مناسبة قصيدة أبي البقاء الرندي الرثائية
نظم أبو البقاء الرندي قصيدته هذه في ثاء بلده العزيز الأندلس بعد أن أصابها الخراب وبدأت مدنها تتهواى وتسقط شيئًا فشيئًا، عندما بدأ سطان غرناطة ابن الأحمر محمد الغالب بن يوسف التنازل عن عدد من مدن الأندلس واحدة تلو الأخرى للإسبان، طلبًا لرضاهم وأملًا في أن يُبقوه على حُكمه، فقال أبو البقاء الرندي هذه القصيدة طالبًا من أهل العدوة الإفريقية من بني مرين النصرة، ومعبرًا عن ألمه وحسرته على ما حدث للأندلس.[١][٢]
نص قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
يبلغ عدد أبيات قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس (43) بيتًا، وهي كالآتي:[٣]
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
خصائص قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
امتازت قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس بمجموعة من الخصائص والميزات، منها الآتي ذكره:[٤]
- اختيار الأصوات والحروف والإيقاعات الملائمة لعاطفة الحزن والحسرة التي سيطرت على القصيدة من بدايتها.
- اتسمت مرثية أبي البقاء الرندي بقدر كبير من البلاغة.
- توظيف أسلوبي النداء والاستفهام بكثرة في هذه القصيدة، وهما الأكثر ملائمة للمضمون العام لها.
- استخدام ألفاظ ذات رموز ودلالات دينية إسلامية، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الحدث المذكور لا يتعلق بالأندلس وأهلها وحدهم، بل بالمسلمين جميعًا.
- توظيف المفردات والعبارات التي تدل على التأوه والتوجّع.
- تضمين الحكمة بين أبيات القصيدة.
مؤلف قصيدة رثاء الأندلس
تعود هذه القصيدة إلى الأديب والناقد والشاعر الملقّب بأبي البقاء الرندي، واسمه صالح بن أبي الحسن بن يزيد بن صالح بن موسى الرندي -أي من أهل رُندة-، كنيته أبو الطيب، لم ترد الكثير من المعلومات عن شخصيته وظروف معيشته وبيئته، لكنه بصورة عامة يعدّ واحدًا من أبرز شعراء الأندلس، فحظي بمكانة مرموقة في عصره، وقد عُرِف بشاعريته الفذّة وقدرته الكبيرة على النظم.[٥]
ولقراءة معلومات عن المزيد من القصائد الجميلة: قصيدة دمشق، قصيدة سفر.
المراجع
- ↑ منذر ذيب كفافي، تشكيل اللغة الشعرية مرثية أبي البقاء الرندي النونية نموذجًا، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ زياد طارق لفتة، أبو البقاء الرندي حياته وشعره، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ "قصيدة لكل شيء إذا ما تم نقصان"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ بوعلام رزيق، الخصائص الأسلوبية في نونية أبي البقاء الرندي، صفحة 94. بتصرّف.
- ↑ زياد طارق لفتة، أبو البقاء الرندي حياته وشعره، صفحة 5. بتصرّف.