الشعر في العصر الجاهلي

يعتبر العصر الجاهليّ بأنّه العصر الّذي يدلّ على الأطوار التّاريخية للجزيرة العربية في عصورها القديمة قبل الميلاد وبعده، أمّا الشّعر العربيّ فقد وصفه الجاحظ بوضوحٍ بأنّه حديث الميلاد، صغير السّن، وأوّل مَن نهج سبيله وسهّل الطّريق إليه هو امرؤ القيس بن حجر، ومهلهل بن ربيعة، ومن ذلك يتضح بأنّ العصر الجاهلي، والمقصود الحديث عنه هو ما رُوي من أخبارٍ وما نُقل، وما وصلنا من أخبارٍ، وأيّامٍ، وأشعارٍ، وحروبٍ عن قبائل مكّة والحجاز؛ أي قبل حوالي مئة وخمسين عامًا قبل الإسلام، أمّا ما وراء ذلك فيمكن تسميته بعصر الجاهلية الأولى، وقد كانت الرواية والسمع هي الوسيلة الرئيسية لنقل أيام العرب، وأشعارهم، وأخبارهم، وحروبهم في تلك الفترة.[١]


تعريف الرواية

روى في اللّغة هي من سقيا الماء، وحمله، ونقله، ورواية الشّعر الجاهلي: هو شخص يحمل الشّعر وينقله، وينشره، ويذيعه. والرّواية تعني أيضًا الحمل الأدبي.[٢]


مراحل الرّواية

مرّت الرّواية بمرحلتين: [٢]

  • الأولى خاصّة بالشّعر وحده بمجرّد نقل الشّعر، فهي تُعنَى بنقل الشّعر ومجرّد حفظه، وإنشاده، من غير ضبطٍ، أو تحقيقٍ، أو تمحيصٍ، وقد استمرّ مدلول هذه المرحلة حتى القرن الأول وبداية القرن الثّاني.
  • والمرحلة الثّانية يُطلق عليها رواية علميّة، فهي لا تقوم على النّقل، والحفظ، والإنشاد كالرّواية المجرّدة، بل أصبحت إلى جانب ذلك تقوم على الضّبط، والتّحقيق، والتّمحيص، والتّفسير، وشيء من الإسناد، والتّدقيق، وكانت هذه الرّواية تقوم على دعامتين هما: التّدوين، والسّماع، وجاءت بمجيء الإسلام، وعندما أصّلت أصول علم الحديث الشّريف، وعُني المحدثون بالإسناد، وأطلق عليهم رواة الحديث، وصرنا نجد المحدّثين في أواخر القرن الثّاني رواة، كما كان للشّعر وللشّعراء رواة، ومن هنا كانت الرّواية الأدبيّة في مرحلتها الثّانية.


رواية الشّعر الجاهلي

إن الشّعر ديوان العرب يحفظ أيامهم وأمثالهم، وأشعارهم، ومآثرهم، وهذا ما لم يكن قائمًا على الكتابة والدّيوان، إنّما يقوم على الرّواية الشفهيّة من فردٍ لفردٍ، ومن جيل لجيلٍ، ويعتبر هؤلاء الرّواة عاشوا في نهاية القرن الثّاني ومطلع القرن الثّالث، وهم الّذين حفظوا لنا الشّعر الجاهلي الّذي وصل إلينا، وعلى ذلك نرى أنّ ذيوع شعر الشّاعر، وأخبار القبيلة، ومآثرها يعتمد على هذه الرّواية، وعلى مثل هؤلاء الرّواة، فكانوا يحفظون الشّعر، ويتناقلونه إنشادًا في مجالسهم، وأسواقهم، وكانوا يردّدونه شفاهًا في محافلهم؛ فيشيع بين العرب، ويتناقله الرّكبان، ويذيعه أبناء القبيلة فيما بينهم عن طريق الرّواية الشفهيّة والسّماع، لا عن طريق القراءة والتدوين، فذلك أمرٌ طبيعي شاع عند العرب في ذلك العصر، فقد كان منهم مَن يكتبون شعر الشّاعر، ويحفظونه في صحفٍ ودواوين، لكنْ غلبَ عليهم أنّهم كانوا يحفظون ما وصل إلينا من الشّعر الجاهلي في صدورهم، وذاكرتهم، وكانوا ينقلونه بأفواههم في المجالس والأسواق والمحافل[٣]، رغم أن الكتابة كانت شائعة ومعروفة في الجاهليّة، وقد رُويت أخبار متفرّقة تدلُّ على أنَّ بعض الشّعراء قد عرفها، واستخدمها بلاغًا شعريًا، ومنه قول المرقّش يشبّه بقايا الأطلال كأنها أثر الكتابة منقوش على ظهر الأديم (الجلد):[٤]


