهر قلب، مع التحفّظ -كما ذكرنا- على صحّتها:


كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يتميز بقدرته على حفظ أي قصيدة يسمعها من أول مرة، فيدّعي أمام الشاعر مؤلف القصيدة أنه سمعها من قبل فيسردها عليه كما هي، وكان للخليفة غلام يحفظ ما يسمعه من المرة الثانية، وجارية تحفظ ما تسمعه من المرة الثالثة، فكانت تلك حيلته أمام الشعراء بأنه يسرد القصيدة التي ألقاها الشاعر أمامه لأول مرة، ثم يعيد إلقاءها الغلام ثم الجارية، مدّعياً أنها قصيدة قد سمعوا بها من قبل.


أراد المنصور أن يُعجز الشعراء عن الإتيان بقصيدة جديدة، فجعل مكافأة لمن يأتي بقصيدة لم يسمع بها من قبل، وهي وزن ما كتبت عليه ذهباً، فتحدّاه الأصمعي ونظم قصيدة "صوت صفير البلبل" التي احتوت على كلمات غريبة وصعبة الحفظ، فلما ألقاها على مسامع الخليفة والغلام والجارية، لم يستطع أي منهم إعادة سردها، وما كان من الخليفة إلا أن يعطيه المكافأة التي وعدها بها، ولكن الأصمعي بذكائه كان قد نقش القصيدة على لوح رخام بوزن صندوق كامل من الذهب، فصُدِم الخليفة وأمره بأن يتراجع عن أخذ المكافأة، وافق الأصمعي بشرط أن يدفع للشعراء جزاءهم على قصائدهم الذي لم يحصلوا عليه بسبب خداع الخليفة لهم.


المراجع

  1. تركي بن الحسن الدهماني، الأصمعي حجة الادب ولسان العرب، صفحة 183. بتصرّف.