يُعرف الرثاء بأنه صوت الكلام على الميت، أو هو صوت الكلام أثناء البكاء على الميت،[١] فكان يُستخدم أيضًا لاستذكار الميت وإحياء ذِكره تهوينًا على أنفس أهله وأحبابه من فاجعة موته، فلم يقتصر الرثاء على الأشخاص فقط، بل انتقل لرثاء الحيوانات كما فعل أبو نواس عندما رثى كلبه، بالإضافة إلى رثاء الحضارات، والبلاد، كما أن بعض الشعراء رثوا أنفسهم، كما أن قصائد الرثاء اختلطت بالحِكم، والتأملات، والفلسفة، والزهد حتى يتذكر الإنسان بأن الموت هو القدر المحتوم ودعوته للعمل الصالح ترك أثر طيب، وتجدر الإشارة بأن الهدف من الرثاء هو تخليد الذكرى وحثّ الآخرين على البكاء.[٢]


ارتباط الرثاء بالشعر الجاهلي

كان ارتباط الرثاء بالشعر الجاهلي نابعًا من قلق الجاهليّ الدائم على مصيره ومآله من الموت والعدم، إذ كان الموت غاية في الخفاء بالنسبة للجاهليّ، لذلك كان يحرص على تخليد ذكراه أو ذكرى أحبته بقصيدة رثاء كي يشعر بأنه لن يُنسى.[٣]


موضوعات رثاء الشعر الجاهلي

تنوعت موضوعات الرثاء في الشعر الجاهلي، فلم تكن محصورة على الموت فقط فكانت تشمل:[٤]

  • التأسف على الشباب: وهي الفترة التي تعزّ على كل من بلغ كبره، حيث القوة والعزيمة والقدرة، لذلك يبقى الشخص في حالة اشتياق دائم لتلك الفترة، كما تم ذكره في قصيدة الأسود بن يعفر النهشلي التي رثى فيها نفسه قائلًا:[٤][٥]


ولقد لَهوتُ وللشباب لذاذةٌ بسُلافَةٍ مُزجَت بماءِ غَوادي من خَمر ذي نَطف أغَنَّ مُنطق وافى بها لدراهِم الأسجادِ يَسعى بها ذو تُومتين مُشَمِّرٌ قنَأَت أناملُهُ منَ الفُرصادِ

  • التبرم من الدنيا: بالرغم من حب الجاهليين للدنيا وتشبثهم بها، إلا أنهم قالوا رثاءً اشتمل على التبرم منها، كما جاء في قصيدة الأسود بن يعفر النهشلي والتي قال فيها:[٥][٥]


نامَ الخليُّ وما أُحسّ رُقادي والهمُّ مُحتَضرٌ لَدَي وِسادي من غير ما سَقمٍ ولكن شفّني همٌّ أراهُ قد أصابَ فؤادي وَمن الحوادث لا أبالك أنني ضُربت عليَّ الأرضُ بالأسدادِ لا أهتدي فيها لِموضع تَلعَةٍ بينَ العراق وبين أرض مُرادِ ولقد علمتُ سِوى الذي نبأتِنى أنَّ السبيلَ سبيلُ ذي الأعوادِ إن المنيّةَ والحتُوفَ كلاهما يُوفي المخارمَ يرقيان سوادي لن يَرضيا مني وفاءَ رَهينةٍ من دُونِ نَفسي طارفي وتِلادى ماذا أُؤملُ بَعدَ آلِ مُحرِّقٍ تَركوا مَنازِلَهُم وبعدَ أيادِ

  • الغربة الزمانية: ويقصد بها عيش الإنسان في عصر مختلف عمّا ألفه في سالف أيامه، والتي جاءت في قصيدة زهير بن جناب الكلبي:[٤][٥]


لَقَــد عُـمِّرتُ حَـتّـى ماأُبـالي أَحَـتـفي في صَباحِيَ أَو مَسائي وَحُـقَّ لِمَـن أَتَـت مـِئِتانِ عامًا عَـلَيـهِ أَن يَـمَـلَّ مِـنَ الثَـواءِ شَهِـدتُ المُحْضئينَ عَلى خَزازٍ وَبِــالسُــلانِ جَمعًا ذا زُهاء وَنادَمتُ المُلوكَ مِن آلِ عَمرٍو وَبَـعـدَهُـمُ بَـنـي مـاءِ السَماءِ

  • الغربة المكانية: ويقصد بها شعور الإنسان بالغربة للمكان الذي ألفه وترعرع به وكون به الكثير من الذكريات، كما في شعر امرئ القيس:[٤][٥]


أجَارتَنا إنَّ المزارَ قريبُ وإنِّي مُقيمٌ ما أقام عَسيبُ أَجَارتنا إنّا غريبانِ هاهنا وكُلُّ غَريبٍ للغريب نسيب

