الصديق هو من يعرف كيف يخلق الضحكات في وقت الحزن، ويعرف متى وكيف يقف مع صديقه، وهو الذي يعطيك الدعم النفسي دائمًا، ويشعرك بأنك لست وحيدًا في عالم الأحزان؛ فهو السبيل لتقديم العون والتخفيف في وقت الأزمات والحزن، وعندما نمتلك أصدقاءً جيدين سيجعلوننا نزهر ربيعًا، وهم يعرفون متى يجدونك، وفي أي وقتٍ، فلا وجود للتوقيت الزمني مع وجود الأصدقاء، وفي زمننا هذا أصبح من النادر الحصول على صديقٍ وفي، وعلى الرغم من ذلك، فالأصدقاء الجيدون موجودون فقد تغنى الشعراء بهم، وخطت أقلامهم أجمل القصائد الشعرية عن الصديق وجمال أثره في الحياة.


قصيدة دمعة على صديق

يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري:[١]


حَمَلَتْ إليك رسالةَ المفجوعِ عينٌ مرقرقةٌ بفيضِ دموعي لا تبخَسوا قَدْرَ الدموع فانها دفعُ الهموم تَفيضُ من يَنْبوع للنفس حالاتٌ يَلَذُّ لها الأسى وترى البكاءَ كواجبٍ مشروع وأمضَّها فقدُ الشبابِ مضرَّجاً بدمائه من كفِ غير قريع أأبا فلاحٍ هل سمعتَ مَنَاحَةً وَصَلَتْ إلى أسماعِ كلِّ سميع قد كنتَ في مندوحةٍ عن مثلِها لولا قضاءٌ ليس بالمدفوع أبكيكَ للطبعِ الرقيقِ وللحِجىَ أبكي لحبلِ شبابِكَ المقطوع أبكيك لستُ أخْصُّ خلقاً واحداً لكنما أبكي على المجموع جَزَعاً شقيقيه فهذا موقفٌ يَشْقَى به من لم يكنْ بجَزوع أن التجلُّدَ في المصاب تطبُّعٌ والحزنُ شيءٌ في النفوس طبيعي وإذا صدقتُ فانَّ عينَ أبيكما قد خَبَّرَتْ عن قلبِه الصدوع شيخوخةٌ ما كان أحوجَها إلى شملٍ تُسَرُّ بقربِهِ مجموع وبحَسْبِ ” أحمدَ ” لوعة “أنَّ ابنهُ ” ” لبس الغروبَ ولم يَعُدْ لطلوع” لو تأذنون سألتُهُ عن خاطرٍ مُبْكٍ يَهُزُّ فؤادَ كلِّ مَروع أعرفْتَ في ساعاتِ عُمْركَ موقِفاً بَعَثَ الشُّجونَ كساعةِ التوديع؟ إني رأيت القولَ غيرَ مرَّفهٍ لكن رأيتُ الصمت غير بديع فأتتك تُعْرِبُ عن كوامنِ لوعتي مقطوعةٌ هي آهةُ الموجوع



قصيدة إلى صديق غريب

تقول الشاعرة فدوى طوقان:[٢]

صديقي الغريب

لو أنّ طريقي إليك كأمس

لو أن الأفاعي الهوالك ليست

تعربد في كلّ درب

وتحفر قبراً لأهلي وشعبي

وتزرع موتاً ونار

لو أنّ الهزيمة لا تمطر الآن –

أرض بلادي

حجارة خزيٍ وعار

ولو أنّ قلبي الذي تعرف

كما كان بالأمس لا ترعف

دماه على خنجر الانكسار

ولو أنّني يا صديقي كأمس

أدلّ بقومي وداري وعزّي

لكنت إلى جنبك الآن عند –

شواطئ حبّك أرسي

سفينة عمري

لكنّا كفرخي حمام...


