مفهوم الشّعر ولغته

يُعتبر الشّعر واحدًا من أقدم الفنون الأدبيّة، وهو مرآة الحياة والطّبيعة؛ يجسّد فيه الشّاعر صورة الحياة، ويبثّ فيه مشاعره وأحاسيسه، بقالبٍ أدبيّ فنّيّ، يُضفي إحساسًا بالمتعة، غير أنّ هذا المفهوم التّقليديّ للشّعر شهد تطوُّرًا كبيرًا، حيثُ وصفه الجاحظ بقوله: "شيءٌ تجيشُ به نفوسنا فتقذفهُ على ألسنتنا" ووصفه الباروديّ في مقدّمة ديوانه بقوله: "إن الشّعر لمعة خياليّة، يتألّق وميضها في سماوة الفكر، فتنبعث أشعّتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلآلئها نورًا يتّصل خيطه بأسلة اللّسان، فينفث بألوان من الحكمة، ينبلج بها الحالك، ويهتدي بدليلها السَّالط، وخير الكلام ما ائتلفت ألفاظه، وائتلفت معانيه، وكان قريبَ المأخذِ، فهذه صفة الشّعر الجيّد".[١]


نقد النًّصّ الشّعريّ

إنّ تناول أيّ نصّ شعريّ، ودراسته وتحليله، تَعني بشكلٍ أو بآخر نقده أدبيًّا. ونعني بالنّقد اصطلاحًا، كما عُرّف في العصر الحديث: "تلك الشّعبة من الفكر، الّتي تحاول أنْ تتصرّف على ماهيّة الشّعر، ووظيفته، والرّغبات الّتي يحثّها، ولماذا يُكتب". ويعرّف الدّكتور محمّد مندور النّقد على أنّه: "فنّ دراسة الأساليب وتمييزها، ذلك إذا تفهّمنا لفظة الأسلوب بمعناها الواسع، أي علينا أن نتفهّم أنّ المقصود من ذلك ليست طرائق الأداء فحسب، بل المقصود منحى الكاتب العامّ، وطريقته في التّأليف، والتّعبير والتّفكير والإحساس على السّواء" وعلى هذا يتبيّن لنا أنّ النّقد يأخذُ منحنيين اثنين، الأوّل، يُعنى بقراءة النّصّ الشّعريّ قراءةً نقديّةً حاكمة، فيحكم على النّصّ الّذي أمامه بالجودة أو الرّداة، والمنحى الآخر، والّذي يهمّنا في موضوعنا هذا، ويهمّ كلّ راغب في تعلّم طريقة تفسير الأبيات وشرحها وتحليلها، فهو ما يقوم على قراءة النّصّ الشّعريّ قراءةً تحليليّةً، والوقوف على طبيعة الخيال والتّعبير والإبداع والشّعور والتّفكير، ثمّ تحليل النّصّ الأدبي وفق الدّراسات الأدبيّة، مع العلم أنّ الدّراسات النّقديّة ستكون متباينة، ولا ضير في ذلك، إذ لا بدّ من التّجربة الذّاتيّة لدى النّاقد، وتقول الدكتورة هند حسين طه في ذلك: "تقدير النّصّ الأدبيّ تقديرًا صحيحًا، وبيان قيمته في ذاته، ودرجته الأدبيّة بالنّسبة إلى غيره من النّصوص، على أن يكون ذلك مستندًا للفحص الدّقيق، والموازنة العادلة، والتّمييز المؤتمن على المعرفة الصّادقة، ليكون الحكم آنذاك قريبا إلى الصّحة إلى حدٍّ ما".[٢]


كيفية شرح أبيات الشعر

إنّ النّصّ الشّعريّ بناءٌ محكمٌ، يبثّ فيه الشّاعر فيضًا من مشاعره وتوجّهاته، بقالبٍ موزونٍ مقفّى. ويتوجّب على أيّ راغبٍ بدراسة نصٍّ شعريّ ما أن يراعي تحليل النّصّ الشّعريّ بصورةٍ صحيحة أقرب إلى وجهة نظر الشّاعر، ويجب أن يكون تحليل الدّارس للنّصّ فيه مراعاة لتماسك النّصّ وترابطه، خاصّةً أنّ قراءةَ النَّصّ الشّعريّ تحتمل أكثر من تأويل، ويرجع ذلك إلى التّباين في ملكات الذّوق. ولدراسة النّصّ الشّعريّ، لا بدّ من مراعاة الأمور الآتية:[٣]

