خرج من تونس الجميلة عدد كبير من الشعراء المميزين والبارزين في الأدب العربي، ومن أهمهم الشاعر أبي القاسم الشابي الذي ترك بصمة كبيرة في الشعر العربي، وتفرّد بأسلوب خاص به ميّزه عن غيره من الأدباء، وفي ما يأتي ذكرنا عدّة قصائد لأبي القاسم الشابي تحدث فيها عن الحرية، إلى جانب عدد من القصائد الأخرى الجميلة ضمن موضوعات مختلفة.


قصيدة خلقت طليقًا كالنسيم

يقول أبو القاسم الشابي في هذه القصيدة:[١]


خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاهْ وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروجِ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُودِ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاهْ فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيودِ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاهْ وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاةِ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاهْ وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجرِ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاهْ وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوفِ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاهْ أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاهْ ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاةِ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاهْ ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاعِ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاهْ وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغريرُ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاهْ وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاحِ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاهْ وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيقُ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاهْ إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميلٌ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِلهْ



قصيدة إرادة الحياة

تعدّ هذه القصيدة واحدة من أشهر قصائد أبي القاسم الشابي، وقد تعرّض فيها إلى الحرية، فقال في بعض أبياتها:[٢]


إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرُّعودِ وعزفِ الرّياحِ وَوَقْعِ المَطَرْ وقالتْ ليَ الأَرضُ لما سألتُ أيا أمُّ هل تكرهينَ البَشَرْ أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ وأَلعنُ مَنْ لا يماشي الزَّمانَ ويقنعُ بالعيشِ عيشِ الحجرْ هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ فلا الأُفقُ يَحْضُنُ ميتَ الطُّيورِ ولا النَّحْلُ يلثِمُ ميْتَ الزَّهَرْ



قصيدة سأعيش رغم الداء والأعداء

يقول فيها أبو القاسم الشابي:[٣]


سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً بالسُّحْبِ والأَمطارِ والأَنواءِ لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيبَ ولا أرَى مَا في قَرارِ الهُوَّةِ السَّوداءِ وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعرِ حالِماً غَرِداً وتلكَ سَعادةُ الشعَراءِ أُصْغي لمُوسيقى الحَياةِ وَوَحْيِها وأذيبُ روحَ الكَوْنِ في إنْشَائي وأُصيخُ للصَّوتِ الإِلهيِّ الَّذي يُحْيي بقلبي مَيِّتَ الأَصْداءِ وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني عَنْ حَرْبِ آمالي بكلِّ بَلاءِ لا يُطْفِئُ اللَّهبَ المؤجَّجَ في دمي موجُ الأسى وعواصفُ الأَزراءِ فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ فانَّهُ سيكون مثلَ الصَّخرة الصَّمَّاءِ لا يعرفُ الشَّكوى الذليلَة والبكا وضراعَة الأَطفالِ والضّعفاءِ ويعيشُ جبَّاراً يحدِّق دائماً بالفجر بالفجرِ الجميلِ النَّائي املأْ طريقي بالمخاوفِ والدُّجى وزوابعِ الأَشواكِ والحصباءِ وانْشر عليه الرُّعب واثر فوقه رُجُمَ الرَّدى وصواعقَ البأساءِ سَأَظلُّ أمشي رغمَ ذلك عازفاً قيثارتي مترنِّماً بغنائي أَمشي بروحٍ حالمٍ متَوَهِّجٍ في ظُلمةِ الآلامِ والأَدواءِ النُّور في قلبي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ إنِّي أنا النَّايُ الَّذي لا تنتهي أنغامُهُ ما دام في الأَحياءِ وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ ليس تزيدُهُ إلاَّ حياةً سَطْوةُ الأَنواءِ



أشعار أخرى لأبي القاسم الشابي

فيما يأتي بعض القصائد الأخرى لأبي القاسم الشابي:


قصيدة سرت في الروض

يقول فيها:[٤]


سِرْتُ في الرَّوضِ وقد لاحَتْ تَباشيرُ الصَّباحِ وجَناحُ الفَجْرِ يومي نَحْوَ رَبَّاتِ الجَناحِ والدُّجى يَسْعى رُوَيْداً سَعْيَ غَيْداءَ رَدَاحِ ونَسيمُ الصُّبْحِ يَسْري سَجْسَجاً فَوقَ البِطاحِ وخَريرُ النَّهْرِ سَكْرا نٌ وزَهْرُ الرَّوضِ صاحِ فَرَنَتْ نَحْوَ جَلالِ الكَوْ نِ جَوْناءُ اللِّياحِ ثمَّ بانَتْ في سُفو رٍ فاضِحٍ أيَّ افْتِضاحِ فاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدى الدَّا مِسِ من كاسِ الأقاحِ واعْتَلَتْ بَلْقيسُ عَرْشَ اللَّيلِ في تِلْكََ النَّواحي ثمَّ مالَتْ لِغُروبٍ بَعْدَ إضْرامِ الكِفاحِ واستوى اللَّيلُ بِرَغْمِ الشَّمْ سِ في العَرْشِ الفُساحِ هكذا الدَّهرُ بأزياءٍ غُدُوٍ ورُواحِ وضياءٍ وظلامٍ وسُكونٍ وصِياحِ ونَشيدٍ وفَواحٍ وانقِباضٍ وانْشِراحِ إنَّما الدَّهرُ وَميثا قُ اللَّيالي كَشُجاحِ



قصيدة يا أيها الغاب المنمم

يقول فيها الشابي:[٥]


يا أَيُّها الغابُ المُنَمْ مَقُ بالأَشعَّةِ والوردْ يا أَيُّها النُّورُ النَّقِيٌّ وأيُّها الفجرُ البعيدْ أين اختفيتَ وما الَّذي أَقْصاكَ عن هذا الوُجُودْ آهٍ لقدْ كانتْ حَياتي فيكَ حالمةً تَمِيدْ بَيْنَ الخَمائِلِ والجَداوِلِ والتَّرنُّمِ والنَّشيدْ تُصغي لنجواكَ الجميلَةِ وهي أُغنِيَةُ الخٌلودْ وتعيشُ في كونٍ من الغَفَلاتِ فتَّانٍ سَعيدْ آهٍ لقدْ غنَّى الصَّباحُ فدَمْدَمَ اللَّيلُ العَتيدْ وتأَلَّقَ النَّجمُ الوضِيءُ فأَعْتَمَ الغيمُ الرَّكُودْ ومضَى الرَّدى بسَعَادتي وقضى على الحُبِّ الوَليدْ


المراجع

  1. "قصيدة خُلقت طليقًا كالنسيم"، الديوان. بتصرّف.
  2. أبو القاسم الشابي، ديوان أبي القاسم الشابي، صفحة 406. بتصرّف.
  3. "قصيدة سأعيش رغم الداء والأعداء"، الديوان. بتصرّف.
  4. "قصيدة سرت في الروض"، الديوان. بتصرّف.
  5. "قصيدة يا أيها الغاب المنمم"، البيت العربي. بتصرّف.