ابن نباتة

هو جمال الدين محمد بن محمد بن محمد الفارقي المصري، والذي يعود بنسبه إلى عبد الرحيم بن نباتة، خطيب سيف الدولة المشهور، وهو شاعر مصري من أهم شعراء العصر المملوكي، ذو شأنٍ وسيرةٍ عطرة بين العلماء والمؤرخين، فقد لُقّب بأمير شعراء المشرق، كما لقّبه السبكي بشاعر العصر، وذكره ابن كثير بأنه كان حاملًا للواء الشعر، كما قال عنه الصفدي: "الأديب الناظم الناثر تفرّد بلطف النظم، وعذوبة اللفظ، وجودة المعنى، وغرابة المقصد، وجزالة الكلام وانسجام التركيب"، ولابن نباتة ديوان شعري، قد أمر السلطان الناصر بنسخه وحفظ نسخ منه في المكاتب السلطانية.[١][٢]


مولد ابن نباتة

وُلد ابن نباتة المصري في الفسطاط في وطنه مصر، في عام 686 هجري، وقد نشأ في بيت علمٍ وفضل، إذ كان والده شيخًا من شيوخ الحديث في بلدته، وكذلك جده، كما ظهر حب وموهبة الشعر الفذة لدى ابن نباتة منذ صغره.[١]


علم وثقافة ابن نباتة

بقي ابن نباتة في مصر من مولده وحتى العام 717 هجري، وكان ينال فيها من الثقافة الدينية والأدبية القسط الوافر، ويغرف من بحور العلم عن أشهر أعلام عصره.


قرر ابن نباتة بعدئذٍ الرحيل إلى بلاد الشام، ليتصل هناك مع ملك حماة "الملك المؤيد"، ويستقر عنده، فكتب فيه وقال أجمل قصائد المديح في ذلك الوقت، إلى أن ذاع صيته واشتهر شعره في شتى الآفاق، وكانت هذه الفترة الزمنية من أهم فترات حياته، وبقي على ذلك حتى عام 732 هجري.


قرر في ذات العام العودة إلى بلاده بعد وفاة "الملك المؤيد"، وبعدما خلق لنفسه الشأن والمكانة الرفيعة بين الأدباء في الشام، ليستقر ويعيش في ظل السلطان المملوكي "الناصر حسن" بكرامة ونعماء، وذلك حتى وافته المنية في أرض وطنه مصر.[٣]


أسلوب ومنهج ابن نباتة

كان ابن نباتة يغزل قصائده بكل رقة وعذوبة وجزالة، حتى يشعر القارئ بغزارة العواطف، وصدقها، إذ كان ينتقي المفردات والأساليب والتراكيب المناسبة لتتلاءم مع شكواه أو عواطفه الشعرية.


كما تميز شعر ابن نباتة بثلاث ظواهر أسلوبية، والتي قد كانت متجلية في أغلب أشعاره، وهي التكرار، والانزياح، والبديع، أما عن التكرار فقد كان على عدة مستويات؛ أولها تكرار الحرف، ومثال على ذلك بيته الذي يقوم بتكرار حرف الهاء فيه، والذي يعدّ من الحروف الشعورية:[٤]


هداها حماها زانَها جادَها اعتلى فكانَ على الخَمْس الجهاتِ شِهابها



ومن التكرار أيضًا تكرار القافية، والكلمة نفسها، وتكرار الجملة أيضًا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن التكرار بجميع أشكاله وأنواعه يدل على نفسية كاتب الشعر وظروفه، فما هي إلا كلمات تبين فيض مشاعره، وتوضح غرض القصيدة العاطفي بقوة، إن كان مديحًا أو رثاءً أو غزلًا أو أي غرضٍ شعريّ آخر.


كما أن هذا التكرار قدّم لابن نباتة لقب "الشاكي"، إذ أنّ أشعاره كانت تتكرر فيها ألفاظ معينة، مثل الزمان، والدهر، والأيام، والدمع، والصبابة، والشوق، والهجر، والشيب، والفقر، والضنى وغيرها من الكلمات التي تكررت في إطار الشكوى المستمرة من قِبله، وذلك لما أجبرته الحياة على معايشة ظروف قاهرة، مثل وفاة أبنائه، وقد ورد لفظ الزمان 249 مرة، والدهر 203 مرات، والأيام 66 مرة.[٥][٦]


أما عن الظواهر الأخرى، مثل الانزياح والبديع، فالانزياح هو الاتساع باستخدام مفردات وصور وتراكيب غريبة المنشأ، ليخرج بهم عن المألوف، وهذه الظاهرة تنبت من إبداع الشاعر، وما يلي هو مثال على استخدام ابن نباتة الانزياحات الاستعارية في غرض المدح:[٧]


