الأب هو السند الحقيقي، والظهر الذي يتكئ عليه أي شخصٍ في الحياة، وهو من يحب ويضحي، ويقدم كل شيء لأبنائه بلا مقابل، ويسعى جاهدًا لتحقيق السعادة لهم؛ لأن هذا نابع من حبّه الصادق لهم، وخوفه عليهم، ومسؤوليته اتجاههم، وهو والأم الوحيدين الذين يتمنيان رؤية أبنائهم أفضل منهما دومًا، وإنّ أقل تقديرٍ للأب هو برّه بالفعل وبالكلام الطيب، ومنه الأقوال، والأشعار التي كتبها الشعراء من قلوبهم.


من قصيدة الأسلحة والأطفال

يقول الشاعر بدر شاكر السياب:[١]

وكم من أبٍ آيبٍ في المساءْ

إلى الدارِ من سعيهِ الباكرِ..

وقد زمَّ من ناظريهِ العناءْ

وغشّاهما بالدمِ الخاثرِ

تلقّاهُ في البابِ طفلٌ شرودْ

يكركرُ بالضحكةِ الصافية

فتنهلَّ سمحاءُ ملءَ الوجودْ

وتزرعُ آفاقهُ الداجية

نجوماً وتنسيهِ عبءَ القيودْ


من قصيدة طَوى بَعضَ نَفسي إِذ طَواكَ الثَرى عَنّي

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في رثاء والده:[٢]


طَوى بَعضَ نَفسي إِذ طَواكَ الثَرى عَنّي وَذا بَعضُها الثاني يَفيضُ بِهِ جَفني أَبي خانَني فيكَ الرَدى فَتَقَوَّضَت مَقاصيرُ أَحلامي جَبَيتٍ مِنَ التِبنِ وَكانَت رِياضي حالِياتٍ ضَواحِكاً فَأَقوَت وَعَفَّ زَهرَها الجَزَعُ المُضني وَكانَت دِنانِيَ بِالسُرورِ مليئةً فَطاحَت يَدٌ عَمياءُ بِالخُمرِ وَالدَنِّ فَلَيسَ سِوى طَعمِ المَنِيَّةِ في فَمي وَلَيسَ سِوى صَوتِ النَوادِبِ في أُذُني وَلا حَسَنٌ في ناظِرَيَّ وَقَلَّما فَتَحتَهُما مِن قَبلُ إِلّا عَلى حُسنِ وَما صُوَرُ الأَشياءِ بَعدَكَ غَيرَها وَلَكِنَّما قَد شَوَّهَتها يَدُ الحُزنِ عَلى مَنكبي تِبرُ الضُحى وَعَقيقُهُ وَقَلبِيَ في نارٍ وَعَينايَ في دُجنِ أَبَحتُ الأَسى دَمعي وَأَنهَبتُهُ دَمي وَكُنتُ أُعِدُّ الحُزنَ ضَرباً مِنَ الجُبنِ فَمُستَنكِرٌ كَيفَ اِستَحالَت بَشاشَتي كَمُستَنكِرٍ في عاصِفِ رَعشَةِ الغُصنِ



من قصيدة وأود أن أحيا بفكرة شاعرٍ

يقول الشاعر أبو القاسم الشابي:[٣]


وَأَوَدُّ أَنْ أَحيا بفِكْرَةِ شاعرٍ فأَرى الوُجُودَ يضيقُ عَنْ أَحلامي إلاَّ إِذا قَطَّعْتُ أَسبابي مع الدُّنيا وعِشْتُ لوَحْدتي وظَلامي في الغابِ في الجبلِ البعيدِ عن الورى حيثُ الطَّبيعَةُ والجمالُ السَّامي وأَعيشُ عِيشَةَ زاهدٍ متَنَسِّكٍ مَا إنْ تُدَنِّسْهُ الحَيَاةُ بِذَامِ هجرَ الجماعَةَ للجبالِ تَوَرُّعاً عنها وعَنْ بَطْشِ الحَيَاةِ الدَّامي تمشي حواليه الحَيَاةُ كأنَّها الحلمُ الجميلُ خفيفَةَ الأَقدامِ وَتَخرُّ أَمواجُ الزَّمانِ بهَيْبةٍ قُدْسِيَّةٍ في يَمِّها المُتَرامي فأَعيشُ في غابي حَياةً كُلُّها للفنِّ للأحلامِ للإلهامِ لكِنَّني لا أَستطيعُ فإنَّ لي أُمًّا يَصُدُّ حَنَانُها أَوهامي وصِغارُ إخوانٍ يَرَوْنَ سَلامَهُمْ في الكَائِناتِ مُعَلَّقاً بسَلامي فَقَدوا الأَبَ الحاني فكنتُ لضُعْفِ هِمْ كهفاً يَصُدُّ غَوائلَ الأَيَّامِ ويَقِيهمُ وَهجَ الحَيَاةِ ولَفْحَها ويذودُ عنهم شَرَّةَ الآلامِ فأَنا المُكَبَّلُ في سَلاسلَ حيَّةٍ ضحَّيتُ مِنْ رَأَفي بها أَحلامي وأَنا الَّذي سَكَنَ المدينَةَ مُكْرَهاً ومشى إلى الآتي بقلبٍ دامِ يُصغي إلى الدُّنيا السَّخيفَةِ راغماً ويعيشُ مِثْلَ النَّاسِ بالأَوهامِ وأَنا الَّذي يحيا بأَرضٍ قَفْرَةٍ مَدْحُوَّةٍ للشَّكِّ والآلامِ هَجَمَتْ بيَ الدُّنيا على أَهوالها وخِضمِّها الرَّحْبِ العميقِ الطَّامي من غيرِ إنذارٍ فأَحْمِلَ عُدَّتي وأَخوضَهُ كالسَّابحِ العَوَّامِ فتحطَّمتْ نفسي على شُطْآنِهِ وتأَجَّجتْ في جَوِّهِ آلامي الويلُ في الدُّنيا التي في شَرْعِها فأْسُ الطَّعامِ كريشَةِ الرّسَّامِ