قصيدة ما عَزَّ مَن لَم يَصحَبِ الخَذِما

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:[٣]


ما عَزَّ مَن لَم يَصحَبِ الخَذِما فَاِحطِم دَواتَكَ وَاِكسِرِ القَلَما وَاِرحَم صِباكَ الغَضَّ إِنَّهُمُ لا يَحمِلونَ وَتَحمِلُ الأَلَما كَم ذا تُنادِهِم وَقَد هَجَعوا أَحَسِبتَ أَنَّكَ تُسمِعُ الرِمَما ما قامَ في آذانِهِم صَمَمٌ وَكَأَنَّ في آذانِهِم صَمَما القَومُ حاجاتُهُم إِلى هِمَمٍ أَو أَنتَ مِمَّن يَخلِقُ الهِمَما تَاللَهِ لَو كُنتَ اِبنَ ساعِدَةٍ أَدَباً وَحاتِمَ طَيِّئٍ كَرَما وَبَذَذتَ جالِنوسَ حِكمَتَهُ وَالعِلمَ رِسطاطاليسَ وَالشِيَما وَسَبَقتَ كُلُمبوسَ مُكتَشِفاً وَشَأَوتَ آديسونَ مُعتَزِما فَسَلَبتَ هَذا البَحرَ لُؤلُؤَةً وَحَبوتَهُم إِيّاهُ مُنتَظَما وَكَشَفتَ أَسرارَ الوُجودِ لَهُم وَجَعَلتَ كُلَّ مُبَعَّدٍ أَمَما ما كُنتَ فيهِم غَيرَ مُتَّهَمٍ إِنّي وَجَدتُ الحُرَّ مُتَّهَما هانوا عَلى الدُنيا فَلا نِعَماً عَرَفَتهُمُ الدُنيا وَلا نِقَما فَكَأَنَّما في غَيرِها خُلِقوا وَكَأَنَّما قَد آثَروا العَدَما أَو ما تَراهُم كُلَّما اِنتَسَبوا نَصَلوا فَلا عُرباً وَلا عَجَما لَيسوا ذَوي خَطَرٍ وَقَد زَعَموا وَالغَربُ ذو خَطَرٍ وَما زَعَما مُتَخاذِلينَ عَلى جَهالَتِهِم إِنَّ القَوِيَّ يَهونُ مُنقَسِما فَالبَحرُ يَعظُمُ وَهوَ مُجتَمِعٌ وَتَراهُ أَهوَنَ ما يُرى دِيَما وَالسورُ ما يَنفَكُّ مُمتَنِعاً فَإِذا يُناكِرُ بَعضَهُ اِنهَدَما وَالشَعبُ لَيسَ بِناهِضٍ أَبَداً ما دامَ فيهِ الخُلفُ مُحتَكِما يا لِلأَديبِ وَما يُكابِدُهُ في أُمَّةٍ لا تُشبِهُ الأُمَما إِن باحَ لَم تَسلَم كَرامَتُهُ وَالإِثمُ كُلُّ الإِثمِ إِن كَتَما يَبكي فَتَضحَكُ مِنهُ لاهِيَةً وَالجَهلُ إِن يَبكِ الحِجى اِبتَسَما جاءَت وَما شَعَرَ الوُجودُ بِها وَلَسَوفَ تَمضي وَهوَ ما عَلِما سارَ الشُعوبُ إِلى العُلى عَنَقاً وَوَنَت فَلَم تَنقُل لَها قَدَما ما أَحدَثَت في الدَهرِ طارِقَةً تَبقى وَلَيسَ تَليدُها عَلَما ضَعُفَت فَلا عَجَبٌ إِذا اِهتُضِمَت اللَيثُ لَولا بَأسُهُ اِهتُضِما فَلَقَد رَأَيتُ الكَونَ سُنَّتُهُ كَالبَحرِ يَأكُلُ حوتُهُ البَلَما لا يَرحَمُ المِقدامُ ذا خَوَرٍ أَو يَرحَمُ الضِرغامَةُ الغَنَما يا صاحِبي وَهَواكَ يَجذُبُني حَتّى لَأَحسَبُ بَينَنا رَحِما ما ضَرَّنا وَالوِدُّ مُلتَإِمٌ أَن لا يَكونَ الشَملُ مُلتَإِما الناسُ تَقرَءُ ما تُسَطِّرُهُ حِبراً وَيَقرَءُهُ أَخوكَ دَما فَاِستَبقِ نَفساً غَيرُ مُرجِعِها عَضُّ الأَنامِلِ بَعدَها نَدَما ما أَنتَ مُبدِلُهُم خَلائِقَهُم حَتّى تَكونَ الأَرضُ وَهيَ سَما زارَتكَ لَم تَهتِك مَعانيها غَرّاءَ يَهتِكُ نورُها الظُلَما سَبَقَت يَدي فيها هَواجِسُهُم وَنَطَقتُ لَمّا اِستَصحَبوا البُكُما إِذا تُقاسُ إِلى رَوائِعِهِم كانَت رَوائِعُهُم لَها خَدَما كَالراحِ لَم أَرَ قَبلَ سامِعِها سَكرانَ هِدَّ السُكرِ مُحتَشِما يَخدُ القِفارَ بِها أَخو لَجَبٍ يُنسي القِفارَ الأَينَقُ الرَسما أَقبَستُهُ شَوقي فَأَضلُعُهُ كَأَضالِعي مَملوأَةٌ ضَرَما إِنَّ الكَواكِبَ في مَنازِلِها لَو شِئتُ لَاِستَنزَلتُها كَلِما