  • الشعور بدنو الأجل: وهو وقت الاحتضار والذي يستشعر به الشخص بقرب ساعة موته، كما قصيدة عمرو بن أمامة اللخمي:[٤]


لقد عَرفتُ الموتَ قبل ذوقِهِ إن الجبانَ حَتفه من فوقهِ كُلُّ امرئٍ مُقاتِلٌ من طوقِهِ كالثورِ يحمي جلدهُ بِروقهِ



أشهر قصائد رثاء الميت في الشعر الجاهلي


أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا ويحمل للقوم ما عالُهُم وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا جموع الضيوف إلى بيته يرى أفضل الكسب أن يحمدا وأن ذكر المجد ألفيته تأزر بالمجد ثم ارتدى غيّاث العشيرة أن أمحلوا يهين التلاد ويحيى الجدا

  • النابغة الذبياني يرثى النعمان الغساني:[٤][٧]


دَعاكَ الهَوى وَاِستَجهَلَتكَ المَنازِلُ وَكَيفَ تَصابي المَرءَ وَالشَيبُ شامِلُ وَقَفتُ بِرَبعِ الدارِ قَد غَيَّرَ البِلى مَعارِفَها وَالسارِياتُ الهَواطِلُ أُسائِلُ عَن سُعدى وَقَد مَرَّ بَعدَنا عَلى عَرَصاتِ الدارِ سَبعٌ كَوامِلُ فَسَلَّيتُ ما عِندي بِرَوحَةِ عِرمِسٍ تَخُبُّ بِرَحلي تارَةً وَتُناقِلُ مُوَثَّقَةِ الأَنساءِ مَضبورَةِ القَرا نَعوبٍ إِذا كَلَّ العِتاقُ المَراسِلُ كَأَنّي شَدَدتُ الرَحلَ حينَ تَشَذَّرَت عَلى قارِحٍ مِمّا تَضَمَّنَ عاقِلُ أَقَبَّ كَعَقدِ الأَندَرِيِّ مُسَحَّجٍ حُزابِيَّةٍ قَد كَدَّمَتهُ المَساحِلُ



خُسِفَ البَدرُ حينَ كانَ تَماما وَخَفي نورُهُ فَعادَ ظَلاما وَدَراري النُجومِ غارَت وَغابَت وَضِياءُ الآفاقِ صارَ قَتاما حينَ قالوا زُهَيرُ وَلّى قَتيلا خَيَّمَ الحُزنُ عِندَنا وَأَقاما قَد سَقاهُ الزَمانُ كَأسَ حِمامٍ وَكَذاكَ الزَمانُ يَسقي الحِماما كانَ عَوني وَعُدَّتي في الرَزاي كانَ دِرعي وَذابِلي وَالحُساما يا جُفوني إِن لَم تَجودي بِدَمعٍ لَجَعَلتُ الكَرى عَلَيكِ حَراما

  • المهلهل يرثي كُليب:[٩]


أَهاجَ قَذاءَ عَينِيَ الإِذِّكارُ هُدُوّاً فَالدُموعُ لَها اِنحِدارُ وَصارَ اللَيلُ مُشتَمِلاً عَلَينا كَأَنَّ اللَيلَ لَيسَ لَهُ نَهارُ وَبِتُّ أُراقِبُ الجَوزاءَ حَتّى تَقارَبَ مِن أَوائِلِها اِنحِدارُ أُصَرِّفُ مُقلَتَيَّ في إِثرِ قَومٍ تَبايَنَتِ البِلادُ بِهِم فَغاروا وَأَبكي وَالنُجومُ مُطَلِّعاتٌ كَأَن لَم تَحوِها عَنّي البِحارُ عَلى مَن لَو نُعيتُ وَكانَ حَيّاً لَقادَ الخَيلَ يَحجُبُها الغُبارُ


المراجع

  1. "تعريف و معنى رثاء"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 16/6/2021. بتصرّف.
  2. سراج الدين محمد، الرثاء في الشعر العربي، صفحة 5-6. بتصرّف.
  3. إبراهيم عبد الفتاح حسن فراش، رسالة رثاء النفس في الشعر الجاهلي، صفحة 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح إبراهيم عبد الفتاح حسن فراش، رسالة رثاء النفس في الشعر الجاهلي، صفحة 1-34. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج إبراهيم عبد الفتاح حسن فراش، رثاء النفس في الشعر الجاهلي، صفحة 1-35. بتصرّف.
  6. الخنساء، ديوان الخنساء، صفحة 10. بتصرّف.
  7. النابغة الذبياني، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 125-153. بتصرّف.
  8. سراج الدين محمد، الرثاء في الشعر العربي، صفحة 8. بتصرّف.
  9. مهلهل بن ربيعة، ديوان مهلهل بن ربيعة، صفحة 31. بتصرّف.