نمر بن عدوان

هو نمر بن قبلان بن نمر حمدان بن عدوان، لقبه المستشرقون بشاعر الحب والوفاء، وهو الشاعر الفارس، وأمير شعر الأردن في البادية، اشتهر بشجاعته، وتحلى بكل صفات الفروسية التي سبق بها عصره ومحيطه، علاوةً على أخلاقه الدمثة، وإحساسه المرهف، وكرمه، وصدقه، وشهامته.


كما عُرف باحترامه، وحبّه، ووفائه للمرأة، وقد اقترن اسمه باسم وضحا، وهي فتاة أحبها حبًا جمًا من النظرة الأولى، لتكون زوجته فيما بعد، وحولها تدور معظم أشعاره وحروبه، وتندرج أشعاره تحت مظلة الشعر النبطي قديم النشأة، والذي وفد إلى البادية، ويُقال بأنه يعود أيضًا إلى أنباط البتراء العرب.[١][٢]


مولد ونشأة نمر بن عدوان

يقال بأن الشاعر الأردني نمر بن قبلان العدوان قد وُلد في البلقاء في عام 1745م تقريبًا، وكان هذا بعد أن صلى والده "قبلان" إلى الله، ورأى في الحلم بأن أعداؤه يهاجمونه، فيردعهم نمر ويتصدى لهم، وبذلك بشّرته زوجته "نوفة" بأنها ستلد له غلامًا، ليسميه نمرًا، ولم تنجب والدته قبله إلا إناثًا على مدى عشرين عامًا.


ولكن توفي والد نمر، فنُسِب إلى عمه بركات الذي تزوج من أمه، وفرحوا جميعًا به فرحًا هائلًا، فلم يشعر باليتم أبدًا، كما أنه قد سُمي بعبد العزيز في البداية، ثم أُطلق عليه فيما بعد اسم النمر.[٣]


علم وثقافة نمر بن عدوان

يذكر بأن نمرًا كانت تحدوه ملامح النجابة والذكاء منذ صغره، علاوةً على تكوينه الجسماني الذي أقرب ما يكون وصفه بالرجولة والبداوة، فتنبأ به من رأوه بأنه سيصبح شيخًا، وقد تم وصف عيناه بأنهما كأعين الصقر، وكان ذو قوامٍ سمهري، وخُلُقٍ كريم، الأمر الذي جعل سائحة أجنبية تعجب به، فطلبت من عمه بركات ووالدته بأن يسمحوا لها بأخذه ليتعلم، فقبلا بعد إصرارٍ شديدٍ منها، فأخذته معها إلى القدس لخمس سنوات، ثم صحبته إلى الأزهر ليتابع حلقات العلم فيه لمدة خمس سنوات أخرى، وعاد بعد ذلك إلى ديار عشيرته حاملًا معه علمه، وشغفه في قراءة القرآن الكريم، وأشعار المتنبي.[٣]


زعامة وبداوة نمر بن عدوان

تولى نمر بن عدوان زعامة قبيلته في واقعة مرج أبو عيشة ضد سكان البلقاء، فتغلبوا عليهم بالقرب من منطقة حسبان، ومن بعد هذه الواقعة، بقيَ زعيمًا حتى 20 سنة لعشيرة العدوان، ليتنازل عن هذا المنصب بعد ذلك لحمود بن صالح العدوان.[٤]


كان نمر العدوان مجسدًا لصفات البداوة، كالشجاعة النادرة، والكرم والإيثار، والأصالة والأمانة، والنخوة واحترام الخصم، كما أنه تمرّد على بعض العادات والتقاليد المتزمتة، والتي تهين من شأن المرأة، فقام هو بإعادة شأن المرأة في حياته، إن كانت أمه أو زوجته، وعلم جيدًا بمكانتها وقدّرها.


علاقة نمر بن عدوان مع وضحا

هي وضحا بنت فلاح القضاة، والتي تعود لعشيرة السبيلة، وهي من بني صخر، ذات قوامٍ معتدل، وعينان سوداوان، وشعرٍ طويل كذلك، فيصفها نمر قائلًا: "اللي جدائلها تنوش التراب"، وهي أيضًا جميلة الطلة والمحيا، وذات ثغرٍ باسم، وهدبٍ طويل، وقد اتصفت بالكرم، وحسن الجيرة، وقد وصفها نمر لدى انتظارها له كل ليلةٍ قائلًا: [٥]


