الحياة هي جسر وطريق طويل نمر به لمحطاتٍ مختلفة، فنقع ونقوم، وننهض ونتعثر، بها الفرح والسعادة، الحزن، والألم والأمل، وبها الكثير من التجارب التي تبعث فينا الحماس، والإرادة، والشغف لنحقق أحلامنا، وبها الكثير من العوائق التي إمّا أن تُحبطنا، أو تمنحنا الإرادة والأمل على تحدي هذه الصعاب لنتخطّاها ونعبرها، فتقوّينا من الداخل، وتعوّدنا على تحمل المسؤولية والصعاب، فهذه هي الحياة، وهذا ما تحتويه.


من قصيدة قُبحًا لوجهك يا زمان

يقول الشاعر المتنبي:[١]


تَصفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ عَمّا مَضى فيها وَما يُتَوَقَّعُ وَلِمَن يُغالِطُ في الحَقائِقِ نَفسَهُ وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فَتَطمَعُ أَينَ الَّذي الهَرَمانِ مِن بُنيانِهِ ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحابِها حيناً وَيُدرِكُها الفَناءُ فَتَتبَعُ لَم يُرضِ قَلبَ أَبي شُجاعٍ مَبلَغٌ قَبلَ المَماتِ وَلَم يَسَعهُ مَوضِعُ كُنّا نَظُنُّ دِيارَهُ مَملوءَةً ذَهَباً فَماتَ وَكُلُّ دارٍ بَلقَعُ وَإِذا المَكارِمُ وَالصَوارِمُ وَالقَنا وَبَناتُ أَعوَجَ كُلُّ شَيءٍ يَجمَعُ المَجدُ أَخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفقَةً مِن أَن يَعيشَ لَها الكَريمُ الأَروَعُ وَالناسُ أَنزَلُ في زَمانِكَ مَنزِلاً مِن أَن تُعايِشَهُم وَقَدرُكَ أَرفَعُ بَرِّد حَشايَ إِنِ اِستَطَعتَ بِلَفظَةٍ فَلَقَد تَضُرُّ إِذا تَشاءُ وَتَنفَعُ ما كانَ مِنكَ إِلى خَليلٍ قَبلَها ما يُستَرابُ بِهِ وَلا ما يوجِعُ وَلَقَد أَراكَ وَما تُلِمُّ مُلِمَّةٌ إِلّا نَفاها عَنكَ قَلبٌ أَصمَعُ وَيَدٌ كَأَنَّ قِتالَها وَنَوالَها فَرضٌ يَحِقُّ عَلَيكَ وَهوَ تَبَرُّعُ يا مَن يُبَدِّلُ كُلَّ يَومٍ حُلَّةً أَنّى رَضيتَ بِحُلَّةٍ لا تُنزَعُ ما زِلتَ تَخلَعُها عَلى مَن شاءَها حَتّى لَبِستَ اليَومَ مالا تَخلَعُ ما زِلتَ تَدفَعُ كُلَّ أَمرٍ فادِحٍ حَتّى أَتى الأَمرُ الَّذي لا يُدفَعُ فَظَلِلتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ فيما عَراكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ بِأَبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ يَبكي وَمِن شَرِّ السِلاحِ الأَدمُعُ وَإِذا حَصَلتَ مِنَ السِلاحِ عَلى البُكا فَحَشاكَ رُعتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقرَعُ وَصَلَت إِلَيكَ يَدٌ سَواءٌ عِندَها البازي الأُشَيهِبُ وَالغُرابُ الأَبقَعُ مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُرى فَقَدَت بِفَقدِكَ نَيِّراً لا يَطلَعُ وَمَنِ اِتَّخَذتَ عَلى الضُيوفِ خَليفَةً ضاعوا وَمِثلَكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ قُبحاً لِوَجهِكَ يا زَمانُ فَإِنَّهُ وَجهٌ لَهُ مِن كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ أَيَموتُ مِثلُ أَبي شُجاعٍ فاتِكٌ وَيَعيشُ حاسِدُهُ الخَصِيُّ الأَوكَعُ أَيدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوالي رَأسِهِ وَقَفاً يَصيحُ بِها أَلا مَن يَصفع



من قصيدة مدرسة الحياة

يقول الشاعر عبد الله البردوني:[٢]


