الفنون الأدبيّة

إنَّ الفنون الأدبيَّة مصطلحٌ يدلُّ على ألوان الأدب المتعدّدة، والّذي يُعتبرُ لونًا من ألوان التّعبير الإنسانيّ، يُعبّر فيه صاحبه عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه بأسلوبٍ من أساليب الكتابة المتنوّعة. وقد ظهر مصطلح "الأدب" في أوروبا في القرن السّابع عشر حتّى بداية القرن الثّامن عشر للدّلالة على أنواع الكتابة. أمّا الأدب في العصر الحديث، فيُعنى بالآثار الخطّيّة النّثريّة، والشّعريّة، ودوره الأساسي يتمثّل في الكشف عن مشاعر الألم والفرح، وتصوير الأخيلة، والأحلام، والخواطر، والمشاعر، وذلك بصياغتها في قوالب أدبيّة متعدّدة، مهمّتها تحقيق الإمتاع للمتلقّي. ومن بين هذه الفنون الأدبيّة الشّعر بنوعيه، والفنون النّثريّة؛ كالقصّة، والرّواية، والمسرحيّة، والسّيرة. فما الفرق بين الشّعر والنّثر.[١]


النَّثر والنَّظم

يعتقد البعضُ أنَّ النّثر كلامٌ لا يتقيّد بالنّظم والوزن والقافية، وقد جرى على هذا الرّأي الأدباء ومؤرّخو الأدب العربيّ، ممّا جعلهم يقسّمون الكلام إلى كلامٍ منظوم وكلامٍ منثور، معتبرين أنّ الكلام المنثور لا يتقيّد بوزن وقافية، على عكس الكلام المنظوم الّذي يعتمد على الوزن والقافية، وقد وقف كلٌّ من أنصار الشّعر وأنصار النّثر ما بين مؤيدٍ ومعارض، فأنصار الشّعر يرون أنّه الأفضل للأسباب الآتية:[٢]

  • أوّلًا: الشّعر يكلّف صاحبه، بالقافية والوزن.
  • ثانيًا: الشّعر ديوان العرب، وفيه قيّدت مفاخرهم، وله الفضل في تخليد ما لهم من فضائل قديمة.
  • ثالثًا: الشّعر يلائم الموسيقى، وهو مصدر الغناء، واللّذة الغنائيّة والموسيقيّة.


أمّا أنصار النّثر فقد احتجّوا لنثرهم للأسباب الآتية:[٢]

  • أوّلًا: أنّ النّثر يفي باحتياجات الحياة، وضروريّاتها.
  • ثانيًا: النّثر لغة السّياسة، والدّين، والعلم، أمّا الشّعر فلغة اللهو فقط.
  • ثالثًا: النّاثر يستطيع التّكلّم واقفا وقاعدًا، على عكس الشّاعر الّذي لا ينشد إلا واقفًا.


الشِّعر

إنَّ التَّعريف الأكثر شيوعًا لفنّ الشّعر، والّذي ينصّ على أنّه كلامٌ موزونٌ مقفّى، قد تعرّض للنّقد والهجوم من العديد من النّقاد، فهم يرونَ أنّ الفنون النّثريّة أيضًا تشارك الشّعر في أنّها كلام موزون مقفّى، ويرونَ أنّ هذه الميزة ليست الوحيدة في الشّعر، ولا تصلح لأن نكتفي بها في تعريفنا للشّعر؛ إذ إنّ الشّعر أيضًا يمتاز بأمرٍ إضافيٍّ، إلى جانب التزامه بالوزن والقافية، ألا وهو المعنى الخاصّ، ولم يُتطرّق إلى ذلك بكثرةٍ، كون هذا الأمر يُعدُّ من البديهيّات، ولا حاجة لذكر ما هو واضح بديهيّ من وجهة نظر الدّكتور إبراهيم عوض، حيث قال في كتابه (فنون الأدب في لغة العرب): "ذلك أنّ الشّعر ليس كلامًا ووزنًا وقافيةً فحسب، بل هو أشياء أخرى إلى جانب الكلام والوزن والقافية. وأغلب الظّنّ أنّ الّذين قالوا بذلك التّعريف، إن كان هناك من قالوا به على هذا النّحو، دون أن يضيفوا إليه شيئًا آخر، لم يقصدوا أنّه مجرّد كلام، توفّر له الوزن والقافية، بل قصدوا أنّه فنّ من فنون الأدب، لكنّه يمتاز مع هذا عن سائر الفنون الأدبيّة بأنّه موزون مقفّى" ويستدلّ الدكتور إبراهيم على ذلك بتعريف قدامة بن جعفر، في كتابه "نقد الشّعر"، والّذي أضاف إليه عنصر المعنى، إلى جانب الوزن والقافية. [٣]


