مَن منّا لا يعرف عنترة بن شداد؟ أحد أبرز شُعراء العرب وفُرسانهم في فترة الجاهلية، وقد عُرِف بأمور عِدّة، كمعلّقته الشعرية، وحبّه العفيف لعبلة، وقصائده التي تنوّعت ما بين الشجاعة، والفخر، والفروسيّة، والغزل، وعزّة النفس، وغير ذلك، وقد كانت بعضُ صفاتِه متجلّيّةً في قصائده، فهو كريمٌ، نبيلٌ، أبِيٌّ، شامخ الروح، فَخُورٌ، مُعَتدٌّ بنفسه، غضيضُ الطرف، عفيفُ النفس، وعاشقٌ مُرهَف الإحساس. أما بالنسبة لأعمال عنترة الشعرية، فله ديوان جُمِع فيه شعرُه وتمّت طباعته أكثر من مرّة، كان الأصمعي أحد أبرز الأشخاص الذين جمعوا شعر عنترة، ويُعَدّ ما جمعَه الأصمعيُّ الأصحَّ والأشهرَ،[١] وفي هذا المقال نستعرض أهمّ هذه القصائد.


قصيدة رمت الفؤادَ مليحةٌ عذراء

يقول عنترة بن شدّاد في الغزَل:[٢]


رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِه فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ



قصيدة أَلا يـا عَـبلَ قَد زادَ التَصابي

ويقول عنترة في الغزل أيضًا:[٣]


أَلا يـا عَـبلَ قَد زادَ التَصابي وَلَجَّ اليَـومَ قَـومُـكِ فـي عَـذابـي وَظَــلَّ هَــواكِ يَــنــمــو كُـلَّ يَـومٍ كَـمـا يَـنـمـو مَـشيبي في شَبابي عَـتَـبـتُ صُـروفَ دَهـري فـيـكِ حَـتّى فَـنـي وَأَبـيـكِ عُمري في العِتابِ وَلاقَـيـتُ العِـدا وَحَـفِـظـتُ قَوماً أَضـاعـونـي وَلَم يَـرعَـوا جَـنابي سَـلي يـا عَـبـلَ عَـنّـا يَومَ زُرنا قَــبــائِلَ عــامِــرٍ وَبَــنـي كِـلابِ وَكَــم مِــن فــارِسٍ خَـلَّيـتُ مُـلقـىً خَـضـيـبَ الراحَـتَـيـنِ بِـلا خِـضابِ يُــحَــرِّكُ رِجــلَهُ رُعــبــاً وَفــيــهِ سِـنـانُ الرِمـحِ يَـلمَـعُ كَـالشِهابِ قَـتَـلنـا مِـنـهُـمُ مـائَتَـيـنِ حُـرّاً وَأَلفاً في الشِعابِ وَفي الهِضابِ



قصيدة لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ

ويقول في عزّة النفس:[٣]


لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ



قصيدة وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ

ويقول في الشجاعة:[٣]


لَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ إِذا لَم يَثِب لِلأَمرِ إِلّا بِقائِدِ فَعالِج جَسيماتِ الأُمورِ وَلا تَكُن هَبيتَ الفُؤادِ هِمَّةً لِلسَوائِدِ إِذا الريحُ جاءَت بِالجَهامِ تَشُلُّهُ هَذا ليلُهُ مِثلُ القِلاصِ الطَرائِدِ وَأَعقَبَ نَوءُ المُدبِرينَ بِغَبرَةٍ وَقَطرٍ قَليلِ الماءِ بِاللَيلِ بارِدِ كَفى حاجَةَ الأَضيافِ حَتّى يُريحَه عَلى الحَيِّ مِنّا كُلُّ أَروَعَ ماجِدِ تَراهُ بِتَفريجِ الأُمورِ وَلَفِّه لِما نالَ مِن مَعروفِها غَيرَ زاهِدِ وَلَيسَ أَخونا عِندَ شَرٍّ يَخافُهُ وَلا عِندَ خَيرٍ إِن رَجاهُ بِواحِدِ إِذا قيلَ مَن لِلمُعضِلاتِ أَجابَهُ عِظامُ اللُهى مِنّا طِوالُ السَواعِدِ



قصيدة أَشاقَكَ مِن عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ

ويقول في الفروسيّة:[٣]