له راحةٌ صلى الحيا خلف جودها وأذعن فانظر للمصلّي المسلّم عجبت لها في الجود تظلم ما لها وتلك أمان الخائف المتظلّم



وأما البديع، فهي البلاغة بشقّيها المعنوية واللفظية، إذ كان ابن نباتة من الشعراء الذي أقبلوا على استخدام المحسنات البديعية بوفرة في أشعاره، وذلك من أجل دعم أفكار وعواطف القصيدة، وتكمين الصياغة وتقويتها، وقد كان ابن نباتة يجمع في بيت شعري واحد أكثر من محسن بديعي، مع بقاء الخفة والإيقاع السلس، ومثال على ذلك هذا البيت الذي تضمن خمسة ألوان بديعية، من بينها الاقتباس من القرآن الكريم:[٣]


يجرّ خيطُ الدّجى والفجر أنفسَنا للترب ما لا يجرّ الحبلُ من مسَدِ



وقوله:[٣]


كم غيَّر الدّهر من دارٍ وساكنها لا عن عميدٍ ثنى بطشًا ولا عُمُدِ



مؤلفات ابن نباتة

للشاعر المملوكي ابن نباتة آثار أدبية متعددة تتجاوز الثلاثين عملًا، ولكن أهمها هو:[٨]

  • ديوان ابن نباتة الكبير.
  • كتاب مطلع الفوائد.
  • كتاب سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون.


أشهر أشعار ابن نباتة

أشهر قصائد ابن نباتة هي القصيدة التي ذكرها الدكتور عمر موسى باشا في دراسة لها تحت عنوان "ابن نباتة المصري أمير شعراء المشرق"، ويأتي في مطلعها:[٩][١٠]


أستغفرُ الله لا مالي ولا ولدي آسي عليه إذا ضمَّ الثرى جسدي عفتُ الإقامةَ في الدنيا لو انْشرَحت حالي فكيف وما حظِّي سوى النكد وقد صدِئتُ ولي تحتَ الترابِ جلاً إنَّ الترابَ لجلاَّءٌ لكلِّ صدي لا عارَ في أدبي إن لم ينل رتباً وإنَّما العارُ في دهري وفي بلدي هذا كلامي وذا حظِّي فيا عجباً منِّي لثروةِ لفظٍ وافْتقارِ يدِ إنسانُ عينيَ أعشتهُ مكابدةٌ وإنَّما خلِقَ الإنسانُ في كبد




وفاة ابن نباتة

توفي الشاعر ابن نباتة عام 768 هجري.[٨]


اقرأ المزيد عن شعراء العصر العباسي، مثل: أبو فراس الحمداني، والبحتري.

المراجع

  1. ^ أ ب إيمان يونس صدقي الأطرش، شعر ابن نباتة المصري دراسة أسلوبية، صفحة 9.
  2. د عبدالرحمن بن دخيل ربه بن مرزوق المطرفي، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق الموقف وجماليات الصنعة في دالية ابن نباتة دراسة فنية، صفحة 1453-1454.
  3. ^ أ ب ت د عبدالرحمن بن دخيل ربه بن مرزوق المطرفي، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيقالموقف وجماليات الصنعة في دالية ابن نباتة دراسة فنية، صفحة 1476-1477.
  4. إيمان يونس صدقي الأطرش، شعر ابن نباتة المصري دراسة أسلوبية، صفحة 11 5.
  5. إيمان يونس صدقي الأطرش، ابن نباتة المصري (ت 768 هـ) - دراسة أسلوبية.pdf شعر ابن نباتة المصري دراسة أسلوبية، صفحة 20-38-44-61.
  6. حامد صدقي ورحمت اله حيدري منش، الخصائص الفنية لشعر ابن نباتة الشاكي، صفحة 1.
  7. إيمان يونس صدقي الأطرش، شعر ابن نباتة المصري دراسة أسلوبية، صفحة 75-79.
  8. ^ أ ب د عبدالرحمن بن دخيل ربه بن مرزوق المطرفي، الموقف وجماليات الصنعة في دالية ابن نباتة دراسة فنية، صفحة 1454.
  9. د عبدالرحمن بن دخيل ربه بن مرزوق المطرفي، الموقف وجماليات الصنعة في دالية ابن نباتة دراسة فنية، صفحة 1455.
  10. ابن نباتة، ديوان ابن نباتة، صفحة 125.