من قصيدة تحمل عن أبيك الثقل يومًا

يقول الشاعر أبو العلاء المعري:[٤]


تحمّلْ عن أبيكَ الثّقلَ، يوماً فإنّ الشّيخَ قد ضَعُفتْ قواهُ أتَى بكَ عن قَضاءٍ لم تُرِدْهُ وآثَرَ أن تَفوزَ بما حَواه صَديقُكَ في الجِهارِ عدوُّ سِرٍّ فلا تأسَفْ إذا شحَطَتْ نَواه. ركنتَ إلى الفَقيرِ، بغَيرِ عِلمٍ، وكم زَوْرٍ لسائِلِهِ رَواه وما في نَشرِ هذا الخلقِ نُعمى فهل يُلحَى الزّمانُ إذا طَواه؟ فصِيلُ أخيك يَشكو طولَ ظمأٍ بما لاقَى فصيلُكَ من غَواه وكيفَ يؤمّلُ الإنسانُ رُشداً وما يَنفَكُّ مُتّبِعاً هَواه يَظُنُّ بنَفسِهِ شرفاً وقدْراً كأنّ اللَّهَ لم يخلُقْ سِواه ألا تَثني جِمالَكَ نحوَ مَرْعًى فهَذا الرّملُ لم يَنبُتْ لِواه ولَستُ بمُدرِكٍ أمراً قريباً إذا ما خالقي عنّي زَواه



من قصيدة إذا جاريت في خلقٍ دنيئًا

يقول الشاعر أبو تمام عن أهمية وجود الأب:[٥]


إِذا ما رَأسُ أَهلِ البَيتِ وَلّى بَدا لَهُمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ يَعيشُ المَرءُ ما اِستَحيا بِخَيرٍ وَيَبقى العودُ ما بَقِيَ اللِحاءُ فَلا وَاللَهِ ما في العَيشِ خَيرٌ وَلا الدُنيا إِذا ذَهَبَ الحَياءُ إِذا لَم تَخشَ عاقِبَةَ اللَيالي وَلَم تَستَحيِ فَاِفعَل ما تَشاءُ لَئيمُ الفِعلِ مِن قَومٍ كِرامٍ لَهُ مِن بَينِهِم أَبَداً عُواءُ



من قصيدة أنتجونا

يقول الشاعر سميح القاسم:[٦]

يَا أبتاه...

ما زَالتْ في وَجهكَ عَينان، في أرضِكَ مَا زَالت قَدمان

فاضربْ عَبَرَ اللَّيلِ بِأشأمِ كَارثةٍ في تَاريخِ الإنسان

عَبرَ الليل... لنَخلِق فَجرَ حياة

يا أبتاه...

إن تسْمِـل عَينيكَ زَبانيةُ الأحزان؛ فأنا مِلءُ يَديك

مِسرَجَةٌ تَشربُ مِن زَيت الإيمان

وغداً يا أبتاهُ أُعيدُ إليك... قَسَماً يا أبتاهُ أُعيد إليك

ما سلبتك خطايا القرصان

قسماً يا أبتاه.... باسم الله وباسم الإنسان


من قصيدة تصدق على الأعمى بأخذ يمينه

يقول الشاعر أبو العلاء المعري:[٤]