إن جيتها زعلان قامت ترضن مثل الشفوق اللي تلهله ولدها



عارض أهالي عشيرة نمر زواجه من وضحا؛ لأن بنات عمه من العدوان كثر، ولا يحق له خطبة أجنبية في وجودهنّ، وممن عارضه الشيخ حمود، الذي كان يغار منه غيرةً شديدةً، فقال في خطبته من وضحا: "باطل كل العدوانيات ما فيهنّ اللي تملأ عين هالقاروط؟ على ويش حاله: ما عمر خطيب قوم سوى نفيلة إلا في قضيب الورق والدفاتر!"، أما عن نمر ورأيه من ذلك كله هو بأنه لم يكترث، وتقدم بجاهة من وجهاء العدوان والأعيان، وقصدوا عشيرة السبيلة، وقد وافقت وضحا وأهلها عليه، إلا أنّ ابن عمها اعترض قائلًا بأنه أولى بها، ولكن والدها تدارك ذلك، وتزوج كلا العاشقين؛ وضحا ونمر، وقد قسم نمر بأنه لن يعرف غير وضحا من النساء امرأة، وهما على قيد الحياة، وقال بيت الشعر:[٦]


ما زولك حيّة، وأنا ما توفيت يحرم عليك سمعك للطلاق



ويذكر بأن نمر قد أكرم زوجته، وعاملها بما هو خارج عادات وتقاليد قبيلته وزمانه آنذاك، وبذلك فإنه ثار على كل الخرافات والخزعبلات التي تحضّ من قيمة المرأة، ولكنهما لم يسلما من أقاويل الناس، وطالت وضحا أحاديث الناس بالأخص لدى ولادتها لطفلتين إناث، الأولى ماتت، وعاشت الثانية، فأُطلق على وضحا بعدها لقب جيّابة البنات، لتلد بعدها ابنهما عقابًا، ويصبح نمر أبو عقاب

[٦]


شعر نمر بن عدوان والمستشرقين

لعل أقدم المستشرقين من الذين بدأوا بالاهتمام في حياة نمر بن عدوان هو المستشرق الألماني وقنصل بروسيا "ويتزستين"، حيث قام بترجمة قصيدة من قصائده للغة الألمانية، وشرحها شرحًا وافيًا، كما أنه كان دائم المحاولة على أن يبعد نمرًا عن أن يتحول إلى أسطورة أو خرافة.


كما تمت ترجمة بعض أشعار الشاعر نمر بن عدوان من قِبل مستشرقين كثر، من مثل الأب الإيطالي أنطون فرجاللي الذي اهتم بأشعاره، وطلب ترجمتها في مجموعةٍ إلا أنها فُقِدت، وقام مستشرق أمريكي يدعى "سبور" بترجمة مختارات من أشعار نمر إلى اللغة الألمانية، ونُشرت في مجلة الشركة الألمانية الشرقية، كما جمع أربعين قصيدة له عام 1904م.


كما عمل المستشرق ألبرت سوسين بجمع قصائد نمر بن عدوان في كتابه "ديوان من أواسط بلاد العرب"، وقد قام روكس بن زائد العزيزي بكتابة كتابه "نمر العدوان شاعر الحب والوفاء"، الذي ضم سيرة حياة الشاعر كاملةً، وأخباره وبعض أشعاره.[٧]


هذا وقد وُضِعت دراسة عنه أيضًا في مجلة أفكار، ودراسة أخرى على شكل مخطوطة عام 1972م، لكنها لم تُنشر، وعلاوةً على جمع المستشرق الألماني الجنسية فون فلن قصائد للشاعر نمر أيضًا.


ومن أشهر أشعار نمر بن عدوان التي يناجي بها قبر زوجته وضحا، فيقول:[٨][٧]


ألا يا قبر وضحا تراني بشيرك بالله وأعطيني البشارة وارجع زوارتك زين المباسم والرضا سايق عليك الله أن تتوسع ناكر أو نكير تهدوا باسوالها أو لنك نشدته بلسانك ارفع


زوجات نمر بن عدوان

تزوج نمر بن عدوان من أربعة نساء، كانت أولهم وضحا التي لم يتزوج عليها في حياتها، وبقيت معه 20 عامًا، وقد أنجبت له عقابًا وسلطان وسارة، وغيرهما ستة من الأولاد وابنتين جميعهم ماتوا، وبعد وفاة وضحا بمرض الكوليرا تزوج من أختها الصغرى وطفا التي بقيت معه 3 سنوات من ثم افترقا، ليتزوج بعدها من الصبية التي كان يناديها رهيفة، والتي عاشت معه 17 عامًا ومن ثم هجرها نمر لمقارنة نفسها بوضحا، ليتزوج بعدها من الجازية والتي بقيت معه 18 سنة.[٩]


وفاة نمر بن عدوان

توفي الشاعر نمر بن عدوان عام 1823م، عن عمر يناهز 78 عامًا.[١٠].


المراجع

  1. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 8 35.
  2. عبدالله بن عبدالعزيز بن ضويحي الضويحي، الإبداع الفني في الشعر النبطي القديم، صفحة 13.
  3. ^ أ ب روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 14-35.
  4. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 33-34.
  5. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 37.
  6. ^ أ ب روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 44 39-41 37.
  7. ^ أ ب روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 12-18.
  8. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 239.
  9. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 17-18.
  10. روكس بن زائد العزيزي، نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، صفحة 29.