صلاح عبد الصبور

هو محمد صلاح الدين عبد الصبور، ولد في الثالث من شهر مايو 1931، بمدينة الزقازيق بمصر، وعاش حياته بالقاهرة وتوفي فيها أيضًا، ويعد صلاح عبد الصبور من أهم شعراء الشعر الحر العربي، وهو رمز من رموز الحداثة العربية التي قد تأثرت بالفكر الغربي، وبدا جليًا هذا في شعره، ويعتبر من الشعراء النادرين الذين ساهموا في كتابة الكثير من المسرحيات، وفي التنظير للشعر الحر، وله الكثير من المؤلفات، فبلغ عدد دواوينه الشعرية ستة دواوين نشرت في مجلدٍ واحد بعنوان الأعمال الكاملة، وكتب ثلاث مسرحيات شعرية، وثلاث قصص قصيرة.[١]


قصيدة هل كان حبًا

يقول صلاح عبد الصبور:[٢]

هل كان ما بيننا

حبًا....وعشناه

أم كان حلمًا...عندما

أدركنا الصبح نسيناه

أم أننا خفنا علي قلبنا

وفي ثري الخوف دفناه

لو عاش، لو فتحت للشمس عيناه

كنا رعيناه

لما تركناه

في مهمهٍ رميناه

في قلبه أنفاسه تبكي

إننا هجرناه

يا أيها الحب الذي ماتا

لو يرجع اليوم الذي فاتا

لو عاد يوم منك لعشناه..

هل كان حبًا


قصيدة الحب

يقول صلاح عبد الصبور:[٣]

“لأن الحب مثل الشعر... ميلاد بلا حسبان

لأن الحب مثل الشعر ما باحت به الشفتان

بغير أوان

لأن الحب قهّار كمثل الشعر

يرفرف في فضاء الكون لا تعنو له جبهة

وتعلو جبهة الإنسان

أحدثكم -بداية ما أحدثكم- عن الحبِ

حديث الحب يوجعني ويطربني ويشجيني

ولما كان خفق الحب في قلبي هو النجوى إلى الصاحب

حملت الحب في قلبي، فأوجعني، فأوجعني

ولما كان خفق الحب في قلبي هو الشكوي إلى الصاحب

شكوت الحب للأصحاب وللدنيا، فأوجعني

ولما صار خفق الحب في قلبي هو السلوى

لأيامٍ بلا طعمٍ، وأشباحٍ بلا صورة

وأمنية مجنحة بجــوف النفس مكسورة

حملت الحب للمحبوب، ثم دنوت من قلبه

وقلت له أتيتك... لا كبـير النفس، لا تيّاه

ولا في الكمّ جوهرة، ولا في الصدر وشُحْتُ

ولكني إنسانٌ فقير الجيب والفطنة

ومثل الناس أبحث عن طعامي في فجاج الأرض

وعن كوخ وإنسان ليستر ما تعرّيتُ

وحين أدار لي وجهًا شريف اللمح والصورة

تغنيتُ ...... تغنيتُ


قصيدة القديس

يقول صلاح عبد الصبور:[٤]

إليّ، إليّ، يا غرباء يا فقراء يا مرضى

كسيري القلب والأعضاء، قد أنزلت مائدتي

إليّ، إليّ

لنَطْعَمَ كسرة من حكمة الأجيال مغموسه

بطيش زماننا الممراح

نُكسِّر، ثم نشكر قلبنا الهادي

ليرسينا على شط اليقين، فقد أضل العقل مسرانا

إليّ إليّ

أنا، طوفت في الأوراق سواحاً، شبا قلمي

حصاني، بعد أن حلمت بي الأوهام والغفله

سنين طوال، في بطن اللجاج، وظلمة المنطق

وكنت إذا أجن الليل، واستخفى الشجيونا

وحنّ الصدر للمرفق

وداعبت الخيالات الخليينا

ألوذ بركني العاري، بجنب فتيلي المرهق

وأبعث من قبورهم عظاماً نخرة ورؤوس

لتجلس قرب مائدتي، تبث حديثها الصياح والمهموس

وإن ملت، وطال الصمت، لا تسعى بها أقدام

وإن نثرت سهام الفجر، تستخفي كما الأوهام

وقالت:

بأن النهر ليس النهر، والإنسان لا الإنسان

وأن حفيف هذا النجم موسيقى

وأن حقيقة الدنيا ثوت في كهف

وأن حقيقة الدنيا هي الفلسان فوق الكف

وأن الله قد خلق الأنام، ونام

وأن الله في مفتاح باب البيت

لا تسأل غريقاً كُبّ في بحرٍ على وجهه

لينفخ بطنه عشباً وأصدافاً وأمواها

كذلك كنت

وذات صباح

رأيت حقيقة الدنيا

سمعت النجم والأمواه والأزهار موسيقى

رأيت الله في قلبي

لأني حينما استيقظت ذات صباح

رميت الكتب للنيران، ثم فتحت شُباكي

وفي نفس الضحى الفواح

خرجت لأنظر الماشين في الطرقات، والساعين للأرزاق

وفي ظل الحدائق أبصرت عيناي أسرابًا من العشاق

وفي لحظة

شعرت بجسمي المحموم ينبض مثل قلب الشمس

شعرت بأنني امتلأت شعاب القلب بالحكمة

شعرت بأنني أصبحت قديسًا

وأن رسالتي هي أن أقدسكم.