الشّعر الحرّ

من المعروف أنّ الشّعر له نوعان: شعرٌ تقليديّ، وشعرٌ حرُّ: والشّعر الحرّ هو مظهر من مظاهر التّجديد الموسيقيّ للشّعر العربيّ، وقد عُرف الشّعر الحرّ بأسماءٍ وأنماط متعدّدة، فقد حمل الشّعر الحرّ في الثّلاثينيّات عدّة أسماء، مثل: الشّعر المرسل، والنّظم المرسل المنطلق، والشّعر الجديد، وشعر التّفعيلة، بينما أُطلق عليه في الخمسينيّات اسم الشّعر الحرّ، أمّا إحسان عبّاس فقد أطلق عليه اسمًا غريبًا، وهو "الغصن"، مستوحيًا ذلك من عالم الطّبيعة، حيث يحوي هذا اللون من الشّعر تفاوتًا في الطّول، كتفاوت أطوال الأغصان في الشّجرة. ومن المعلوم أنّ الشّعر الحرّ يجري وفق قواعد عروضيّة للقصيدة العربيّة، ويلتزم بها؛ إذْ يوجد وزن للشعر الحر، وثبات للتّفعيلة، ويختلف في الشّكل الخارجيّ فقط. أمّا جوهر الشّعر الحرّ فهو التّعبير عن معاناة الشّاعر الحقيقيّة للواقع الّذي تعيشه الإنسانيّة المعذّبة. [٤]


الشّعر أسبق أم النّثر

يرى طه حسين في كتابه "من حديث الشّعر والنّثر" أنّ الشّعر أسبق استخدامًا من النّثر، ويستدلّ في ذلك على أنّ الشّعر كان ضرورةً، وحاجة أساسيّة إلى التّرف والزّينة، ويرى أنّ تاريخ الأمم قد بدأ بالشّعر قبل النّثر بزمنٍ طويلٍ، وأنّ الأمم الّتي عُرفت بأدبها، عبّرت عن عواطفها ومشاعرها بالشّعر أوّلًا، وكان الشّعر لسانها الأدبيّ، ولم تحتج إلى النّثر إلّا بعد أن تطوّرتْ واتّسعت أفكارها الّتي عجز الشّعر عن استيعابها، فظهرت الحاجة إلى ما هو أوسع من الشّعر، فجاء النّثر. ويقول طه حسين: "لذلك عندما نلاحظ تاريخ الأمم كالأمَّة اليونانية مثلًا، نراها أوّلًا شاعرة، تُنشئ الشِّعر قصصيًّا، ثم غنائيًّا، ثم تمثيليًّا، ولا ينشأ النّثر عندها إلّا في وقت الاضطراب السّياسيّ، الّذي تتغيّر فيه نظم الحكم والحياة الاجتماعيّة".[٥]

المراجع

  1. سيد غيث، فنيات الكتابة الأدبية، صفحة 7-9. بتصرّف.
  2. ^ أ ب طه حسين، من حديث الشّعر والنّثر، صفحة 24. بتصرّف.
  3. الدّكتور إبراهيم عوض، فنون الأدب في لغة العرب، صفحة 7. بتصرّف.
  4. الأستاذ الدّكتور محمّد بن زاوي، الثانية ليسانس.pdf محاضرة النّصّ الأدبيّ المعاصر، صفحة 1-4. بتصرّف.
  5. طه حسين، من حديث الشّعر والنّثر، صفحة 24-25. بتصرّف.