أبو نواس

هو شاعر من شعراء العصر العباسي، ومن أكثر الشعراء جدلًا لدى النقاد والأدباء، فقد كان صاحب النوادر والخمريات، والخمريات نسبةً إلى أنه شاعر الخمرة الأكبر؛ إذ أبدع في وصفها ليصبح شاعرها الأوحد والأجود، وهو أول من فتح باب التجديد للشعراء، أما النوادر، فهي ما روي عنه من أشعارٍ وهو في رفقة الخليفة هارون الرشيد.[١][٢]


مولد وحياة أبي نواس

هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي، المكنى بأبي نواس، ولد عام 141 هجرياً، أو عام 145 هجرياً، نشأ وترعرع في البصرة، رغم ولادته في خوزستان، وهو يتيم الأب منذ صغره، وقد انتقل إلى الكوفة فعاش فيها، من ثم إلى بغداد، وفيما يخص كنيته بأبي نواس؛ فيقول هو في ذلك: "سبب كنيتي أن رجلًا من جيراني بالبصرة دعا إخوانًا له فأبطأ عليه واحد منهم، فخرج من بابه يطلب من يبعثه ليستحثه على المجيء إليه، فوجدني مع صبيان ألعب معهم، وكان لي ذؤابة في وسط رأسي فصاح بس: يا حسن، امضِ إلى فلان جئني به، فمضيت أعدو لأدعو الرجل وذؤابتي تتحرك، فلما جئت بالرجل قال لي: أحسنت يا أبا نواس- لتحرك ذؤابتي- فلزمتني هذه الكنية".[٣][٤]


علم وثقافة أبي نواس

نشأ أبو نواس في مدينة البصرة، التي كان لها الأثر في علمه وشعره، فهي مدينة العلم والأدب، فتمكن من علومٍ شتى، من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والعلوم الشرعية واللغوية، وعلوم المنطق والكلام، وكان من أساتذته يعقوب الحضرمي، والنظّام، وخلف الأحمر، وغيرهم، وفي البصرة تعرّف على الشاعر "والبة بن الحباب"؛ إذ كان أبو نواس يعمل في محل للعطارة، حين مرّه والبة، الذي لاحظ فيه شدة الذكاء وحدّته، فعرض عليه اصطحابه للكوفة معه، ومن ثم إلى بغداد، فبقي أبو نواس مصاحبًا له، ومنه أخذ علمه في الشعر ونظمه، ومما أعانه في ذلك سرعة بديهته، وحلاوة منطقه وظُرفه، ومن ذلك اتخذه الخليفة الرشيد نديمًا وصاحبًا له في أوقات فراغه، ورحلات صيده.[٤][٥]


أسلوب أبو نواس الشعري

امتاز أسلوب أبو نواس بالجمال والرقة، وظهور النكتة، والطرافة فيه، وشعره سهل الألفاظ، والعبارات، والمعاني، فتراه يبتعد عن كل ما هو غريب منها، ويتجنب الحشو في الكلام، مستبدلًا ذلك بالعاطفة العميقة والصادقة، بالإضافة لاحتوائها على بعض الابتذال، وقد تنوعت أغراض أشعار أبي نواس؛ فكانت في الرثاء، والغزل، والحب.[٦][٤]


منهج أبو نواس الشعري

المنهج هو كما يكون المبدأ والطريق الذي يسلكه الشاعر في نظمه لشعره، وإظهار أغراضه منه، ولأبي نواس الأمر هنا مختلف، فمنهجه كان يقوم على كل ما هو جديد وطريف، فكانت فكاهته دائمًا واضحة، ولكنها تتمحور حول العبث والمجون، والاستهتار بالمعاصي، وهو ما كان عصره يتحلى به، فلم ينأ أبو نواس بنفسه عن ذلك، فاتخذ الكفر والازدراء بالدين منهجه، علاوةً على أنّ أشعار أبي نواس كانت تُنظم وهو في حالة سكرٍ غالب الوقت.[٤]


مؤلفات أبو نواس

لأبي نواس ديوان شعري تم جمع أشعاره ومخمرياته فيه، بالإضافة إلى كتبٍ تضم نوادره مع شروحٍ لها، ومن هذه الكتب:[٤][٧]

  • ديوان أبو نواس لأحمد عبد المجيد الغزالي.
  • كتاب أبو نواس في نوادره وبعض قصائده لسالم شمس الدين.


