تجلّت روح العصر ومظاهر الحياة في زمن الدولة العباسية بصورة واضحة في شعر أبي نواس الذي يعدّ أحد أبرز شعراء العصر العباسي؛ فقد اتجه به نحو اللهو واللذة ووصف الخمر بطريقته الخاصة حتى عرف بشاعر الخمريات، التي عبّر من خلالها عن مكنونات نفسه، إلى جانب ذلك نظم أبو نواس في بعض الأغراض الشعرية الأخرى، كالرثاء، والعتاب، والزهد، وفي هذا المقال نماذج وأبيات من شعر أبي نواس.


أبيات من قصيدة دموع الفراق

يقول أبو نواس في هذه القصيدة:[١]


أَبَت عَينايَ بَعدَكِ أَن تَناما وَكَيفَ يَنامُ مَن ضَمِنَ السُقاما بَكَيتُ مِنَ الفِراقِ لِما أُلاقي وَراجَعتُ الصَبابَةَ وَالغَراما وَعُدتُ إِلى العِراقِ بِرَغمِ أَنفي وَفارَقتُ الجَزيرَةَ وَالشَآما عَلى شَطِّ الشَآمِ وَساكِنيهِ سَلامُ مُسَلِّمٍ لَقِيَ الحِماما مُذَكَّرَةٌ مُؤَنَّثَةٌ مَهاةٌ إِذا بَرَزَت تُشَبِّهُها الغُلاما تَعافُ الماءَ وَالعَسَلَ المُصَفّى وَتَشرَبُ مِن فُتُوَّتِها المُداما تَقولُ لِسَيفِها يا سَيفُ أَبشِر سَتُروى مِن دَمٍ وَتَقُدُّ هاما



أبيات من قصيدة صبوح

يقول الشاعر واصفًا الخمر في هذه الأبيات:[٢]


ذَكَرَ الصَبوحَ بِسُحرَةٍ فَاِرتاحا وَأَمَلَّهُ ديكُ الصَباحِ صِياحا أَوفى عَلى شَعَفِ الجِدارِ بِسُدفَةٍ غَرِداً يُصَفِّقُ بِالجَناحِ جَناحا بادِر صَباحَكَ بِالصَبوحِ وَلا تَكُن كَمُسَوِّفينَ غَدَوا عَلَيكَ شِحاحا إِنَّ الصَبوحَ جِلاءُ كُلِّ مُخَمِّرٍ بَدَرَت يَداهُ بُكَأسِهِ الإِصباحا وَخَدينِ لَذّاتٍ مُعَلَّلِ صاحِبٍ يَقتاتُ مِنهُ فُكاهَةً وَمُزاحا نَبَّهتُهُ وَاللَيلُ مُلتَبِسٌ بِهِ وَأَزَحتُ عَنهُ حُثاثَهُ فَاِنزاحا قالَ اِبغِني المِصباحَ قُلتُ لَهُ اِتئد حَسبي وَحَسبُكَ ضَوءُها مِصباحا فَسَكَبتُ مِنها في الزُجاجَةِ شَربَةً كانَت لَهُ حَتّى الصَباحِ صَباحا مِن قَهوَةٍ جاءَتكَ قَبلَ مِزاجِها عُطُلاً فَأَلبَسَها المِزاجُ وِشاحا شَكَّ البِزالُ فُؤادَها فَكَأَنَّما أَهدَت إِلَيكَ بِريحِها تُفّاحا صَفراءُ تَفتَرِسُ النُفوسَ فَلا تَرى مِنها بِهِنَّ سِوى السِناتِ جِراحا



أبيات من قصيدة لا تسقني سرًا

يقول أبو نواس في وصف الخمر الأبيات الآتية:[٣]


ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ وما الغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا وما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ فَبُحْ باسْمِ من تهوى ، ودعني من الكنى فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر ولا خيرَ في فتكٍ بدونِ مجانة ولا في مجونٍ ليس يتبعُه كفرُ بكلّ أخي فتكٍ كأنّ جبينَه هِلالٌ، وقد حَفّتْ به الأنجمُ الزُّهرُ و خَمّارَةٍ نَبّهْتُها بعد هجْعَة، وقد غابت الجوزاءُ وارتفعَ النّسرُ فقالت: من الطُّرّاق؟ قلنا: عصابة خفافُ الأداوَى يُبْتَغَى لهُم خمرُ



أبيات من قصيدة دمعة على أبي البيداء

يقول أبو نواس في الرثاء الأبيات الآتية:[٤]