أَشاقَكَ مِن عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ فَقَلبُكَ مِنهُ لاعِجٌ يَتَوَهَّجُ فَقَدتَ الَّتي بانَت فَبِتُّ مُعَذَّب وَتِلكَ اِحتَواها عَنكَ لِلبَينِ هَودَجُ كَأَنَّ فُؤادي يَومَ قُمتُ مُوَدِّع عُبَيلَةَ مِنّي هارِبٌ يَتَمَعَّجُ خَليلَيَّ ما أَنساكُما بَل فِداكُم أَبي وَأَبوها أَينَ أَينَ المُعَرَّجُ أَلِمّا بِماءِ الدُحرُضَينِ فَكَلَّم دِيارَ الَّتي في حُبِّها بِتُّ أَلهَجُ دِيارٌ لِذاتِ الخِدرِ عَبلَةَ أَصبَحَت بِها الأَربَعُ الهوجُ العَواصِفُ تُرهِجُ أَلا هَل تُرى إِن شَطَّ عَنّي مَزارُه وَأَزعَجُها عَن أَهلِها الآنَ مُزعِجُ فَهَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ هَمَلَّعَةٌ بَينَ القِفارِ تُهَملِجُ تُريكَ إِذا وَلَّت سَناماً وَكاهِل وَإِن أَقبَلَت صَدراً لَها يَتَرَجرَجُ عُبَيلَةُ هَذا دُرُّ نَظمٍ نَظَمتُهُ وَأَنتِ لَهُ سِلكٌ وَحُسنٌ وَمَبهَجُ وَقَد سِرتُ يا بِنتَ الكِرامِ مُبادِر وَتَحتِيَ مَهرِيٌّ مِنَ الإِبلِ أَهوَجُ بِأَرضٍ تَرَدّى الماءُ مِن هَضَباتِه فَأَصبَحَ فيها نَبتُها يَتَوَهَّجُ وَأَورَقَ فيها الآسُ وَالضالُ وَالغَض وَنَبقٌ وَنِسرينٌ وَوَردٌ وَعَوسَجُ لَئِن أَضحَتِ الأَطلالُ مِنها خَوالِي كَأَن لَم يَكُن فيها مِنَ العَيشِ مُبهِجُ فَيا طالَما مازَحتُ فيها عُبَيلَةً وَمازَحَني فيها الغَزالُ المُغَنَّجُ أَغَنُّ مَليحُ الدَلِّ أَحوَرُ أَكحَلٌ أَزَجُّ نَقِيُّ الخَدِّ أَبلَجُ أَدعَجُ لَهُ حاجِبٌ كَالنونِ فَوقَ جُفونِهِ وَثَغرٌ كَزَهرِ الأُقحُوانِ مُفَلَّجُ وَرِدفٌ لَهُ ثِقلٌ وَخَصرٌ مُهَفهَفٌ وَخَدٌّ بِهِ وَردٌ وَساقٌ خَدَلَّجُ وَبَطنٌ كَطَيِّ السابِرِيَّةِ لَيِّنٌ أَقَبُّ لَطيفٌ ضامِرُ الكَشحِ مُدمَجُ لَهَوتُ بِها وَاللَيلُ أَرخى سُدولَهُ إِلى أَن بَدا ضَوءُ الصَباحِ المُبَلَّجُ أُراعي نُجومَ اللَيلِ وَهيَ كَأَنَّه قَواريرُ فيها زِئبَقٌ يَتَرَجرَجُ وَتَحتِيَ مِنها ساعِدٌ فيهِ دُملُجُ مُضيءٌ وَفَوقي آخَرٌ فيهِ دُملُجُ وَإِخوانِ صِدقٍ صادِقينَ صَحِبتَهُم عَلى غارَةٍ مِن مِثلِها الخَيلُ تُسرَجُ تَطوفُ عَلَيهِم خَندَريسٌ مُدامَةٌ تَرى حَبَباً مِن فَوقِها حينَ تُمزَجُ أَلا إِنَّها نِعمَ الدَواءُ لِشارِبٍ أَلا فَاِسقِنيها قَبلَ ما أَنتَ تَخرُجُ فَنُضحي سُكارى وَالمُدامُ مُصَفَّفٌ يُدارُ عَلَينا وَالطَعامُ المُطَبهَجُ وَما راعَني يَومَ الطِعانِ زُهوقُهُ إِلَيَّ بِمَن بِالزَعفَرانِ تَضَرَّجوا فَأَقبَلَ مُنقَضّاً عَلَيَّ بِخَلقِهِ يُقَرِّبُ أَحياناً وَحيناً يُهَملِجُ فَلَمّا دَنا مِنّي قَطَعتُ وَتينَهُ بِحَدِّ حُسامٍ صارِمٍ يَتَبَلَّجُ كَأَنَّ دِماءَ الفُرسِ حينَ تَحَدَّرَت خَلوقُ العَذارى أَو قُباءَ مُدَبَّجُ فَوَيلٌ لِكِسرى إِن حَلَلتُ بِأَرضِهِ وَوَيلٌ لِجَيشِ الفُرسِ حينَ أُعَجعِجُ وَأَحمِلُ فيهِم حَملَةً عَنتَرِيَّةً أَرُدُّ بِها الأَبطالَ في القَفرِ تَنبِجُ وَأَصدِمُ كَبشَ القَومِ ثُمَّ أُذيقُهُ مَرارَةَ كَأسِ المَوتِ صَبراً يُمَجَّجُ وَآخُذُ ثَأرَ النَدبِ سَيِّدِ قَومِهِ وَأُضرِمُها في الحَربِ ناراً تُؤَجَّجُ وَإِنّي لَحَمّالٌ لِكُلِّ مُلِمَّةٍ تَخِرُّ لَها شُمُّ الجِبالِ وَتُزعَجُ وَإِنّي لَأَحمي الجارَ مِن كُلِّ ذِلَّةٍ وَأَفرَحُ بِالضَيفِ المُقيمِ وَأَبهَجُ وَأَحمي حِمى قَومي عَلى طولِ مُدَّتي إِلى أَن يَرَوني في اللَفائِفِ أُدرَجُ فَدونَكُمُ يا آلَ عَبسٍ قَصيدَةً يَلوحُ لَها ضَوءٌ مِنَ الصُبحِ أَبلَجُ أَلا إِنَّها خَيرُ القَصائِدِ كُلَّه يُفَصَّلُ مِنها كُلُّ ثَوبٍ وَيُنسَجُ



