ربّما يُمكن القول إنّ الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد واحد من أبرز الشعراء الجاهليين الذين فخروا بأنفسهم وعددوا مناقبهم في الشعر، ولعل ذلك نابع من نبذ قومه وقبيلته له، فقد عاش بينهم عبدًا لأنّ أمه حبشية ووالده لم يعترف به، فراح يُنشد أشعارًا وقصائد في الفخر والشجاعة عدة يصور فيها فروسيته وشجاعته في مواجهة العدا في أرض المعارك، سعيًا منه إلى إثبات حريته وتأكيدها حتى نيلها، وفي هذا المقال قدمنا لكم مجموعة من قصائد عنترة بن شداد في الفروسية.


قصيدة إذا خصمي تقاضاني

يقول فيها الشاعر عنترة:[١]


إِذا خَصمي تَقاضاني بِدَينِ قَضَيتُ الدَينَ بِالرُمحِ الرُدَيني وَحَدُّ السَيفِ يُرضينا جَميعاً وَيَحكُمُ بَينَكُم عَدلاً وَبَيني جَهِلتُم يا بَني الأَنذالِ قَدري وَقَد عَرَفَتهُ أَهلُ الخافِقينَ وَما هَدَمَت يَدُ الحِدثانِ رُكني وَلا اِمتَدَّت إِلَيَّ بَنانُ حَيني عَلَوتُ بِصارِمي وَسِنانِ رُمحي عَلى أُفقِ السُها وَالفَرقَدَينِ وَغادَرتُ المُبارِزَ وَسطَ قَفرٍ يُعَفِّرُ خَدَّهُ وَالعارِضينَ وَكَم مِن فارِسٍ أَضحى بِسَيفي هَشيمَ الرَأسِ مَخضوبَ اليَدَينِ يَحومُ عَلَيهِ عِقبانُ المَنايا وَتَحجُلُ حَولَهُ غِربانُ بَينِ وَآخَرُ هارِبٌ مِن هَولِ شَخصي وَقَد أَجرى دُموعَ المُقلَتَينِ وَسَوفَ أُبيدُ جَمعَكُمُ بِصَبري وَيَطفا لاعِجي وَتَقَرُّ عَيني



قصيدة أراه أهل ذلك

يقول عنترة بن شداد في هذه القصيدة واصفًا فرسه:[٢]


جَزى اللَهُ الأَغَرَّ جَزاءَ صِدقٍ إِذا ما أوقِدَت نارُ الحُروبِ يَقيني بِالجَبينِ وَمَنكِبَيهِ وَأَنصُرُهُ بِمُطَّرَدِ الكُعوبِ وَأُدفِئُهُ إِذا هَبَّت شَمالاً بَليلاً حَرجَفاً بَعدَ الجَنوبِ أَراهُ أَهلَ ذَلِكَ حينَ يَسعى رُعاءُ الحَيِّ في طَلَبِ الحَلوبِ فَيُخفِقُ تارَةً وَيُفيدُ أُخرى وَيَفجَعُ ذا الضَغائِنِ بِالأَريبِ إِذا سَمِنَ الأَغَرُّ دَنا لِقاءٌ يُغِصُّ الشَيخَ بِاللَبَنِ الحَليبِ شَديدُ مَجالِزِ الكَتِفَينِ نَهدٌ بِهِ أَثَرُ الأَسِنَّةِ كَالعُلوبِ وَأُكرِهُهُ عَلى الأَبطالِ حَتّى يُرى كَالأُرجُوانِيِّ المَجوبِ أَلَستَ بِصاحِبي يَومَ اِلتَقَينا بِسَيفَ وَصاحِبي يَومَ الكَثيبِ



قصيدة نزاحف زحفًا

أنشد عنترة بن شداد هذه القصيدة في إغارته على بني ضبة وتميم، فيقول فيها:[٣]