هَل مُخطِئٌ حَتفَهُ عُفرٌ بِشاهِقَةٍ رَعى بِأَخيافِها شَثّاً وَطُبّاقا مُسَوَّرٌ مِن حَباءِ اللَهِ أَسوِرَةً يَركَبنَ مِنها وَظيفَ القَينِ وَالساقا أَو لَقوَةٍ أُمِّ اِنهيمَينِ في لُجُفٍ شَبيهَتَيها شَفا خَطمٍ وَآماقا مُهَبَّلٌ دينُها يَوماً إِذا قَلَبَت إِلَيهِ مِن مُستَكَفِّ الجَوِّ حِملاقا أَو ذو شِياهٍ أَغَنِّ الصَوتِ أَرَّقَهُ وَبلٌ سَرى ماخِضَ الوَدقَينِ غَيداقا حَتّى إِذا جَعَلَ الإِظلامُ يَعرِضُهُ شَمائِلاً وَرَأى لِلصُبحِ إيلاقا غَدا كَأَنَّ عَلَيهِ مِن قَواطِرِهِ بِحَيثُ يَستَودِعُ الأَسرارَ أَخلاقا أَو ذو نَحائِصَ أَشباهٍ إِذا نَسَقَت مَناسِجاً وَثَنَت مَلطاً وَأَطباقا شَتَونَ حَتّى إِذا ما صِفنَ ذَكَّرَها مِن مَنهَلٍ مَورِداً فَاِشتَقنَ وَاِختاقا يَؤُمُّ عَيناً بِها زَرقاءَ طامِيَةً يَرى عَلَيها لُجَينَ الماءِ أَطراقا زارَ الحَمامُ أَبا البَيداءِ مُختَرِماً وَلَم يُغادِر لَهُ في الناسِ مِطراقا وَيلُمِّهِ صِلُّ أَصلالٍ إِذا جَفَلوا يَرَونَ كُلَّ مُعَيِّ القَولِ مِغلاقا يا رُبَّ عَوراءَ ذي قُربى كَتَمتُ وَلَو فَشَت لَأَلقَت عَلى الأَعناقِ أَطواقا وَمِن قَوارِعَ قَد أَخرَستَ ناطِقَها يَحمِلنَ مِن مُخطَفاتِ القَومِ أَوساقا



أبيات من قصيدة أسف على الماضي

يقول الشاعر أبو نواس في قصيدته هذه بعد أن اتجه إلى الزهد:[٥]


اِصبِر لِمَرِّ حَوادِثِ الدَهرِ فَلَتَحمَدَنَّ مَغَبَّةَ الصَبرِ وَاِمهَد لِنَفسِكَ قَبلَ ميتَتِها وَاِذخَر لِيَومِ تَفاضُلِ الذُخرِ فَكَأَنَّ أَهلَكَ قَد دَعوكَ فَلَم تَسمَع وَأَنتَ مُحَشرَجُ السَدرِ وَكَأَنَّهُم قَد عَطَّروكَ بِما يَتَزَوَّدُ الهَلكى مِنَ العِطرِ وَكَأَنَّهُم قَد قَلَّبوكَ عَلى ظَهرِ السَريرِ وَظُلمَةِ القَبرِ يا لَيتَ شِعري كَيفَ أَنتَ عَلى ظَهرِ السَريرِ وَأَنتَ لا تَدري أَو لَيتَ شِعري كَيفَ أَنتَ إِذا غُسِّلتَ بِالكافورُ وَالسِدرِ أَو لَيتَ شِعري كَيفَ أَنتَ إِذا وُضِعَ الحِسابُ صَبيحَةَ الحَشرِ ما حُجَّتي فيما أَتَيتُ وَما قَولي لِرَبّي بَل وَما عُذري



أبيات من قصيدة يا سائل الله

يقول أبو نواس:[٦]


يا سائِلَ اللَهِ فُزتَ بِالظَفَرِ وَبِالنَوالِ الهَنِيِّ لا الكَدَرِ فَاِرغَب إِلى اللَهِ لا إِلى بَشَرٍ مُنتَقِلٍ في البِلى وَفي الغِيَرِ وَاِرغَب إِلى اللَهِ لا إِلى جَسَدٍ مُنتَقِلٍ مِن صِباً إِلى كِبَرِ إِنَّ الَّذي لا يَخيبُ سائِلُهُ جَوهَرُهُ غَيرُ جَوهَرِ البَشَرِ



المراجع

  1. أحمد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 286. بتصرّف.
  2. أحمد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 37. بتصرّف.
  3. أحمد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 64. بتصرّف.
  4. "هل مخطئ حتفه"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  5. "اصبر لمر حوادث الدهر"، الديوان. بتصرّف.
  6. "يا سائل الله"، بوابة الشعراء. بتصرّف.