تَصَدَّق عَلى الأَعمى بِأَخذِ يَمينِهِ لِتَهدِيَهُ وَاِمنُن بِإِفهامِكَ الصُمّا وَإِنشادُكَ العَودَ الَّذي ضَلَّ نَعيُهُ عَلَيكَ فَما بالُ اِمرِئٍ حَيثَما أَمّا وَأَعطِ أَباكَ النَصفَ حَيّاً وَمَيِّتاً وَفَضِّل عَلَيهِ مِن كَرامَتِها الأُمّا أَقَلَّكَ خِفّاً إِذا أَقَلَّتكَ مُثقِلاً وَأَرضَعَتِ الحَولَينِ وَاِحتَمَلَت تِمّا وَأَلقَتكَ عَن جَهدٍ وَأَلقاكَ لِذَّةً وَضَمَّت وَشَمَّت مِثلَما ضَمَّ أَو شَمّا وَأَحمَدُ سَمّاني كَبيري وَقَلَّما فَعَلتُ سِوى ما أَستَحِقُّ بِهِ الذَمّا تُلِمُّ اللَيالي شَأنَ قَومٍ وَإِن عَفَوا زَماناً فَإِنَّ الأَرضَ تَأكُلُهُم لَمّا يَموتونَ بِالحُمّى وَغَرقى وَفي الوَغى وَشَتّى مَنايا صادَفَت قَدَراً حُمّا وَسَهلٌ عَلى نَفسي الَّتي رُمتُ حُزنَها مَبيتُ سُهَيلٍ لِلرَكائِبِ مُؤتَمّا وَما أَنا بِالمَحزونِ لِلدارِ أَوحَشَت وَلا آسِفٌ إِثرَ المَطِيِّ إِذا زُمّا فَإِن شِئتُم فَاِرموا سُهوباً رَحيبَةً وَإِن شِئتُم فَاِعلوا مَناكِبَها الشَمّا وَزاكٍ تَرَدّى بِالطَيالِسِ وَاِدَّعى كَذِمرٍ تَرَدّى بِالصَوارِمِ وَاِعتَمّا وَلَم يَكفِ هَذا الدَهرَ ما حَمَلَ الفَتى مِنَ الثِقلِ حَتّى رَدَّهُ يَحمِلُ الهَمّا وَلَو كانَ عَقلُ النَفسِ في الجِسمِ كامِلاً لَما أَضمَرَت فيما يُلَمُّ بِها غَمّا وَلي أَمَلٌ قَد شُبتُ وَهوَ مُصاحِبي وَساوَدَني قَبلَ السَوادِ وَما هَمّا مَتى يُولِكَ المَرءُ الغَريبُ نَصيحَةً فَلا تُقصِهِ وَأحبُ الرَفيقَ وَإِن ذَمّا وَلا تَكُ مِمَّن قَرَّبَ العَبدَ شارِخاً وَضَيَّعَهُ إِذ صارَ مِن كِبَرٍ هِمّا فَنِعمَ الدَفينُ اللَيلُ إِن باتَ كاتِماً هَواكَ وَبُعداً لِلصَباحِ إِذا نَمّا ذنَهَيتُكَ عَن سَهمِ الأَذى ريشَ بِالخَنى وَنَصَّلَهُ غَيظٌ فَأُرهِفَ أَو سُمّا فَأَرسَلتُهُ يَستَنهِضُ الماءَ سائِحاً وَقَد غاضَ أَو يَستَنضِبُ البَحرَ إِذ طَما يُغادِرُ ظِمأً في الحَشا غَيرَ نافِعٍ وَلَو غاضَ عذباً في جَوانِحِهِ اليَمّا وَقد يُشبِهُّ الإِنسانُ جاءَ لِرُشدِهِ بَعيداً وَيَعدو شِبهُهُ الخالَ وَالعَمّا وَلَستُ أَرى في مَولِدٍ حُكمَ قائِفٍ وَكَم مِن نَواةٍ أَنبَتَت سُحُقاً عُمّا رَمَيتُ بِنَزرٍ مِن مَعائِبَ صادِقاً جَزاكَ بِها أَربابُها كَذِباً جَمّا ضَمِنتُ فُؤادي لِلمَعشِرِ كُلِّهِم وَأَمسَكتُ لَمّا عَظَّموا الغارَ أَو خَمّا



من قصيدة لم توف أشواقي ولا لوعاتي

يقول الشاعر ابن الخيمي:[٧]


إن الزَّمان ولا أطيلُ مُعانِدي في حَلّ راحاتي وأمنياتي لكنَّ كثيرَ ذنوبِهِ مَغفورةٌ عِندي لواحدةٍ مِن الحَسناتِ ببَقاءِ والِدي التَّقي، العالِمِ، ال برِّ، الوفيِّ، العارِفِ، القنَّاتِ ملكُ الكرامِ، وحيد أهلِ زمانه شيخُ المشايخِ، سيُّد الساداتِ


المراجع

  1. بدر شاكر السياب، أنشودة المطر، صفحة 178. بتصرّف.
  2. إيليا ابو ماضي، "قصيدة طوى بعض نفسي إذ طواك الثرى عني"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021. بتصرّف.
  3. الشاعر أبو القاسم الشابي، "وأود أن أحيا بفكرة شاعر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب أبو العلاء المعري، ديوان أبو العلاء المعري، صفحة 763-764. بتصرّف.
  5. الشاعر أبو تمام، "إذا جاريت في خلق دنيئا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ /6/2021. بتصرّف.
  6. الحكواتي، سميح القاسم، صفحة 47-48. بتصرّف.
  7. الشاعر ابن الخيمي، "لم توف أشواقي ولا لوعاتي"، الديوان. بتصرّف.