طَرِبتَ وَهاجَتكَ الظِباءُ السَوارِحُ غَداةَ غَدَت مِنها سَنيحٌ وَبارِحُ تَغالَت بِيَ الأَشواقُ حَتّى كَأَنَّما بِزَندَينِ في جَوفي مِنَ الوَجدِ قادِحُ وَقَد كُنتَ تُخفي حُبَّ سَمراءَ حِقبَةَ فَبُح لِانَ مِنها بِالَّذي أَنتَ بائِحُ لَعَمري لَقَد أَعذَرتُ لَو تَعذِرينَني وَخَشِّنتِ صَدراً غَيبُهُ لَكَ ناصِحُ أَعاذِلَ كَم مِن يَومِ حَربٍ شَهِدتُهُ لَهُ مَنظَرٌ بادي النَواجِذِ كالِحُ فَلَم أَرَ حَيّاً صابَروا مِثلَ صَبرِنا وَلا كافَحوا مِثلَ الَّذينَ نُكافِحُ إِذا شِئتُ لاقاني كَميٌّ مُدَجَّجٌ عَلى أَعوَجِيٍّ بِالطِعانِ مُسامِحُ نُزاحِفُ زَحفاً أَو نُلاقي كَتيبَةً تُطاعِنُنا أَو يَذعَرُ السَرحَ صائِحُ فَلَمّا اِلتَقَينا بِالجِفارِ تَصَعصَعوا وَرُدَّت عَلى أَعقابِهِنَّ المَسالِحُ وَسارَت رِجالٌ نَحوَ أُخرَى عَليهُمُ ال حَديدُ كَما تَمشي الجِمالُ الدَوالِحُ إِذا ما مَشَوا في السابِغاتِ حَسِبتَهُم سُيولاً وَقَد جاشَت بِهِنَّ الأَباطِحُ فَأَشرَعتُ راياتٍ وَتَحتَ ظِلالِها مِنَ القَومِ أَبناءُ الحُروبِ المَراجِحُ وَدُرنا كَما دارَت عَلى قَطبِها الرُحى وَدارَت عَلى هامِ الرِجالِ الصَفائِحُ بِهاجِرَةٍ حَتّى تَغيَّبَ نورُها وَأَقبَلَ لَيلٌ يَقبَضُ الطَرفَ سائِحُ تَداعى بَنو عَبسٍ بِكُلِّ مُهَنَّدٍ حُسامٍ يُزيلُ الهامَ وَالصَفُّ جانِحُ وَكُلَّ رُدَينِيٍّ كَأَنَّ سِنانَهُ شِهابٌ بَدا في ظُلمَةِ اللَيلُ واضِحُ فَخَلّوا لَنا عوذَ النِساءِ وَجَبِّبوا عَبابيدَ مِنهُم مُستَقيمٌ وَجامِحُ وَكُلَّ كَعابٍ خَذلَةِ الساقِ فَخمَةٍ لَها مَنصِبٌ في آلِ ضَبَّةَ طامِحُ تَرَكنا ضِراراً بَينَ عانٍ مُكَبَّلٍ وَبَينَ قَتيلٍ غابَ عَنهُ النَوائِحُ وَعَمرواً وَحَبّاناً تَرَكنا بِقَفرَةٍ تَعودُهُما فيها الضِباعُ الكَوالِحُ يُجَرِّرنَ هاماً فَلَقَتها رِماحُنا تَزَيَّلُ مِنهُنَّ اللِحى وَالمَسائِحُ



قصيدة كأنّ رماحهم

يقول عنترة بن شداد في هذه القصيدة القصيرة:[٤]


تَرَكتُ جُرَيَّةَ العَمرِيَّ فيهِ شَديدُ العَيرِ مُعتَدِلٌ سَديدُ تَرَكتُ بَني الهُجَيمِ لَهُم دَوارٌ إِذا تَمضي جَماعَتُهُم تَعودُ إِذا يَقَعُ السِهامُ بِجانِبَيهِ تَأَخَّرَ قابِعاً فيهِ صُدودُ فَإِن يَبرَأ فَلَم أَنفِث عَلَيهِ وَإِن يُفقَد فَحُقَّ لَهُ الفُقودُ وَهَل يَدري جُرَيَّةُ أَنَّ نَبلي يَكونُ جَفيرَها البَطَلُ النَجيدُ كَأَنَّ رِماحَهُم أَشطانُ بِئرٍ لَها في كُلِّ مَدلَجَةٍ خُدودُ



قصيدة وفوارس لي

يقول عنترة بن شداد:[٥]


وَفَوارِسٍ لي قَد عَلِمتُهُمُ صُبُرٍ عَلى التَكرارِ وَالكَلمِ يَمشونَ وَالماذِيُّ فَوقَهُمُ يَتَوَقَّدونَ تَوَقُّدَ الفَحمِ كَم مِن فَتىً فيهِم أَخي ثِقَةٍ حُرٍّ أَغَرَّ كَغُرَّةِ الرَأمِ لَيسوا كَأَقوامٍ عَلِمتُهُمُ سودِ الوُجوهِ كَمَعدَنِ البُرمِ عَجِلَت بَنو شَيبانَ مُدَّتَهُم وَالبُقعُ أَستاهاً بَنو لَأمِ كُنّا إِذا نَفَرَ المَطِيُّ بِنا وَبَدا لَنا أَحواضُ ذي الرَضمِ نُعدي فَنَطعَنُ في أُنوفِهِمُ نَختارُ بَينَ القَتلِ وَالغُنمِ إِنّا كَذَلِكَ يا سُهَيَّ إِذا غَدَرَ الحَليفُ نَقورُ بِالخَطمِ وَبِكُلِّ مُرهَفَةٍ لَها نَفَذٌ بَينَ الضُلوعِ كَطُرَّةِ الفَدَمِ


المراجع

  1. "إذا خصمي تقاضاني"، الديوان. بتصرّف.
  2. "جزى الله الأغر جزاء صدق"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  3. حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 26. بتصرّف.
  4. حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 30. بتصرّف.
  5. "وفوارس لي قد علمتهم"، الديوان. بتصرّف.