أشهر مؤلّف لأبي نواس

أشهر أقوال أبي نواس في الشعر هي خمرياته، أو ما يسمى بالخمريات، وهي شعر معروف من الجاهلية، إلى الإسلام، إلى العصر الأموي ثم العباسي، ولكنها هنا ما ميزت أبا نواس عمن سواه، ومن أشهر ما قال في الخمريات[٨]:


ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ، ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة ٍ، فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ وما الغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا و ما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ فَبُحْ باسْمِ من تهوى ، ودعني من الكنى فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر ولا خيرَ في فتكٍ بدونِ مجانة ؛ ولا في مجونٍ ليس يتبعُه كفرُ بكلّ أخي فتكٍ كأنّ جبينَه هِلالٌ، وقد حَفّتْ به الأنجمُ الزُّهرُ و خَمّارَة ٍ نَبّهْتُها بعد هجْعَة ٍ ، و قد غابت الجوزاءُ ، وارتفعَ النّسرُ فقالت: من الطُّرّاق ؟ قلنا : عصابة خفافُ الأداوَى يُبْتَغَى لهُم خمرُ ولا بدّ أن يزنوا، فقالت: أو الفِدا بأبْلَجَ كالدّينَارِ في طرفهِ فَتْرُ فقلنا لها: هاتِيهِ، ما إن لمِثْلِنا فديناك بالأهْلينَ عن مثل ذا صَبرُ فجاءَتْ بهِ كالبَدْرِ ليلَة َ تمّهِ ، تخالُ به سحراً، وليس به سحْرُ فقُمنا إليه واحداً بعدَ واحِدٍ، فكان بهِ من صَومِ غُربتنا الفِطرُ فبِتنا يرانا الله شَرَّ عِصابة ٍ، نُجَرّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ



ومن ذلك أيضًا ما قاله[٩]:


دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ صَفراءُ لا تَنزَلُ الأَحزانُ ساحَتَها لَو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتهُ سَرّاءُ مِن كَفِّ ذاتِ حِرٍ في زِيِّ ذي ذَكَرٍ لَها مُحِبّانِ لوطِيٌّ وَزَنّاءُ قامَت بِإِبريقِها وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ فَلاحَ مِن وَجهِها في البَيتِ لَألأُ فَأَرسَلَت مِن فَمِ الإِبريقِ صافِيَةً كَأَنَّما أَخذُها بِالعَينِ إِغفاءُ رَقَّت عَنِ الماءِ حَتّى ما يُلائِمُها لَطافَةً وَجَفا عَن شَكلِها الماءُ فَلَو مَزَجتَ بِها نوراً لَمازَجَها حَتّى تَوَلَّدُ أَنوارٌ وَأَضواءُ دارَت عَلى فِتيَةٍ دانَ الزَمانُ لَهُم فَما يُصيبُهُمُ إِلّا بِما شاؤوا لِتِلكَ أَبكي وَلا أَبكي لِمَنزِلَةٍ كانَت تَحُلُّ بِها هِندٌ وَأَسماءُ



قصة حبّ أبي نواس للجارية جنان

يذكر أن أبا نواس أحب جارية تدعى جنان حبًّا جمًا، وكانت أغلب أشعاره عنها، إلا أن حبه وعشقه وهيامه بها كان فقط من طرفه هو، فلم يحظَ منها حتى على الإشفاق أو التعاطف، فيقال أنها قالت في ذلك: "واضيعتاه! لم يبق لي غير أن أحب هذا الكلب..؟"، وقد علم أبو نواس بذلك، ولكنه كان يدعو الله بها، علّ قلبها يلين، ولكن ذلك لم يحصل أبدًا، وربما كانت هجرته من البصرة إلى بغداد بسبب ذلك، أما عن أشعاره في هذه الجارية، فمنها:[١٠][١١]


جِنانٌ حَصَّلَت قَلبي فَما إِن فيهِ مِن باقِ لَها الثُلثانِ مِن قَلبي وَثُلثا ثُلثِهِ الباقي وَثُلثا ثُلثِ ما يَبقى وَثُلثُ الثُلثِ لِلساقي فَتَبقى أَسهُمٌ سِتٌّ تُجَزّا بَينَ عُشّاقِ



وفاة أبو نواس

توفي الشاعر أبو نواس عام 199 هجرياً، في مدينة بغداد، ويقال بأنه وقبل وفاته كان قد ندم على معاصيه واستهتاره، وبأنه قد تاب إلى الله توبةً نصوحةً، فظهر في بعض أشعاره ثقته بالله، وتوبته، وزهده عن المجون والتهتك، ومن أشعاره في ذلك:[٤][١٢]


يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ



المراجع

  1. عيسى عبدالشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في أنظار الدارسين العرب المحدثين، صفحة 8.
  2. سالم شمس الدين، أبو نواس في نوادره وبعض قصائده، صفحة 10.
  3. عيسى عبدالشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في أنظار الظارسي العرب المحدثين، صفحة 13.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح سالم شمس الدين، أبو نواس في نوادره وبعض قصائده، صفحة 8-9.
  5. عيسى عبدالشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في أنظار الدارسين العرب المحدثين، صفحة 14-15.
  6. مكرمة، أبو نواس وخصائص شعره عن الحب، صفحة 31-30.
  7. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 1.
  8. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 28.
  9. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 6.
  10. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 19-17.
  11. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 298.
  12. أحمد عبدالمجيد الغزالي، ديوان أبي نواس، صفحة 618.