من قصيدة صفوة الأصفياء

يقول ابن الرومي:[٤]


يا أخي أين رَيْعُ ذاك اللِّقاءِ أين ما كان بيننا من صفاءِ أين مصداقُ شاهدٍ كان يحكي أنك المخلصُ الصحيحُ الإخاءِ شاهدٌ ما رأيت فعلك إلا غير ما شاهدٍ له بالذكاءِ كشفَتْ منك حاجتي هَنواتٍ غُطِّيتْ برهةً بحسن اللقاءِ تركتْني ولم أكن سَيِّئَ الظن نِ أسيءُ الظنونَ بالأصدقاءِ قلت لمّا بدتْ لعينيَ شُنْعاً رُبَّ شوهاءَ في حَشا حسناءِ ليتني ما هتكتُ عنكن سِتراً فثويتُنَّ تحت ذاك الغطاءِ قلن لولا انكشافُنا ما تجلَّت عنك ظَلمَاءُ شُبْهةٍ قتماءِ قلت أعجبْ بكنَّ من كاسفاتٍ كاشفاتٍ غَواشِيَ الظلماءِ قد أَفدتُنَّني مع الخُبْر بالصّا حِبِ أنْ ربَّ كاسفٍ مُستضاءِ قلن أعَجِبْ بمُهْتَدٍ يتمنَّى أنه لم يزل على عمياءِ كنتَ في شُبْهَة فزالت بها عن ك فأوسعتنا من الإزراءِ وتمنيت أن تكون على الحيـ ـرةِ تحت العَماية الطَّخْياءِ قلت تاللَّه ليس مثلي مَنْ وَد دَ ضَلالاً وحيَرةً باهتداءِ غير أنِّي ودِدتُ سترَ صَديقي بدلاً باسْتفادة الأْنباءِ قُلْن هذا هوىً فعرّجْ على الحق قِ وخلِّ الهوى لقلْبٍ هواءِ ليس في الحقِّ أن تودّ لخلٍّ أنَّهُ الدهرَ كامنُ الأدواءِ بلْ من الحقِّ أن تُنقِّر عنْهن نَ وإلَّا فأنت كالبُعَداءِ إن بَحْثَ الطَّبيبِ عنْ داءِ ذي الدَّا ءِ لَأُسُّ الشِّفاءِ قبل الشفاءِ دُونك الكَشْفَ والعتابَ فقوِّم بهمَا كُلَّ خَلَّةٍ عَوْجاءِ وإذا ما بدا لَكَ العُرُّ يوْماً فَتَتَبَّعْ نِقابَه بالهِناء قُلْتُ في ذاك مَوْتُكُنَّ وما المو تُ بمُستعذب لدى الأحْياءِ قُلْن ما الموتُ بالكريه إذا كا ن بحقٍّ فلا تزدْ في المراءِ يا أخي هَبْكَ لم تهبْ ليَ من سَع يك حظاً كسائر البُخلاءِ أَفَلا كان منك ردٌّ جميلٌ فيه للنّفس راحةٌ من عَناءِ أجَزاءُ الصَّديق إيطاؤُهُ العِشـ ـوة حتَى يظلّ كالعشْواءِ تاركاً سعْيَه اتِّكالاً على سَعْـ يـكَ دون الصِّحاب والشُّفعاءِ كالَّذي غرَّه السَّراب