قصيدة صَباحُ الطَعنِ في كَرٍّ وَفَرٍّ

ويقول في الشجاعة والفروسيّة والفخر:[٣]


صَباحُ الطَعنِ في كَرٍّ وَفَرٍّ وَلا ساقٍ يَطوفُ بِكَأسِ خَمرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن قَرعِ المَلاهي عَلى كَأسٍ وَإِبريقٍ وَزَهرِ مُدامي ما تَبَقّى مِن خُماري بِأَطرافِ القَنا وَالخَيلُ تَجري أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتَ عَنهُ يُلاقي في الكَريهَةِ أَلفَ حُرِّ خُلِقتُ مِنَ الحَديدِ أَشَدُّ قَلب فَكَيفَ أَخافُ مِن بيضٍ وَسُمرِ وَأَبطِشُ بِالكَمِيِّ وَلا أُبالي وَأَعلو لِلسِماكِ بِكُلِّ فَخرِ وَيَبصُرني الشُجاعُ يَفِرُّ مِنّي وَيَرعَشُ ظَهرُهُ مِنّي وَيَسري ظَنَنتُم يا بَني شَيبانَ ظَنّ فَأَخلَفَ ظَنَّكُم جَلدي وَصَبري سَلوا عَنّي الرَبيعَ وَقَد أَتاني بِجُردِ الخَيلِ مِن ساداتِ بَدرِ أَسَرتُ سَراتَهُم وَرَجَعتُ عَنهُم وَقَد فَرَّقتُهُم في كُلِّ قُطرِ وَها أَنا قَد بَرَزتُ اليَومَ أَشفي فُؤادي مِنكُمُ وَغَليلَ صَدري وَآخُذُ مالَ عَبلَةَ بِالمَواضي وَيَعرِفُ صاحِبُ الإيوانِ قَدري


المراجع

  1. "سيرة عنترة بن شداد بين الواقع والمتخيل"، مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية، 2019، العدد 20، صفحة 46.
  2. إبراهيم زيدان، نوادر العُشّاق، صفحة 229.
  3. ^ أ ب ت ث ج ديوان عنترة بن شداد