البّحر المَديدُ

يُعدَُ البَّحرُ المَديدُ مِنَ البُحورِ الشِّعريَّةِ الَّتي قلّ النَّظمُ عليها، كما رأى الشُعراءُ أنَّهُ وزنٌ قديمٌ جدًّا فهجروه، ومِنهُم من علَّلَ ذلكَ بأنّهُ ثقيلٌ على السّمع، ويُؤكِّدُ ذلك ضآلة ما وُرِدَ منه. ويَقولُ الدّكتور غازي يموت في كِتابه بحور الشّعر العربيّ: "وقف الشّعراءُ المُحدّثون، الموقف نفسه من النّظمِ على هذا البّحر، فقد أهملوه وانصرفوا إلى غيرِهِ"، وتَعودُ تسمية البحر المَديد -الذي وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع بحور الشعر كلها- إلى امتدادِ سباعييه حول خماسييه، كما قيلَ بأنّه ترجعُ تسميته إلى امتداد سببين خفيفين في كلّ تفعيلةٍ من تفعيلاتِه السباعية، وفي قولٍ آخر، "فنُسِبت تسميتُهُ إلى امتداد الوتد المجموع في وسط أجزائه السباعيّة".[١]


تفعيلات البَحر المَديد

إنّ البحر المَديد يجري على تفعيلاتٍ أساسيّة ألا وهي:

فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُن***فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُن[٢]


مفتاح البَحر المَديد

لِكُلِّ بحرٍ شعريّ مفتاحٌ يُميِّزُهُ، كَما يُسهِمُ حفظُ المُفتاحِ على حفظِ تفعيلاته، ومفتاح بحر المديد الّذي يُميِّزُ تفعيلاتِه، هوَ:

لِمَديدِ الشِّعرِ عندي صفاتُ *** فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُن [٣]


الضَّربُ والعَروض

يأتي ضربُ المَديدِ صحيحًا (فاعلاتن)، أو مقصورًا (فاعلات)، أو محذوفًا مخبونًا (فعِلُن)، أو مبتورًا (فاعِل). [٤]

كما تأتي عروض هذا البحر إما صحيحة مرة (فاعلاتن)، وإما محذوفة مرة (فاعلن)، أو محذوفة مخبونة (فَعِلُن). [٤]


أنواع البحر المديد

للبحر المديد ستّةُ أنواعٍ، قُسِّمت حسب أعاريضِهِ وضُروبِه أشهرُها الثّلاثة الأولى:[٥]

  • النّوع الأول: العروض صحيحة (فاعلاتن)، والضَّرب صحيح (فاعلاتن). ومثال على ذلك قول أبي العتاهية: إنّ دارًا نحن فيها لدارُ**ليس فيها لمقيمٍ قرارُ.
  • النّوع الثاني: العروض محذوفة (فاعلن)، والضّربُ مقصورٌ (فاعلات). ومثالُ على ذلك قول الشّاعر: يا وميض البرق بين الغمامْ**لا عليها بل عليك السّلامْ
  • النّوع الثّالث: العروض محذوفة مخبونة (فعِلنْ)، والضّرب محذوف مخبون (فعِلنْ). ومثال على ذلك قول الشّاعر علي الجارم: طائر يشدو على فننِ**جَدَّدَ الذّكرى لذي شجنِ.
  • النّوع الرابع: العروض محذوفة (فاعلن)، والضرب محذوف (فاعلن). ومثال على ذلك قول الشّاعر: فالهوى لي قدر غالبٌ**كيف أعصي القدر الغالبا
  • النّوع الخامس: العروض محذوفة (فاعلن)، والضّرب مبتور(فاعلُ). ومثالُ على ذلك قول الشّاعر: وثنٌ يعبُدُ في روضةٍ**صيغ مِنْ دُرٍّ ومِرجانِ
  • وأما النّوع السّادس والأخير: فالعروض محذوفة مخبونة (فعِلن)، والضّرب مبتورٌ (فاعلُ). ومثالٌ على ذلك قول الشّاعر: طالَ تكذيبي وتصديقي**لم أجد عهدًا لمخلوق.


مشطور المَديد

يأتي مشطور المديد على أربع تفعيلات، أي نصف عدد التّفعيلات المكون منها البحرُ أصلًا، فيُسمى عندئذٍ مشطور المديد، ويُنظمُ عليه القليل من الشّعر، على الرّغم من أنّ موسيقاهُ جميلة، مثال قول الشاعر: والمنايا**رصدٌ للفتى** حيث سلك.[٦]

فاعلاتن فعلن فاعلاتن فعلن


خصائص البَحر المَديد

  • يأتي المَديد على نوعين أساسيين ألا وهُما: المَديد التامَ، ومَشطور المَديد. [٧]
  • يحتوي المَديد على ثلاثة أعاريض وستة أضرب، عروضُهُ الأولى مجزوءة وضربُها مثلُها، وأما عروضُه الثَّانية فمحذوفة وأضربُها ثلاثة: محذوف، مقصور، وأبتر، وعروضه الثَّالثة مخبونة محذوفة ولَها ضَربان: الأول مخبونٌ محذوف، والثّاني أبتَر. [٨]


نموذج لقصيدة كُتبت على بحر المديد

قول الشّاعر أبو العتاهية (لا فرح يدوم ولا حزن):[٩]


سَكَنٌ يَبقى لَهُ سَكَنُ ما بِهَذا يُؤذِنُ الزَمَنُ! نَحنُ في دارٍ يُخَبِّرُنا عَن بِلاها ناطِقٌ لَسِنُ دارُ سَوءٍ لَم يَدُم فَرَحٌ لِامرِئٍ فيها وَلا حَزَنُ ما تَرى مِن أَهلِها أَحَداً لَم تَمِل فيها بِهِ الفِتَنُ عَجَباً مِن مَعشَرٍ سَلَفوا أَيَّ غَبنٍ بَيِّنٍ غُبِنوا وَفَّروا الدُنيا لِغَيرِهِمُ وَابتَنَوا فيها وَما سَكَنوا تَرَكوها بَعدَما اشتَبَكَت بَينَهُم في حُبِّها الإِحَنُ كُلُّ حَيٍّ عِندَ ميتَتِهِ حَظُّهُ مِن مالِهِ الكَفَنُ إِنَّ مالَ المَرءِ لَيسَ لَهُ مِنهُ إِلّا ذِكرُهُ الحَسَنُ ما لَهُ مِمّا يُخَلِّفُهُ بَعدُ إِلّا فِعلُهُ الحَسَنُ في سَبيلِ اللَهِ أَنفُسُنا كُلُّنا بِالمَوتِ مُرتَهَنُ


المراجع

  1. الدكتور غازي يموت، بحور الشّعر العربيّ عروض الخليل، صفحة 53-54. بتصرّف.
  2. عبد العزيز عتيق، علم العروض والقافية، صفحة 39. بتصرّف.
  3. إميل بديع يعقوب، المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، صفحة 132. بتصرّف.
  4. ^ أ ب غازي يموت، بحور الشعر العربي عروض الخليل، صفحة 54. بتصرّف.
  5. الدكتور غازي يموت ، بحور الشعر العربي عروض الخليل، صفحة 54-57. بتصرّف.
  6. الدكتور غازي يموت، بحور الشعر العربي عروض الخليل، صفحة 59. بتصرّف.
  7. غازي يموت، بحور الشّعر العربي عروض الخليل، صفحة 60. بتصرّف.
  8. عدنان حقّي، المفصل في العروض والقافية وفنون الشّعر، صفحة 32. بتصرّف.
  9. أبو العتاهية، ديوان أبي العتاهية، صفحة 412.