قصيدة أجافيكم لأعرفكم

يقول صلاح عبد الصبور:[٥]

أنا شاعر

ولكن لي بظهر السوق أصحاب أخلاء

وأسمر بينهم بالليل أسقيهم ويسقونى

تطول بنا أحاديث الندامى حين يلقونى

على أني سأرجع فى ظلام الليل حين يفض سامركم

وحين يغور نجم الشرق فى بيت السما الأزرق

إلى بيتى

لأرقد فى سماواتي

وحيداً .. فى سماواتي

وأحلم بالرجوع إليكم طلقاً وممتلئاً

بأنغامي .. وأبياتي

أجافيكم لأعرفكم



قصيدة الظل والصليب

يقول صلاح عبد الصبور:[٦]

هذا زمان السأم

نفخ الأراجيل سأم

دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل ..

سأم

لا عمق للألم

لأنه كالزيت فوق صفحة السأم

لا طعم للندم

لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة..

…ويهبط السأم

يغسلهم من رأسهم إلى القدم

طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم

نفن فيها جثث الأفكار و الأحزان، من ترابها..

يقوم هيكل الإنسان

إنسان هذا العصر والأوان

(أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر

قابلني الفكر، ولكني رجعت دون فكر

أنا رجعت من بحار الموت دون موت

حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،

وعدت دون موت

أنا الذي أحيا بلا أبعاد

أنا الذي أحيا بلا آماد

أنا الذي أحيا بلا ظل.. ولا صليب

الظل لص يسرق السعادة

ومن يعش بظله يمشي إلى الصليب، في نهاية الطريق

يصلبه حزنه، تسمل عيناه بلا بريق

يا شجر الصفصاف: إن ألف غصن من غصونك الكثيفة

تنبت في الصحراء لو سكبت دمعتين

تصلبني يا شجر الصفصاف لو فكرت

تصلبني يا شجر الصفصاف لو ذكرت

تصلبني يا شجر الصفصاف لو حملت ظلي فوق كتفي، وانطلقت

وانكسرت

أو انتصرت

إنسان هذا العصر سيد الحياة

لأنه يعيشها سأم

يزني بها سأم

يموتها سأم


****

قلتم لي:

لا تدسس أنفك فيما يعني جارك

لكني أسألكم أن تعطوني أنفي

وجهي في مرآتي مجدوع الأنف


****

ملاحنا ينتف شعر الذقن في جنون

يدعو إله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين

(ينشده أبناءه وأهله الأدنين، والوسادة التي لوى عليها فخذ زوجه، أولدها محمداً وأحمداً وسيداً

وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها أنس ولا شيطان)

(يدعو إله النعمة الأمين أن يرعاه حتى يقضي الصلاة،

حتى يؤتى الزكاة، حتى ينحر القربان، حتى يبتني بحر ماله كنيسة ومسجداً وخان)

للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان

ملاحنا يلوي أصابعاً خطاطيف على المجداف والسكان

ملاحنا هوى إلى قاع السفين، واستكان

وجاش بالبكا بلا دمع .. بلا لسان

ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب

.. والأحباب والزمان المكان

عادت إلى قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال

ومد جسمه على خط الزوال

يا شيخنا الملاح ..

.. قلبك الجريء كان ثابتاً فما له أستطير

أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد

ثم قال:

-هذي جبال الملح والقصدير

فكل مركب تجيئها تدور

تحطمها الصخور

وانكبتا .. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور

- هذي إذن جبال الملح والقصدير

وافرحا .. نعيش في مشارف المحظور

نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير التوقع المرير

وبعد آلاف الليالي من زماننا الضرير

مضت ثقيلات الخطى على عصا التدبر البصير

ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل

وطار قلبه من الوجل

كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم

حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع

ولم يعش لينتصر

ولم يعش لينهزم

ملاح هذا العصر سيد البحار

لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم

لأنه يموت قبل أن يصارع التيار


****

هذا زمن الحق الضائع

لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله

ورؤوس الناس على جثث الحيوانات

ورؤوس الحيوانات على جثث الناس

فتحسس رأسك!

فتحسس رأسك!


وللتعرف إلى قصائد شعراء آخرين: قصائد عبد الوهاب البياتي.

المراجع

  1. مكتبة الإسكندرية، صلاح عبد الصبور، صفحة 1-6. بتصرّف.
  2. صلاح عبد الصبور، أقول لكم، صفحة 34-35.
  3. صلاح عبد الصبور، أقول لكم، صفحة 42-43.
  4. صلاح عبد الصبور، أقول لكم، صفحة 59-62.
  5. صلاح عبد الغفور، أقول لكم، صفحة 66.
  6. صلاح عبد الصبور، أقول لكم، صفحة 81-90.