الدار قفر والرّسوم كما رقّش في ظهر الأديم قلم



إنّ الشّعر فنٌ سمعي وليس فنًا بصريًا، والحقيقة بأنّ العرب لم يتّخذوا الكتابة وسيلةً لحفظ أشعارهم، وأيّامهم، وأخبارهم، ومآثرهم، وربّما نجد بعض القطع أو بعض القصائد المكتوبة، ذلك ليس جهلًا لهم بالكتابة، فهم لم يستخدموا الكتابة كأداةٍ لنقل دواوينهم إلى الأجيال، والسّبب يعود في ذلك بأنّ وسائلها كانت صعبة المنال والتّدوال؛ إذ كانوا يستخدمون الحجارة، والجلود، وسعف النّخيل، كوسائل للكتابة والنّقش، ممّا عسّر تداولها بين الشّعراء لحفظ أشعارهم؛ لذلك عُدّت رواية الشّعر في العصر الجاهليّ هي الأداة الطبيعيّة لنقل الشّعر ونشره وإذاعته.[٤]


طبقات الرّواة

والشّعراء الرّواة، هم طائفتان، وهما:[٥]


الطائفة الأولى

هم شعراء يروون فيما يروون شعر شاعرٍ بعينه، يحفظون هذا الشّعر، ويتتلمذون للشّاعر، ويحتذون حذوه، فيما ينظمون شعره، مقلّدين في بداية أمرهم حتّى يصبح هذا التّقليد طبيعةً وفطرةً يصدرون عنها صدورًا فنيًّا؛ أي أنّ طبقة الشّعراء أنفسهم يحترفون الرّواية احترافًا، فمن رغب أن ينظم شعرًا كان عليه أن يلتزم شاعرًا يروي عنه شعره، وما يزال يروي له ولغيره حتّى تنفرج قريحته الشعريّة، ويسيل عليه ينبوعًا من الشّعر والفن، فكأنّما رواة الشّعر مدرسة شعريّة متسلسلة، فهم يتسلسلون في نسقٍ، ويكوّنون هذه المدرسة الشّعريّة، كان من أشهرها التي تبدأ بأوس بن حجر التّميمي، وعنه أخذ الشّعر زهير بن أبي سلمى المزني، ورواه حتّى أجاد نظمه، وأتقنه، وزهير كان له روايتان: ابنه كعب بن زهير، والحطيئة، وعن الحطيئة تلقنّ الشّعر، ورواه هدبة بن خشرم العذري، وعن هدبة أخذ جميل بثينة، وعن جميل أخذ كثيّر عزّة، فنحن أمام مدرسة للشّعراء الرّواة تتسلسل في طبقاتٍ وحلقات، وكلّ حلقة تأخذ عن سابقتها، وتسلم إلى لاحقتها، وأهمّ ما يلاحظ في هذه المدرسة هو أنّ شعراءها، أو رواتها كانوا من قبائل مختلفة في شرقي الجزيرة العربية، وغربها.[٦]


الطّائفة الثّانية

هم شعراء رواة يروون شعرًا لمن سبقهم، ولبعض مَن عاصرهم من الشّعراء، فلا يخصّون شاعرًا بعينه، وإنّما يرِدُونّ مناهل شتّى، ويروون لشعراء كثيرين، ويتتلمذون لهم جميعًا، فيتمثّلون شعرهم، حتى أنّ بعضهم نقدوا الشّعر، وحكموا عليه، وفاضلوا بين الشّعراء الجاهليين، فكأنّما كانو يستقون ما شاء لهم من الشّعر، ثمّ يصدرون، وقد اكتملت شخصيتهم المستقلّة في الشّعر.[٧]

المراجع

  1. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، مصر:المعارف، صفحة 38-39، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ناصر الدين الأسد، مصادر الشّعر الجاهلي، صفحة 188-189-190. بتصرّف.
  3. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، صفحة 190-193. بتصرّف.
  4. ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، مصر:المعارف، صفحة 140-142. بتصرّف.
  5. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، صفحة 222. بتصرّف.
  6. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، مصر:المعارف، صفحة 142-143.
  7. ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، صفحة 222-225. بتصرّف.