ماذا يريد المرء ما يشفيه يحسو روا الدنيا ولا يرويه ويسير في نور الحياة وقلبه ينساب بين ضلالة والتيه والمرء لا تشقيه إلاّ نفسه حاشى الحياة بأنّها تشقيه ما أجهل الإنسان يضني بعضه بعضًا ويشكو كلّ ما يضنيه ويظنّ أن عدوّه في غيره وعدوّه يمسي ويضحي فيه غرّ ويدمي قلبه من قلبه ويقول: إن غرامه يدميه غرّ وكم يسعى ليروي قلبه بهنا الحياة وسعيه يظميه يرمي به الحزن المرير إلى الهنا حتّى يعود هناؤه يرزيه ولكم يسيء المرء ما قد سرّه قبلا ويضحكه الذي يبكيه ما أبلغ الدنيا وأبلغ درسها وأجلّها وأجل ما تلقيه ومن الحياة مدارس وملاعب أيّ الفنون يريد أن تحويه بعض النفوس من الأنام بهائم لبست جلود الناس للتمويه كم آدمي لا يعدّ من الورى إلاّ بشكل الجسم والتشبيه يصبو فيحتسب الحياة صبيّة وشعوره الطفل الذي يصبيه قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى ما قيمة الإنسان ما يعليه واسمع تحدّثك الحياة فإنّها أستاذة التأديب والتّفقيه وانصب فمدرسة الحياة بليغة تملي الدروس وجلّ ما تمليه سلها وإن صمتت فصمت جلالها أجلى من التصريح والتنويه



من قصيدة النفس تبكي على الدنيا

يقول الإمام علي بن أبي طالب:[٣]


النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت أًمسَت خَراباً وَدانَ المَوتُ دانيها لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّيها فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَهرُ يَقبُضُها وَالنَفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويها



من قصيدة الحياة في شكلها الصحيح

يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري:[٤]


وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكة مخطوبة من أحبَّاء وأعداء قد تمنعُ النفسَ أكفاء ذوي شغف ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعر طرِب طولَ الليالي يُرى في زيّ بكاء فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ أنا الخبيرُ بأشياء وأشياء ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني أنا الخبيرُ بأشياء وأشياء وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء أُريدُها لمسرات، فتعكِسُها وللهناءِ، فَتثنيهِ لإيذاء وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ عيني على غير مشغوفِ بدُنياء ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ تمشي على غير قصد خبطَ عشواء ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها لقابلوها بتبجيل وإطراء



من قصيدة يقولون أسبابُ الحياة كثيرةٌ

يقول الشاعر الشريف الرضي:[٥]


يقولون أسبابُ الحياة كثيرةٌ فقلت وأسبابُ المنونِ كثيرُ وما هذه الأيّامُ إلّا مصائدٌ وأشراكُ مكروهٍ لنا وغُرورُ يُسارُ بنا في كلّ يومٍ وليلةٍ فكم ذا إلى ما لا نُريد نسيرُ وَما الدّهرُ إلّا فرحةٌ ثمّ تَرحةٌ وَما النّاس إلّا مُطلقٌ وأسيرُ



من قصيدة حَياةٌ ما نُريدُ لَها زِيالا

يقول الشاعر أحمد شوقي:[٦]


حَياةٌ ما نُريدُ لَها زِيالا وَدُنيا لا نَوَدُّ لَها اِنتِقالا وَعَيشٌ في أُصولِ المَوتِ سَمٌّ عُصارَتُهُ وَإِن بَسَطَ الظِلالا وَأَيّامٌ تَطيرُ بِنا سَحاباً وَإِن خيلَت تَدِبُّ بِنا نِمالا نُريها في الضَميرِ هَوىً وَحُبّاً وَنُسمِعُها التَبرُّمَ وَالمَلالا قِصارٌ حينَ نَجري اللَهوَ فيها طِوالٌ حينَ نَقطَعُها فِعالا وَلَم تَضُقِ الحَياةُ بِنا وَلَكِن زِحامُ السوءِ ضَيَّقَها مَجالا وَلَم تَقتُل بِراحَتِها بَنيها وَلَكِن سابَقوا المَوتَ اِقتِتالا وَلَو زادَ الحَياةَ الناسُ سَعياً وَإِخلاصاً لَزادَتهُم جَمالا



من قصيدة دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ

يقول الإمام الشافعي:[٧]


دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ


المراجع

  1. المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 491-494. بتصرّف.
  2. ديوان عبد الله البردوني
  3. الإمام علي بن أبي طالب، ديوان الإمام علي بن أبي طالب، صفحة 210.
  4. محمد مهدي الجواهري (1935)، ديوان الجواهري (الطبعة 1)، النجف: بيسان للنشر والتوزيع، صفحة 186-169، جزء 1.
  5. الشاعر شريف الرضي، "قصيدة يقولون أسباب الحياة كثيرة"، موسوعة الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021. بتصرّف.
  6. ديوان أحمد شوقي
  7. تحقيق الدكتور عبد المنعم الخفاجي، ديوان الإمام الشافعي، صفحة 46-47. بتصرّف.