بما خيـ ـيَل حتَّى هراق ما في السِّقاءِ يا أبا القاسم الذي كنت أرجوه لدهْري قَطَعْتَ مَتْن الرَّجاءِ بِكرُ حاجاتِ من يعُدُّك للشِد دَةِ طوراً وتارةً للرَّخاءِ نمتَ عنها وما لمثلك عُذْرٌ عند ذي نُهيةٍ على الإغفاءِ قَسَماً لو سألتُ أخرى عَواناً لتَنمَّرْتَ لي مَعَ الأعداءِ لا أجازيك من غروركَ إيا يَ غروراً وُقِّيت سُوء الجزاءِ بل أَرى صِدْقك الحديثَ وما ذا ك لبخلٍ عليك بالإغضاءِ أنتَ عيني وليس من حق عَيني غَضُّ أَجفانها على الأقْذاءِ ما بِأمثالِ ما أتيت من الأم ر يَحُلُّ الفتى ذُرا الْعلْياء لا ولا يكْسب المحامِد في النا س ولا يشتري جميلَ الثناءِ ليس من حلَّ بالمحلِّ الذي أن ت به من سماحةٍ ووفاءِ بَذَلَ الوعْدَ للأخلَّاءِ سَمْحاً وأبى بعد ذاك بذلَ العطاءِ فَغَدا كالْخلافِ يُورقُ للعي ن ويأبى الإثمار كل الإباءِ ليس يرضى الصديقُ منك ببشر تحت مَخْبوره دَفينُ جَفاءِ يا أخي يا أخا الدَّماثة والرق قَة والظَّرف والحِجا والدهاءِ أتُرى الضَّربة التي هي غيبٌ خُلْفَ خمسين ضربةً في وَحَاءِ ثاقِب الرأي نافذ الفكر فيها غير ذي فَتْرة ولا إبْطاءِ وتُلاقيك شيعةٌ فيظلّو ن على ظهر آلةٍ حَدْباءِ تَهزمُ الجمع أوحديّاً وتُلْوي بالصَّناديد أيَّما إلواءِ



من قصيدة من هم الأصدقاء

يقول الإمام الشافعي:[٥]


إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا


المراجع

  1. عصام عبد الفتاح ، الأعمال الشعرية الكاملة محمد مهدي الجواهري شاعر الرفض والإباء، صفحة 282-229.
  2. فدوى طوقان، الأعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان، صفحة 373.
  3. "قصيدة ما عَزَّ مَن لَم يَصحَبِ الخَذِما"، موسوعة الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/6/2021. بتصرّف.
  4. علي بن العباس بن جريح، كتاب ديوان ابن الرومي، صفحة 21-22.
  5. الدكتور عبد المنعم خفاجي، الإمام الشافعي، صفحة 94. بتصرّف.