قصيدة النهر المتجمد

قصيدة النهر المتجمد هي قصيدة نظمها الشاعر اللبناني ميخائيل نُعيمة، المولود سنة 1889م في قرية "بسكنتا" التي تقع في منحدر السفوح الشاهقة لجبال لبنان، وقد كانت هذه القرية بطبيعتها الخلّابة وسحرها مصدر إلهامه؛ فكان مرهف الحسّ وجيّاش العاطفة، ويُذكر أنه عاش طفولة صعبة عانى فيها من الفقر والشقاء، لكنه ثابر واجتهد ولم يستسلم للصعوبات، فحقق قدرًا كبيرًا من العلم والمعرفة التي شكّلت بداية طريقه الأدبي، ومن الجدير بالذكر أنّ ميخائيل نعيمة واحد من شعراء المهجر.[١]

مناسبة قصيدة النهر المتجمد

تعدّ قصيدة النهر المتجمد لميخائيل نعيمة من القصائد التي تناولت موضوعات جديدة مستوحاة من الحياة والطبيعة، استعارها الشاعر للتعبير عن سؤال الذات ولغز الحياة وتبدّل فصولها، وللحديث عن صراعاتها وتناقضاتها المختلفة، فلجأ إلى النهر لإسقاطه على ذاته.[٢][٣]


تحليل قصيدة النهر المتجمد

تنتمي قصيدة النهر المتجمد إلى المذهب الرومانسي الذي يتخذ من الطبيعة ملجأ يبثّ فيها الشاعر مشاعره وأحزانه، وفي ما يأتي تحليلها وشرحها:


شرح المقطع الأول

يُسقط الشاعر هنا مشاعره الحزينة على الطبيعة الموجودة حوله، فشخّص النهر وأعطاه صفات وأفعالًا إنسانية، فهو كالشخص الهَرِم فترت عزيمته ولم يعد يملك القدرة على السير، ويتلو ويقرأ أحاديث الدهر ويستمع لتوجعات الشاعر ويبكي له، وهو هنا يرمز لقلبه الذي جمدت أمانيه، فيقابل بين قيوده وقيود النهر، وتغير حاله بين اليوم والأمس، فيطرح تساؤلات عديدة تدور حول فقدان النهر لوظائفه الحيوية، كما أنّ شجر الصفصاف وسائر الأشجار حول هذا النهر باتت بلا أوراق وبلا جمال، وبدل أن يقف عليها طائر الحسون ويغرد الألحان الجميلة تقف الغربان تنعق وكأنها ترثيه في حزن عميق على ما حلّ به، ويتمثل ذلك في القصيدة بما يأتي:[٤][٥]

يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر؟

أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير؟

بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور

تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور

بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانع في الطريـق

واليومَ قد هبطتْ عليك سكينة اللحدِ العميـق

بالأمس كنـتَ إذا أتيتُك باكيـاً سلَّيْتنـي

واليوم صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي

بالأمس كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجّعِـي

تبكي، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي

ما هذه الأكفان؟ أم هذي قيـود من جليـد

قد كبَّلَتكَ وذلَّلَتـك بها يد البـرد الشديـد؟

ها حولك الصفصاف لا ورق عليه ولا جمـال

يجثو كئيباً كلما مرّت بـهِ ريـح الشمـال

والحور يندب فوق رأسك ناثراً أغصانه

لا يسرح الحسّـون فيـه مـردداً ألحانه

تأتيه أسراب من الغربـان تنعـق في الفضـا

فكأنها ترثي شباباً من حياتك قـد مضـى

وكأنـها بنعيبها عند الصبـاح وفي المسـاء

جوق يشيع جسمك الصافي إلى دار البقـاء


شرح المقطع الثاني

يُشير الشاعر هنا إلى أنّ النهر والطبيعة سيعودان إلى سابق عهدهما في الربيع بعد الذي حلّ بهما في الشتاء، وكل ما فقده النهر من وظائف حيوية في السابق ستعود إليه، وهنا يشخّص الشاعر النهر أيضًا، فصوّر أمواجه بالمرأة الحامل التي تحمل في أحشائها جنينًا والأمواج كذلك تُخبئ داخلها أسرار الليل.[٤][٥]


كما جعل للنهر وجهًا كالإنسان وله ابتسامة جميلة، ويُخبره أنّ النجوم ستعود وتنعكس على مياهه الصافية، والبدر والشمس سيمنحانه من ضيائهما ما يُزيّنه ويُعطيه روح الشباب، والأشجار حوله كذلك ستعود وتتزين بأوراقها وسيقف عليها طائر الحسون يغرّد بصوته الجميل بدلًا من نعيق الغراب، ويتمثل ذلك في القصيدة بما يأتي:[٤][٥]

لكن سينصرف الشتا، وتعود أيـام الربيـع

فتفك جسمك من عقال مكنته يـد الصقيـع

وتكرّ موجتك النقية حرة نحـو البحـار

حُبلى بأسرارِ الدجى، ثملا بأنـوار النهـار

وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهك الصافي النسيم

وتعود تسبح في مياهك أنجم الليل البهيـم

والبدرُ يبسط من سماه عليكَ سترا من لجين

والشمسُ تستر بالأزاهر منكبيك العارييـن

والحَوْر ينسى ما اعتراه من المصائـبِ والمحن

ويعود يشمخ أنفه ويميس مخضـرّ الفنن

وتعود للصفصافِ بعد الشيب أيام الشبـاب

فيغرد الحسّـونُ فوق غصونه بدل الغـراب


السمات الفنية في قصيدة النهر المتجمد

تتسم قصيدة النهر المتجمد بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، يُذكَر منها ما يأتي:[٦]

  • استخدام لغة مألوفة قريبة من المتلقي.
  • توظيف العديد من الصور الفنية المشحونة بالعواطف الإنسانية.
  • رقة الصياغة وانسجام الألفاظ مع بعضها بعضًا.
  • انسجام الموسيقى الخارجية للقصيدة مع مضمونها.


ولقراءة تحليل المزيد من القصائد التي تنتمي إلى المذهب الرومانسي: قصيدة المساء لإيليا أبو ماضي.

المراجع

  1. فاطمة الزهراء محفوظ، سمية كرنان، الصورة في ديوان همس الجفون ليمخائيل نعيمة، صفحة 46. بتصرّف.
  2. سهيلة عمرون، جماليات الاتجاه الوجداني الرومانسي في الشعر العربي الحديث، صفحة 106. بتصرّف.
  3. كريمة هواري، أمال دوار، مظاهر التجديد في شعر الحداثة ميخائيل نعيمة أنموذجًا، صفحة 71. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت سهيلة عمرون، جماليات الاتجاه الوجداني الرومانسي في الشعر العربي الحديث، صفحة 100. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت كريمة هواري، أمال دوار، مظاهر التجديد في شعر الحداثة ميخائيل نعيمة أنموذجًا، صفحة 61. بتصرّف.
  6. سهيلة عمرون، جماليات الاتجاه الوجداني الرومانسي في الشعر العربي الحديث، صفحة 110. بتصرّف.