  • أوّلًا: قراءة النّصّ الشّعريّ من منظور اللّسانيّات البنيويّة، وذلك يكون بقراءة النّصّ الشّعريّ أوّلا، قراءةً تحليليّةً تتناول الجوانب المعجميّة للمفردات ومدلولاتها، ثمّ تناول المفردات على المستوى الصّرفيّ والنّحويّ، فالإلمام بمعرفة بنية الكلمة وتصريفها، واشتقاقها ووظيفتها الإعرابيّة، يُؤدّي بشكل كبيرٍ إلى فهم المقصود.
  • ثانيًا: قراءة النَّصّ الشّعريّ من منظورٍ أسلوبيّ، فاللّغة الشّعريّة تمتاز باحتمالها دلالاتٍ كثيرة، وهذا يعود إلى اختلاف الذّوق العام، ولا بدّ عند دراسة أيّ نصٍّ شعريّ، الإلمام بالجوانب الدّلاليّة للعبارة الواحدة، وربطها بالفكرة العامّة، لتخيّر الدّلالة المناسبة والأدقّ.
  • ثالثًا: قراءة النّصّ الشّعريّ من منظورٍ سيميائيّ، بالبحث في العلاقات الدّلاليّة الّتي تحتمل التّأويل، مع افتراض مدلولات غائبة في الجمل الاسميّة أو الفعليّة، ولتقريب الصّورة أكثر، فلنتأمل نصّ البردة أو قصيدة بانت سعاد للشّاعر كعب بن زهير، عندما قال:


بـانَـتْ سُعــادُ فَقَلْبـي اليَــوْمَ مَتْبــولُ مُتَيَّــمٌ إثْــرَها لـم يُــفَــدْ مَـكْـبـــولُ وَمَــا سُعَــادُ غَــداةَ البَيْــن إِذْ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ كأنَّـــهُ مُنْهَـــلٌ بالـرَّاحِ مَـعْـلُــــــولُ أكْــرِمْ بِهــا خُلَّــةً لـوْ أنَّهـا صَـدَقَـتْ مَوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْـحَ مَقْبــولُ لكِنَّـهـا خُلَّــةٌ قَـدْ سِيـــطَ مِـنْ دَمِــهـا فَجْــعٌ ووَلَـــعٌ وإِخْـــلافٌ وتَبْــديـــلُ



إنّ الغرض من هذا النّصّ الشّعريّ، كما هو معلوم، مدح كعب بن زهير للرّسول محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، وتقديم الاعتذار إليه، على الرّغم من أنّ الشّاعر قد اعتمد في مقدّمته على النّسيب، كعادة الشّعراء، حيث بدأ بالحديث عن سعاد، والمتأمّل في اسم "سعاد" يجد أنّ له رمزًا خفيًّا، ولعلّه يعود إلى السّعادة الّتي كان ينشدها كعب بن زهير، أو ربّما يرمز هذا الاسم إلى السّعادة الزّائلة في الدّنيا والمؤقّتة. وبهذا يكون كعب بن زهير وظّف هذا الاسم كدلالةٍ على رغبته بنيل السّعادة بعفو النّبيّ محمّد عنه، وقبول اعتذاره. والدّارس لهذا النّصّ الشّعريّ مثلا يستطيع قراءته سيميائيّا بملاحظة بناء الشّخصيّات، والزّمان والمكان والأحداث.

  • رابعًا: قراءة النّصّ الشّعريّ من منظور وظائفيّ، عن طريق قراءة النّصّ قراءةً مرجعيّةً، بالعودة إلى مرجعيّات الشّاعر الثّقافيّة، والبحث عن دلالاته التّعبيريّة، وبناء القصيدة الفكريّ، ثمّ قراءة النّصّ قراءةً تعبيريّة انفعاليّة، ودراسة أدواته كالاستفهام، والتّعجّب، وباقي الدّلالات الانفعاليّة، ثمّ دراسة النّصّ الشّعريّ بالطّريقة الإفهاميّة، والانتباهيّة التّحليليّة، ودراسة الوظيفة الشّعريّة.[٣]

المراجع

  1. الدّكتور عبد الصّاحب مهدي علي، في مفهوم الشعر ولغته: خصائص النص الشعري، صفحة 240. بتصرّف.
  2. فضل ناصر حيدرة مكوع العلوّي، نقد النّصّ الأدبيّ حتّى نهاية العصر الأمويّ، صفحة 11-12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد مردف، الخطاب الشعريّ . أيّ منهج ؟.pdf قراءة الخطاب الشّعريّ، صفحة 262-265. بتصرّف.