ظهرت الموشحات في الأندلس في أواخر القرن الثّالث الهجري، التّاسع الميلادي، ويعتبر الموشح نمطًا من أنماط الكلام المنظوم، وتطورًا لنظْم الشعر، فعُدّ ظهوره من أهمِّ بوادر التّجديد الّذي عرفه الشّعر العربي، وهو كلام منظوم على وزنٍ مخصوص، استحدثه المتأخرون، وكانوا ينظمونه أسماطًا أسماطًا، وأغصانًا أغصانًا يتألف في الأكثر من ستة أقفالٍ، وخمسة أبياتٍ، ويُقالُ له التّام، وفي الأقل من خمسة أقفالٍ وخمسة أبيات، ويقال له الأقرع، ويستعمل فيه اللغة الدّارجة.[١]


أسباب ظهور الموشّحات

من أسباب ظهور الموشحات هي:[٢]

  • كان من بوادر انتشار اللّهو، والمجون، والتّرف، والغناء من ناحيةٍ أثر في ظهور فن الموشّح وازدهاره في الأندلس؛ وذلك لأنّ هذا النّوع من الشّعر هو الأصلح للغناء، نظرًا لما يتميّز به من خفّةٍ، وتحررٍ من قيود الشّعر التّقليدي؛ إذ أنّ تطوّر الغناء في تلك البيئة في الأندلس كان داعيًا مهمًا في ظهور هذا الفن المستحدث ألا وهو فن الموشّحات، فقد شعر الأندلسيون بجمود القصيدة والشّعر التّقليدي أمام النغم والألحان المنوعة في حاضره التّجديدي المرن، وأصبحت الحاجة الماسة لوجود لون شعري مرن يواكب الموسيقى، والغناء، والألحان، فظهر الموشّح الذي تتنوع فيه الأوزان، وتتعدّد فيه القوافي، وتعتبر الموسيقى أساسًا مهمًا من أسسه، فهو منظوم للتلحين والغناء.
  • ومن ناحيةٍ أخرى فقد ساعد على ظهور فن الموشّحات امتزاج العرب واختلاطهم بالإسبان في الأندلس، وعُرف منهم المولّدين، مما أدى إلى التّعرف على اللّغة العاميّة الإسبانية، إضافةً إلى معرفتهم الشعر العربي، وبسبب هذا الامتزاج بين العاميّ والعربيّ كان لا بدّ من ظهور فنٍ خاص بتلك الازدواجية، وهو الذي يمثّلها، وقد نشأ فن الموشّحات في أحضان عامّة النّاس لذلك أطلق عليه صفة الشّعبيّة؛ لأن بعض فقراته كانت تأتي بلغةٍ عاميّةٍ شعبيّة.


أصول الموشحات الأندلسية

لقد وقف الباحثون والأدباء على دراسة الموشحات في الشعر الأندلسي وتباينت آراؤهم في نشأة وظهور الموشحات وأصلها وتعدّدت اتجاهاتهم إلى:


أولًا: الاتجاه الأعجمي

يرى أصحاب هذا الاتجاه ومنهم خوليان ريبرا، وغارسيا غومس، وأنغل بالنثيا، بأنّ الموشح ما هو إلّا تقليد للشعر الأوربي القديم، فقد عرفه الإسبان قبل دخول العرب إلى الأندلس، ويرون أن الموشح قد استمدّ عناصره الأساسيّة من الشّعر الغنائي الشعبي الإسباني- الأغاني الرومانثية- وقد دعم أصحاب هذا الاتجاه آراءهم بعدد من الأدلّة والبراهين منها أنّ الموشحات تختم بخرجات أعجميّة، وهي تقليد للأغاني الأعجميّة، وخروج معظم الموشّحات عن النّظام العروضي الخليلي وأوزان الشّعر التقليدي، وتغزل المرأة بالرّجل في مضمون الخرجات، على عكس ما هو معروف في الشعر العربي التّقليدي.[٣]


ثانيًا: الاتجاه المشرقي

اعتبر هذا الاتجاه بأن الموشّحات فن مشرقيّ ظهرت بوادره في المشرق، ومن أصحابه مصطفى الشّكعة، وكامل الكيلاني، وصفاء حلو، وقد جاء أصحاب هذا الرأي بأدلّةٍ وبراهين معاكسة لأصحاب الاتجاه السابق منها: ظهور فن التّسميط في العصر الجاهلي، وهو من البوادر الأولى لنشأة الموشّحات، وانتساب الموشحة المشهورة (أيّها السّاقي) إلى ابن المعتز، وهو شاعر عباسيّ وذلك أكبر دليل على معرفة المشرق للموشّحات قبل المغرب، وفضل فن الغناء والموسيقى المشرقيّة في ظهور الموشّحات في الأندلس، فلو لم يعرفه المغرب لعرفه المشرق.[٤]


ثالثًا: الاتجاه الأندلسي

يرى أصحاب هذا الاتجاه بأنّ الموشح فن أندلسي النّشأة، قد استحدثه أهل الأندلس وأبدعوا فيه، وتميّزوا به على أهل المشرق وأكثروا النّظم فيه، حتّى أصبح الموشح علامةً من العلامات البارزة في تاريخ الأندلس الأدبي، وأصحاب هذا الاتجاه جاؤوا بأدلةٍ وبراهين منها تصريحات المؤرِّخين من أمثال ابن بسام، وابن خلدون بأنّ الموشّح فن أندلسي خالص، وتأثير طبيعة البيئة الأندلسيّة في الشّعراء أدى لظهور فنٍ جديد وهو الموشّح، وتأثير الشّعراء بالغناء الشّعبي المحلي والغناء المشرقي الّذي وصل إلى الأندلس عن طريق زرياب.[٥]

المراجع

  1. أسماء نميش، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوربي القديم، صفحة 32-33-34. بتصرّف.
  2. أسماء نميش، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوربي القديم، صفحة 28-29. بتصرّف.
  3. أسماء نميش، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوربي القديم، صفحة 36-38-40. بتصرّف.
  4. أسماء نميش، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوربي القديم، صفحة 42-45. بتصرّف.
  5. أسماء نميش، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوربي القديم، صفحة 46-51.